حينما أراد "فيليب السادس" ملك فرنسا المُلقب بالملك المحظوظ، القيام بحملة صليبية جديدة علي الشرق، وذلك لإسترداد الأماكن المقدسة في عام ۱۳۳۲ ميلادية، تلقي رسالة من القس الألماني "بروكاردس" تحمل في طياتها خوف العائدون من الموت، وصفت بأنها بالغة الأهمية، تنذر وتحذر وتحكي عن أخطار غريبة قد تواجهها حملته، أخطار يقودها وفقًا لوصفه شياطين ينبغي أن يُلعنوا، متعطشون للدماء البشرية، ويقتلون الأبرياء نظير أجر، يخدعون الجميع بتصرفات تبدو طبيعية، فيحاكون الحركات والثياب العصرية، كما يَعرِفون كثيراً من اللغات والعادات و التصرفات للأمم و الأقوام الذين يعيشون فيها.
الرسالة التي القس "بروكاردس" أكدت أنه لم يراهم ولم يلتقي بهم، ولكنه سمع عنهم لشهرتهم، لم يستطع تبينهم لأنهم مهرة في التخفي، لا يُعرف أسمائهم الحقيقية، أو مساكنهم، لا أهم وظائفهم إلا لأهل الثقة من الحاشية، فلم يتم السماح لأحد بدخول معاقلهم ومركز نشاطهم، ما يؤكد أن القس الألماني اعتمد في وصفة علي تلك الجماعة علي ما إشتهرت به، وعلي سماع ما تردد عنهم من حكايات أصابته بكل هذا الذعر، إنهم جماعة الحشاشين أو الحشاشون أو الحشيشية، كما أسموا أنفسهم إسماعيلية نزارية، تلك الدعوة التي انفصلت عن الفاطميين في أواخر القرن الخامس الهجري، الحادي عشر ميلادي.
الحقيقة الثابتة إن المؤرخين لا يعرفون السبب الحقيقي لتسمية تلك الجماعة بالحشاشين، فهل حصلوا علي إسمهم لإعتمادهم علي نبات الخشخاش؟، المصدر الرئيسي للحشيش، أم أنهم حصلوا علية من الكلمة الفرنسية "Assassins"، والتي تعني القتلة أو الإغتياليون، وكان الصليبيون قد أطلقوها على الفدائية الإسماعيلية، فقد كانوا يفتكون بملوكهم وزعمائهم، فخافوهم ولقبوهم "الأساسان"، كانت طاعتهم لزعيمهم طاعة عمياء، لا يترددون في تنفيذ الأوامر، فعندما أمر الحسن بن الصباح، مؤسس الطائفة، أحد جنودة بقتل نفسه بالخنجر، لم يتردد، وعندما أمر الأخر بالقفز من أعلب قمة جبل "ألموت"، لم يتردد، وكأنهم مسلوبي الإرادة، ما جعله يفتخر أمام أحد منافسيه قائلًا: "أنظر كيف يبذلون أنفسهم في سبيل عقيدتهم".
تبداء قصة الحشاشسين عقب وفاة "جعفر الصادق" في "المدينة" عام 148هجريا، 765 ميلاديًا، وفي اليوم التالي لوفاته، حدث إنشقاق جديد بين العلوين، فنتج عنه فرق متعددة، منها فرق "موسي الكاظم بن جعفر الصادق"، وهي طائفة الشيعة "الإثنا عشرية"، وهم المعتدلون، وفرقة "الإسماعيلية"، والتي تطورت لتُصبح "الباطنية"، أو "الملاحدة"، وهي الفرقة التي تطورت حتي صارت فيما بعد الحشاشية أو الحشاشون، وهي الفرقة المؤمنة بإمامة إسماعيل، الإبن الأكبر من أبناء جعفر الصادق، ثم إمامة محمد من بعد ابيه إسماعيل، وتبنت إمامة "نزار المصطفي لدين الله" إبن الخليفة الفاطمي المستنصر بالله.
حسن الصباح أسس الحركة بمنهج الإغتيالات.. ووعد أتباعه الفدائيين بالجنة في مقابل الطاعة العمياء
وقد تبنت هذه الفرقة التقاليد الثورية للتشيع، وقد تطورت تلك الأفكار في عقول تابعيهم من عصر لأخر، خاصة مع التطور الإجتماعي للدولة الإسلامية، ما إضطرهم للتحول من الافكار الثورية، إلي مفهوم حركات التمرد والجماعات المسلحة التي تحارب في سبيل العدالة الإجتماعية، وهي الأفكار التي نشطت خلال القرنين الثالث والرابع الهجري، والتي انتقلت من الدولة الفارسية المتأخمة، أو من بعض الممالك الأفريقية.
إنطلقت الدعوة الإسماعيلية الـ"نزارية" أو الحشاشون، من مدينة كرمان التاريخية، والتي تقع وسط جنوب شرق دولة إيران، وتبعد عن طهران العاصمة أكثر من 960 كليومتر، قبل أن تنتقل شمالًا إلي مدينة "يزد"، أحد أهم مدن الدولة الصفوية، والي أسست علي يد الإسكندر المقدوني، قبل أن تنتشر في كل وسط إيران، وتحديدًا في أصفهان وخوزستان، والتي تقع شمال الخليج العربي، وفيما بعد وصلت دعوتهم إلي الشمال حيث جبال "ألبرز" المطلة علي بحر قزوين، حيث مدينتي طبرستان ودامغان، قبل أن تستقر في قلعة "ألموت" علي إرتفاع 2100 متر من قمة جبل "أموخت"، وإسمها يعني "عش النسر"، فقد بنيت بطريقة جعلت من دخولها صعب، ليس لها إلا طريق واحد يصل من وإليها، خذا الطريق أُقيم على منحدر مصطنع، لذلك أي غزو للحصن يجب أن يحسب له لخطورة الإقدام لهذا العمل.
لم يكتف الحشاشين بذلك، ولكنهم واصلوا الانتشار شرقا، حتي وصلوا إلى مدينة مازندران في السهل الساحلي المطل علي بحيرة قازوين، ثم قاموا بحتلال بعض المناطق الأخري، مثل، رودبار جنوب مدينة غيلان المطلة علي بحر قازوين، ومدينة رامسر وسط شمال إيران، وتطل علي بحر قازوين، كما قاموا بإحتلال عدد كبير من القلاع والحصون، فإمتدوا حتي وصلوا إلي نهر جيحون، وذلك علي الحدود بين دولتي أوزبكستان وتركمنستان، قبل أن ينتقلوا غربًا حتي سوريا، وقاموا بالإستيلاء علي قلاع بانياس ومصياف والقدموس والكهف والخوابي وسلمية، وقد أثارت هذه الطائفة الذعر والرعب في قلوب كثير من الناس، سواء كانوا من أعدائهم كالعباسيين والسلاجقة والصليبيين، أو من الناس العاديين الذين خافوا على أرواحهم فصمتوا.
عُرفت حركة الحشاشين بسرية عملها في زمن زمن محمد ابن إسماعيل ابن جعفر الصادق، وذلك حتي مطلع القرن التاسع الميلادي، حيث توفي الإمام محمد بن إسماعيل عام 809 ميلادية، حينها إنتقل مركز الدعوة إلى مدينة "سملا"، ثم إلى مدينة "تدمر"، وعقب تولي أحمد ابن محمد ابن إسماعيل إبن جعفر الصادق الإمامة، انتقل بالدعوة إلي مدينة "سلمية" التاريخية في سوريا، ثم إنتقلت الإمامة إلى ابنه رضي الدين عبدالله، وفي عهده إنتقلت الطائفة من التأسيس إلى العمل والظهور العلني، وعندما تولي عبدالله إبن رضي الدين إنتقل بالإمامة إلى المغرب العربي.
تحصنوا بالقلاع والحصون الجبلية وكانت قلعة ألموت حصنًا منيعًا يرتفع عن سطح البحر ٧١٠٠ مترًا
عندما توفي الإمام عبدالله الرضى تولى ابنه "أحمد الوفي" إمامة الإسماعيلية، وبعد وفاته خلفه ابنة الإمام "الحسين بن أحمدبن عبد الله"، والذي اشتهر باسم "محمد الحبيب"، وفي عهد هذين الإمامين بلغت الدعوة الإسماعيلية أوج انتشارها، فقد إنتشر دعاة الإسماعيلية في كثير من أرجاء العالم الإسلامي كاليمن، وشمال إفريقيا والمغرب، والبحرين، والأحساء، وعُمان، فضلاً عن بلاد العجم ولما توفي محمد الحبيب خلفه في إمامة الإسماعيلية ابنه "عبيد الله"، والذي نجح دعاته في نشر دعوتهم في بلاد المغرب، ما جعلها هُهيأة لقيام الدولهم.
نتقل الإمام عبدالله من "سلمية" في رحلة شاقة تخفوا خلالها من أعين رجال الخلافة العباسية، وفي المغرب التقي بشيعته ثم أعلن قيام الدولة الفاطمية في 909 ميلادية، وأصبح عبيد الله يلقب عبيد الله المهدي أمير المؤمنين، حتي تولي المعز لدين الله الفاطمي الخلافة في 953 ميلادية، لينجح في عام 969 في الإستيلاء علي مصر وضمها للدولته، بل وجعل من القاهرة عاصمة للدولة الفاطمية.
ظلت الإسماعيلية طائفة سلمية حتي ظهر "الصباح"، وهو حسن بن علي بن محمد الصباح الحميري، والذي ولد في عام 410 هجرية، 1015 ميلادية، في مدينة "الري" بإيران، وإن كان البعض يعتقد أنه ولد في مدينة "قم"، ثم إنتقل إلى "الري"، وقد وصفه "ابن الأثير" أنه كان رجلاً عالماً بالهندسة والحساب والفلك والسحر، نشأ في بيئة شيعية اثنى عشرية، تأثر بالطائفة الإسماعيلية حينما كان في مدينة "الري"، لذا اعتنق الدعوة قبل ان يتعد السابعة عشرة من عمره، فقد قال عن نفسه: "ظللت حتى السابعة عشرة دارساً وباحثاً في المعرفة، ولكني ظللت على عقيدة أجدادي الإثنى عشرية، وذات يوم التقيت برجل يدع "عميرة زاراب"، كان من وقت لأخر يدعو إلى نظرية الخلفاء في مصر، وكان زاراب ذا شخصية قوية، وعندما ناقشني لأول مرة وعرفني مبادئ الإسماعيلية تحداني انني سأعتنق أفكاره.
وصل حسن الصباح مصر في عام 1055 ميلادية، بقي علي أرضها ثمانية عشرة شهرًا، قابل خلالها الخليفة الفاطمي المستنصر بالله، والذي أكرمه، وأتاح له فرصة الإستزادة من علوم علمائها، لذا أيد المستنصر عندما قام بتعيين ابنه الأكبر "نزار" خليفة له علي الإمامة، ورغم أن تأييده يتفق مع تعاليم الإسماعيلية التي تشترط في الإمام أن يكون أكبر أبناء أبيه، دخل في صراع مع الوزيرالأفضل بن بدري الجمالي، والذي نادى بإمامه" أبا القاسم أحمد"، والذي كان يُلقب باسم "المستعلي"، الأخ الاصغر لنزار، وقد أدي الخلاف إلي نزاع داخلي، حتي أن بدر الجمالي أعلن أن وجود حسن الصباح في القاهرة خطر يهدد كيانه، فأعد له مؤامره أودت به في السجن بمدينة دمياط، ثم قام بطرده من مصر إلي بلاد المغرب.
عقب خروج سفينه المنفي بحسن الصباح من ميناء الأسكندرية في 1059 ميلاية، كان من المفترض أن تتجه إلي شمال أفريقيا، ولكن الرياح لم تجري بما أُمرت تلك السفينة، فإنحرفت متجهة إلي مدينة عكا ببلاد الشام، ومنها إنطلق إلي حلب ثم إلي بغداد ثم إلي خورستان، وأخيرًا إلي مدينة "أصفهان"، والتي وصل إليها في 1051، ومن هناك أخذ يدعو بإمامة الخليفة الفاطمي "نزار"، متعاوناً في ذلك مع داعي الدعاة "عبدالملك بن عطاش" وابنه"أحمد، والذي كان أحد كبار الدعاة الإسماعيليين، إلي أن قُتل الوزير الأفضل بدر الدين الجمالي يد علي يد الخليفة "المستعلي".
الخلاف بين الصباح وبدر الجمالي خلق إنقسامًا في صفوف الإسماعيلية، فأضحي هناك فرقتين، الأولي نادت بإمامة المستعلي بن المستنصر، فسموا المستعلية، أو الفاطمية في مصر، وقد إستمروا في خلافة الدولة الفاطمية حتى زوالها، والثاني نادى بإمامة نزار، الإبن الأكبر للخليفة المستنصر، وسموا النزارية، أو الباطنية، أو إسماعيلية المشرق، وأحيانًا إسماعيلية إيران، أو الحشاشين، وقد تزعم هذا الفريق حسن الصياح، والذي كان يُقيم بقلعة ألموت، ورغم مقتل نزار، إلا أنه ظل يحارب من أجل إثبات أحقة أمامته.
رغم فدائيتهم لم يرفعوا السيوف في وجه الصليبيين بل قاموا بإغتيال سلاطين المسلمين
كان يبدو من الوهلة الأولي أن الصباح قد اكتسب العديد من العداوات، سواء مع الفاطميين في مصر، أو العباسيين في بغداد، أو حتي السلاجقة الذين يطاردونه منذ سنوات، لذا اضطر للتحصن بقلعة ألموت أعلي جبال ألبرز جنوب بحيرة قازوين، في مدينة رودبار، والتي رأي فيها مقرًا مناسبًا لنشر دعوته، وفي نفس الوقت يستقل عن تبعيته لشيخ الجليل "عبد الملك بن عطاش"، حيث ترتفع عن سطح البحر بأكثر من 7100 متر، وتبعد عن طهران بحوالي 100 كيلومتر.
طبقًا لإبن كثير في كتابه البداية والنهاية، كان حسن الصباح يطوف علي الناس ويخدعهم بالزهد واللبس البسيط وتبعه كثير من الناس، واستطاع أن يستميل صاحب القلعة، وكان علوياً، فأحسن الظن به وقربه إليه وصار يتبرك به، وعندما أحكم أمره، وإطمأن إلي قوته، دخل يوماً على صاحب القلعة العلوي وأمره بالخروج، فتبسم العلوي وظنه يمزح، فأمر إبن الصباح بعض أصحابه بأخراجه، فأخرجوه إلي "دامغان"، وإنتزعوا منه كل شيء المال والحصن، لذا حصل حسن الصباح علي لقب شيخ الجبل.
رويدًا رويدًا، تمكن الصباح، وبنفس الطريقة، من الاستيلاء علي القلاع والمناطق الصالحة لبناء حصون وقلاع، أهمها علي الإطلاق قلعة "لامسر"، التي تقع في قرية "رودبار"، التابعة لمحافظة "هرمزغان" في جنوب شرق إيران، وقد كان سكانها يرفضون دعوة الحسن، فأرسل بعض رجاله بقيادة "كيا برزك أميد"، ليتسلقوا القلعة في ليلة العشرين من ذي الحجة سنة 494 هجرية، 1107 ميلادية، وقام بقتل أهلها، ثم أقام برزك آميد عشرين عاماً في هذه القلعة لا ينزل منها إلا عندما يستدعيه الحسن، وهكذا إنتشروا في عدة مناطق من خوزستان، وهضبة الديلم، ومازندران، وقزوين، وجميع منطقة رودبار.
كان اعتناق حسن الصباح العقيدة النزارية تطورًا جديدًا في تاريخ هذه الدعوة، حتي أنه إبتكر نظرية الإمام "المستور" والدعوة إليها، مخالفاً بذلك الدعوة الشيعية الإمامية التي كانت تعتمد على نظرية الإمام "الظاهر"، فقد استغل فرصة موت الإمام نزار بن المستنصر في السجن، وزعم أن الإمامة إنتقلت إلى أولاده وأحفاده، ولكنهم أصبحوا أئمة غير ظاهرين من باب السرية الأمنية، ثم نصب نفسه نائباً للإمام، فقد إستطاع أن يستغل الدعوة لنزار خير استغلال، فأصاب نجاحاً بعيدالمدى، وأفلح في تكوين نظام جديد، وأنشأ دولة إسماعيلية خالصة له في وسط الدولة العباسية لسنوات طويلة.
نال الصباح قداسة عند اتباعة، فكان من السهل اقناعهم برفع السيف ضد الدولة العباسية السنية، كما تلاعب في تفسير القران الكريم، وذلك ليتناسب مع اهواءه، وأطلق علية تفسير الباطنية، لذا سميت بالفرقة بالباطنية، وبعد الصباح تحولت تلك الفرقة من جماعة سلمية إلى حركة منظمة لها نشاط، مثل تنظيم إغتيالات كبار رجال الدولة العباسية وأمرائها، وعلي رأس من قامت بإغتيالهم، الأمير جناح الدولة حسين بن ملاعب، وشقيقه الأمير خلف بن ملاعب الأشهبي، حاكما حمص، مودود بن التونتكين، آق سنقر البرسقي، حاكما الموصل، كما تمكنوا من السيطرة علي عدد أخر من الحصون، كحصن مدينة بنياس، ولكنهم سلموه إلي الفرنجة سنة 1030 ميلادية، ما أثار غضب العوام، وتحالف الأعداء ضدهم، ففتكوا بهم.
كانت طموحات حسن الصباح تزداد يومًا بعد يوم، لذا توسع في بلاد الشام في محاولة لإضعاف الدولة السلجوقية السنية، وفي نفس الوقت كان يعمل علي إضعاف الدولة العباسية، وكان يحلم بالإستيلاء علي مصر، تلك المضايقات أجبرت جلال الدولة ملكشاة، السلطان السلجوقي، بإرسال حملة عسكرية إلي قلعة ألموت، بقيادة وزيرة قوام الدين بن العباس الطوسي، والملقب بنظام المُلك، والذي نجح بإحكام الحصار عليها، حتي اضطر حسن الصباح لإرسال عدد من الفدائيين لإغتياله، وقد نجحوا في ذلك في 1092 ميلادية، وبعد أقل من شهر توفي السلطان ملكشاة، فعاد الجيش السلجوقي، وفك الحصار عن القلعة، وبعد أربعة أعوام تمكن السلطان السلجوقي بركياروق بن ملكشاة من إسترداد قلعتي جالنجان وسنمكوه، وذلك بعد حصارها أكثر من ثمانية أشهر، كما إسترد بعض القلاع الصغيرة الأخرى، ثم هاجمهم مرة أخرى بعد خمس سنوات وأعمل فيهم القتل والتنكيل.
وفي عام 1106 ميلادية هاجم السلطان محمد بن ملكشاة قلعة شاهدز في أصبهان، والتي كان الباطنية قد إستولوا عليها، وتمكن من استعادتها، وقتل صاحبها أحمد ابن عبد الملك العطاش، وفي المحرم من عام 701 هجرية، 1109 ميلادية، سير السلطان محمد بن ملكشاة وزيره نظام الملك أحمد ابن نظام الملك إلى قلعة ألموت لقتال حسن الصباح ومن معه من الإسماعيلية النزارية"، وبالفعل نجحوا في احكام الحصار علي القلعة، وكاد أن تسقط لولا قدوم الشتاء، لذا حاول الحشاشين اغيال نظام الملك أحمد، ولكنهم فشلوا، فقام بإرسال حملة للقضاء علي قلعتهم، وقام بحصارهم ستة سنوات، انتهت بوفاة السلطان وبعودة نفوذ الحشاشين مرة ثانية، وتجددت الحرب مع تولي السلطان أبو الحارث سنجر بن ملكشاه، ولكنه اضطر للصلح خوفًا بعدما وجد خنجرًا مغروسًا في فراشه، ورسالة تهديد من الصباح.
في السادس من ربيع الأخر من العام 518 هجريًا، 1124 ميلاديًا، توفي شيخ الجبل حسن الصباح مؤسس العقيدة النزارية، عن عمر ناهز التسعين، وكان قد أرسل لصاحب قلعة لامسر "برزك آميد" ليتولي مكانه في قلعة ألموت، كما كلف البعض بشئون الدعوة والإدارة وقيادة القوات، وطلب منهم التعاون مع بعض حتى ظهور الإمام المستتر ويتولى شئون الطائفة، ليغادر الصباح كرسية بالقلعة بعد أن قضي فيه أكثر من 35 عامًا، ولكنه لم يغادر القلعة، فقد تم دفنه في أحد سراديب القلعة، وفي اليوم الثاني تولي برزك أميد حتي وفاته في 532 هجرية، 1138 ميلادية، وطيلة فترة حكمة لم تتغير سياسة الحشاشين، خاصة فيما يتعلق بالإغتيالات، والحرب مع الدولة السلجوقية.
وفي عام 557 هجريًا، 1162 ميلاديًا، تولي فرقة النزارية محمد ابن برزك آميد، ليُصبح السيد الثالث لقلعة ألموت، وفي عهده تفرغ للنزاع مع جيرانه المحليين في قزوين والديلم وسيستان، كما نجح في تنفيذ عدة اغتيالات، راح ضحيتها الخليفة العباسي السابق الراشد ابن الخليفة المسترشد، والسلطان السلجوقي داود الذي اُغتيل في تبريز عام 1143، إلي أن توفي في سنة 577 هجرية، 1181 ميلادية، ودفن إلى جانب والده وحسن الصباح قرب ألموت، ليتولي خلفًا له الحسن علي، ابن الخمسة وثلاثين ربيعاً، ورغم انه لم يحكم سوي أربعة سنوات، خلال الفترة من 1162 حتي 1166، إلا انه أعلن عن حقيقته بأنه إمام بعد أن كان مخبوئاً، فتخلّل هذا الإعلان احتفالات كبيرة دامت عشرة أيام سُمّيت فيما بعد بـ"عيد القيامة"، كما زعم أنه إبن "بزرك آميد" من الناحية الظاهرية، ولكنه بالباطن إمام العصر، وأنه من نسل نزار إبن المستنصر.
وفي يوم الأحد 9 يناير 1166م طُعن الحسن علي بخنجر أثناء تواجده في قلعة لامسار، ليفارق الحياة ويدفن في قلعة ألموت، ويخلفه إبنه محمد، وكان شاباً في التاسعة عشر من العمر، لذا كانت فترة حكمه هي الأطول، فقد تجاوزت الـ46 عامًا، تمكن خلالها من ترسيخ نظرية القيامة وتطويرها، وقد ساعده في ذلك حالة الضعف التي أصابت الدولة السلجوقية، وظهور التركمان، إلي أن توفي في عام 1210، ليخلفه في الحكم إبنه جلال الدين، والذي أظهر من قبل عدم رضاه على نظريات وممارسات "القيامة"، بل وقام بتكفير أبائه ولعنهم، وأعاد الإسلام مرة ثانية، وأحيا الشعائر، ووصل حبل المودة مع باقي العالم الإسلامي، وأرسل لهم برقيات تعبر عن مدي صدق مشاعره، وسُمي عهده باسم "المسلمين الجدد"، إلي أن توفي عام 1221.
بموت جلال الدين عاد الحشاشين إلي سابق عهدهم، فقد تولي إبنه علاء الدين محمود، وكان عمره لم يتجاوز التاسعة، لذا كان لوزير أبيه دورًا في السيطرة علية، فأعاد كل شيء إلي سابق عهده، فعاد الإلحاد والعربدة وإنتشر الإرهاب، فقد شهِد عهده الكثير من الإغتيالات الجريئة ضد أعداء الإسماعيليين، إلي أن توفي سنة 1255 ميلادية، ليخلفه ابنه ركن الدين، والذي لُقب بشمس الشموس، ورغم أنه لم يحكم سوي 3 سنوات، إلا أن النهاية كانت علي يديه، فقد دخل في صراع مع التتار "المغول"، الذين سيطروا علي المنطقة كلها، وبعد أسر ركن الدين توفي أثناء اقتيادة بصحبة إبنه وإبن أخيه إلي هولاكو وتم دفنه بجوار نهر جيحون، ليودع الاَئمة الاسماعيليين بلاد آلموت لتستقر في آذربيجان بعد أن دام حكمهم فيها ما يقارب 214 عام.
يعد مبدأ التقية أحد أهم مبادئ الحشاشين، حيث التورية والكذب والاختفاء بين العموم، كما لم يكن هناك اي ما يمنع من التحالف مع الصليبين أو الأعداء، فطيلة قرنين لم يكلف الحشاشون أنفسهم محاربة الصليبيين الموجودين في بلاد الشام، بل إن عداءهم وحنقهم كان مُنصبًا على زعماء المسلمين، ويؤكد ذلك عدة حوادث تاريخية أهمها اغتيال الأمير السلجوقي "مودود" في دمشق، والذي جاء على رأس بعثة عسكرية تهدف إلى محاربة الصليبيين، بالإضافة إلي التعاون الذي جمع بين أحد زعماء الحشاشين ويُدعى "علي بن وفا"، والزعيم الصليبي "ريموند" حاكم أنطاكية، ضد "نور الدين زنكي" في حملته عليهم، هذا غير اتفاقهم مع الفرنجة علي قتل صلاح الدين الأيوبي، والقيام بانقلاب في القاهرة لعودة الدولة الفاطمية.
المصادر:
- الحشاشون، تأليف برنارد لويس وتعريب محمد العزب موسى، دار المشرق العربي الكبير، بيروت، طـ1، 1980.
- طائفة الإسماعيلية: تاريخها، نظمها، عقائدها، د. محمد كامل حسين.
- أصول الإسماعيلية والفاطمية والقرمطية، برنارد لويس.
- خرافات الحشاشين واساطير الإسماعيليين لفرهاد دفتري -ترجمة سيف الدين القصير، دار المدى، دمشق، الطبعة الثانية 2004.
- البداية والنهاية لابن كثير- تحقيق الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي- هجر للطباعة والنشر- الطبعة الأولى، 1998.
- الكامل في التاريخ لابن الأثير-تحقيق عبد الله القاضي-دار الكتب العلمية، بيروت، ط2، 1415.
- تاريخ الإسماعيلية - عارف ثامر- الجزء الرابع (الدولة النزارية)- دار رياض الريس- لندن- الطبعة الأولي 1991.
- تاريخ الاشتراكات الصليبية، الجزء الأول: الحملة الصليبية الأولى وتأسيس مملكة بيت المقدس، ستيف رينسمان، إصدارات جامعة كامبريدج، ١٩٥١.
- الأعمال المنجزة فيما وراء البحار، وليم الصوري، ترجمها من اللاتينية إي. إيه. بابكوك، و إيه. سي. كيري. إصدارات جامعة كولومبيا، ١٩٤٣.
مجلة علمية معرفية وثائقية تتناول الشخصية المصرية