عينان صغيرتان، وفم ضخم طويل، ،أنف معقوف، وفم سفلي، ذو رأس يشبه الفيل، يحمل فكه العلوي قاطعتين طويلتين كأنياب الفيل، يصل طول الواحدة منهما إلى 20 سم، وجسد حينما تراه تعتقد أنه لأحد الدلافين، عجز علماء الأحياء المائية عن تصنيف تصنيفه أو رتبته لعشرات السنين، فعلي الرغم من كونه أحد الثدييات المائية، والتي يدخل في تصنيفها حيوان الفقمة أو كلب البحر، إلا إنه لا ينتمي إلي هذه الثدييات، وغيرها من الكائنات، ولكنه أقرب للأفيال.
الدوجونج، أو أبقار البحر، ثدييات بحرية متوسطة الحجم، تنتمي وثلاثة كائنات بحرية إخري إلي رتبة "الخيلانيات"، أو ما يُسمي برتبة "سيرينيا"، وقد ظهرت للمرة الأولي في العصر الآيوسيني المبكر، أي منذ ما يقرب ٥٠ مليون سنة، ولم يبق غيرها وإنقرض الأخرون بإنتهاء العصر الآيوسيني، ويري خبراء الأحياء المائية الدوجونج والأفيال يشتركان في كونهما يتبعان للمجموعات أحادية العرق، فكلاهما تربطهما صفات مجموعات حيوانية مشتركة، كالوبريات وخنازير الأرض، من حيث نوع وطريقة الغذاء، حيث يمتلك ما يشبه الخرطوم، وفم يخرج منه نابان طويلان، ويُعتقد أنه حتي نهاية العصر الآيوسيني كان هناك إرتباطًا وثيقًا بين الدوجونج والافيال، ولكنه بدأ في التباعد الوراثي بالتطور، حتي وصلت في المرحلة السادسة من العصر الميوسيني إلي تلك الفصيلة التي تنتمي لأبقار البحر، الدوجونج.
في عام 1765 عام، أي منذ نحو قرنين ونصف، أطلق المؤرخ الطبيعي العالم الفرنسي جورج دي بوفون إسم "دوجونج" علي حيوان ينتمي إلي عائلة "الخيلانيات" يشبه إلي حد كبير أبقار البحر، وذلك بمجرد متابعته علي سواحل جزيرة ليتي الفلبينية، وكان السكان المحليين بالجزيرة يطلقون علي ذلك الحيوان"بقرة البحر" و"خنزير البحر" و"جمل البحر، وفي عام 1776 وضع عالم الحيوانات الألماني فيليب لودفيج ستاتيوس مولر تصنيف لها باعتبارها Trichechus dugon، وهي أحد أنواع خراف البحر، وفيما بعد قام عضواً الأكاديمية الفرنسية للعلوم، برنار جيرمان دي لاسيبيد، بتصنيفها كأحد أنواع الدوجونج، وبعد سنوات تمكن عالم الحيوان الإنجليزي "جون إدوارد غراي" من تصنيف العائلة التي تنتمي لها، قبل أن يقوم عالم الحفريات الامريكي "جورج جايلورد سيمبسون" في تصنيفها تبعًا للفصيلة الفرعية الخاصة بها.
واليوم ينتشر الدوجونج في أكثر من 40 دولة، أغلبها في المحيط الهندي حول شبه الجزيرة الهندية والفلبين وأندوبيسيا، وفي البحر الأحمر وسواحل شرق افريقيا، وغرب المحيط الهادي حول استراليا واليابان ونيوزيلاندا، وغالبا ما يعيش الدوجونج بالقرب من السواحل، حيث يعتمد إلى حد كبير على مجتمعات الأعشاب المرجانية، من أجل العيش وبالتالي يقتصر غذائها على الموائل الساحلية التي تدعم مروج الأعشاب البحرية، لذا تنتشر أغلب أبقار البحر أو الدوجونج في مناطق المحميات الضحلة مثل الخلجان ومناطق زراعة المانجروف وسواحل الجزر الكبيرة، أي أنه ينتشر على طول يقدر بنحو 140 ألف كيلو متر.
أما علي السواحل المصرية، نجد "الدوجونج" يعيش في المياه الساحلية الدافئة التي تتوافر بها الحشائش البحرية والشعاب المرجانية، لذا نجده ينتشر بشكل دائم في جنوب الغردقة ومرسي علم، تحديدًا في منطقة أبو دباب، ومرسى عجلة، ومرسى شونة، ومبارك، ووادى الجمال، ويطلق علية السكان المحليين لتلك المناطق اسم "عروس البحر"، ويُعد أكبر مروج للسياحة في مدينة مرسي علم، فالسائح يتوافدون من أكثر من 20 دولة ليقوم بالغطس معه.
يتميز "الدوجنوج" بجسد اسطواني المنحرف عند الطرفين بدون زعنفة ظهرية أو أطراف خلفية، يمتلك ذيل متقلب وزعانف تشبه إلي حد كبير الدلافين، يمتلك جمجمة وأسنان فريدة من نوعها، وذو بشرة سميكة ناعمة، ويغطي الجسم القليل من الشعر القصير، بعضها بني اللوان والبعض الأخر رمادي غامق، خاصة مع التقدم في العمر، والذي يصل في بعض الأحيان إلي سبعون عاما، وتتميز الشفة العلوية للدوجونج بأنها علي شكل حدوه حصان، وتساعدها في البحث عن الطعام لضعف بصرها، لذا غالبًا ما تستخدم الرائحة لتحديد موقع نباتات صالحة للأكل.
أجمع علماء الأحياء المائية علي عدم وجد فرق كبير بين ذكر الدوجونج وأنثاه، الفرق الوحيد الرئيسي بينهما هو موقع فتحة الأعضاء التناسلية بالنسبة للسرة والشرج، كما تمتلك الأنثي حلميتين، واحدة خلف كل زعنفة، ذات جمجمة فريدة الشكل ومقلوبة بشكل حاد، يصل وزنها حوالي 300 جرام فقط، أي ما يعاجل 0.1% من وزنه، كما يمتلك رئتان وكليتان طويلة جدا، تمتد الأولي من الصدر حتى الكليتين، وذلك للتعامل مع بيئة المياه المالحة، كما يحتوي عموده الفقري بين 57 و60 فقرة، حيث يصل طول البالغ منها حوالي 3 أمتار، ويزن حوالي 420 كيلو جرام، وقد شوهد بعض الذكور إلي حوالي 900 كيلو جرام.
يتصف الدوجونج بالخجل رغم أنه حيوان إجتماعي، لذا لا يعيش في جماعات، لذا غالبا ما نراه منعزلًا أو يتواجد كزوجين، ويتواصلون فيما بينهم من خلال إطلاق بعض النغمات والأصوات كالصفير، وقد لاحظ علماء الحياة البحرية وجود أصوات مختلفة بسعات وترددات مختلفة، مما يعني أغراضًا مختلفة، وكأي حيوان ثديي لا يستطيع الدوجونج البقاء في قاع البحر سوي 6 دقائق فقط، فيضطر قبل انتهاء تلك الفترة للصعود إلي سطح البحر لإلتقاط الأنفاس، لذا يعيش أغلبهم علي اعماق تصل إلي نحو 10 أمتار فقط، وإن كان بعضهم شوهد في أعماق تصل إلي 39 مترًا.
يتغذى الدوجونج على الأعشاب البحرية، ويساعده في البحث عنها أنفه الضخم، ثم يقوم بقضمها بشفتاه القاسيتان ونزع النباتات حتي من جذورها، وتُعد تلك الأعشاب منخفضة الألياف، وغنية بالنيتروجين، ويمكن هضمها بسهولة، مثل الهالوفيليا "Halophila"، أو محب الملح، و"Halodule" والتي تنتمي لعائلة "عشب الخروف"، ونبات حزامية كابريكورنية أو "Zostera capricorni" الاكثر شيوعًا في قاع البحر، ولكنها تنمو ببطء، وهناك البعض منها يضطر للتغذية علي الطحالب البحرية، وذلك عندما لا يتوافر لديها الأعشاب والنباتات البحرية، وفي بعض الأحيان تلتهم بعض اللافقاريات، مثل قناديل البحر ونافورات البحر والمحار.
يصل الدوجونج إلى النضج الجنسي بعد ثمانية سنوات، وقد يصل في بعض الأحيان إلي 18 سنة، ما يجعله أكبر الحيوانات الثديية التي تنضج جنسيا في وقت طويل، وتتمكن الانثي من التعرف علي مدي نضوج الذكر الجنسي من خلال انيابه ومدي إندفاعها، وقد تنجب الأنثي أول مولد لها في عمر 10 سنوات أو 17 عامًا، والغريبة أن الذكور يفقدون خصوبتهم عندما يقتربون من نهاية العمر، ويتم التعارف بين الذكر والأنثي عن طريق ممارسة تُعرف بإسم "lekking"، وهي محاولة إقناع الإناث أنهم يدافعون عن تلك المنطقة التي يستوطنوها ضد الذكور الأخري، وبعد التزاوج تلد الأنثي بعد فترة تتراوح من 13 إلى 15 شهرًا من الحمل، وتتم الولادة في المياه الضحلة جدًا.
يبلغ طول صغار الدوجونج حديثي الولادة حوالي 1.2 متر، ويزن حوالي 30 كيلوجرامًا، يبقي بجوار أمه من 14 إلى 18 شهرًا، يتعلم خلالها أصول السباحة، ويقوم بالرضعة، وفي نفس الوقت يتعلم كيفية البحث عن الأعشاب البحرية وتنظيفه وتناوله، وعند الحاجة إلى الرضاعة، يمتص صغار الدوجونج زعانفها بطريقة "مص الإبهام"، كما يفعل الأطفال.
وفقًا للاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة "IUCN"، يُعد الدوجونج أحد أكثر الحيوانات الثديية البحرية المهددة بالإنقراض، فعلي الرغم من قوانين اتفاقية التجارة الدولية التي لحظر صيد الأنواع المهددة بالانقراض، تتعرض أبقار البحر للصيد الجائر بحثًا عن اللحوم والزيوت، خاصة وأنهم يعيشون في المياه الضحلة، أي بالقرب من النشاط البشري، لذا تم إدراجها في القائمة الحمراء لأكثر الكائنات المهددة بالإنقراض، كما يحدث في اليابان وأسترليا وجنوب شرق قارة أسيا، لذا انخفضت أعداد أبقار البحر في الآونة الأخيرة، وبشكل ملحوظ.
المصادر:
مجلة علمية معرفية وثائقية تتناول الشخصية المصرية