منذ أكثر من 1150 عام مضت، وتحديدًا في الخامس عشر من سبتمبر 868 ميلادية، دخل الأمير أحمد بن طولون مصر، وكان ذلك يوافق السابع من شهر رمضان المبارك، ثم قام بالإستقلال عن الخلافة العباسية، بعدها قرر التقرب من شعب مصر ليعاونوه في حربة ضد معارضيه الموالين للخليفة العباسي، فقام بإعداد وليمة كُبري للتجار والأعيان، بل وأمرهم بفتح منازلهم، ومد موائدهم لإطعام الفقراء، كما أمر أن يُعلق هذا القرار في كل مكان، وكانت هذه الوليمة هي البداية الحقيقية لفكرة موائد الرحمن في بلاد المحروسة.
كعادة التاريخ البعيد، هناك دائمًا بداية أخري، فبعد اقل من قرن، وتحديدًا عام 972، وعقب دخول الخليفة المعز لدين الله الفاطمي مصر، في شهر رمضان، قرر هو الأخر أن يُقيم الولائم والموائد الرمضانية لشعب مصر، وكان يأمر الحكام وكبار رجال الدولة والتجار والأعيان، بعمل تلك الموائد، وأطلق عليها أسم "سماط الخليفة"، وكان القائمون على قصر الخليفة الفاطمي يوفرون مخزوناً كبيراً من السكر والدقيق لصناعة حلوى رمضان، وكانوا يطلقون اسم "دار الفطرة"، وكانت تصنع أيضًا كعك العيد الذي سيتم توزيعة أخر يوم رمضان.
رغم حالة الخلاف والجدال بين خبراء التاريخ والمؤرخين حول أحقية فكرة موائد الرحمن، إلا أنه من الثابت تاريخيًا، أن تلك الفكرة بدأت في عصر سيدنا محمد صلي الله علية وسلم، حيث كان يرسل وجبات الإفطار والسحور مع بلال بن رباح لأهل "الطائف"، وذلك عندما زارهم في شهر رمضان الكريم، ومن بعده أخذ الفكرة الخلفاء الراشدين والصحابة وأهل بيته، وفيما بعد أسس أمير المؤمنين عمر بن الخطاب دارًا لإفطار الصائمون بإسم "دار الضيافة".
أما عن مصطلح "مائدة الرحمن"، فقد ظهر بكثرة في عهد شيخ الإسلام في عهد الدولة الأموية، الليث بن سعد بن عبد الرحمن، فقد كان محبًا لعمل الخير، وكان يساعد الفقراء والمساكين، كما أنه كان دائم القيام بإنشاء موائد طعام خارج منزله للفقراء وعابري السبيل، وهنا أتي المسمي الحقيقي للمائدة علي اسم جده "عبد الرحمن"، وقد أستمر فيها حتي وفاته عام 791 ميلادي.
في بغداد، ومع وصول هارون الرشيد إلي سدة الخلافة العباسية، اعتاد طيلة حكمة الذي استمر طيلة 23 عام، علي اقاكة موائد الرحمن طيلة شهر رمضان في حديقة قصره، وكان يتنكر في ملابس بسيطة ومتواضعة، حتي يتجول بين الصائمين دون أن يعرفه أحد، وذلك ليسألهم عن رأيهم في الطعام، حتي يستمر في تحسينها لتكون أفضل ما يقدمه للفقراء وعابري السبيل.
ومع بداية مصر الحديثة، وطيلة عهد دولة أسرة محمد علي باشا، كان لموائد الرحمن دورًا مهم في القصر، ويكفي انه في عهد الملك فاروق، كان يُسمح بإقامة موائد الرحمن داخل قصر عابدين، ليستقبل العمال والفلاحين وعموم الشعب المصري، بعد ذلك خصص الملك عدد من المطاعم المنتشرة في القاهرة لتكون مائدة طعام للفقراء والمحتاجون، لتتولي إدارة الملكية دفع قيمة مأكولات الإفطار والسحور، وبعد ثورة 23 يوليو 1952، وتحديدًا عام 1967 ميلادية، أُنشئ بنك ناصر الإجتماعي، ليُشرف علي تمويل موائد الرحمن من أموال الزكاة.
مجلة علمية معرفية وثائقية تتناول الشخصية المصرية