الدوجون هم أولئك الناس الذين حيروا الباحثين وعلماء الأنثروبولوجي، لماذا ؟ لأنهم ببساطة شديدة يرون أنهم بشر هبطوا من السماء، أو من ذلك الكوكب التابع لكوكب الزهرة اليمانية، استوطنوا منحدرات "باندياجارا" بدولة مالي، عرفوا بأسماء عدة، فهم الدوغون بالنسبة للناطقين بالفرنسية، أو "الهاب" والتي تعني باللغة الفولانية الغرباء أو الوثنيين.
وتأتي صعوبة تحديد أصل حضارة الدوجون إلى قلة المصادر التاريخية، واعتماد ما يعرف عنهم بشكل كبير على الرواية الشفهية، والتي تختلف من مكان إلى آخر، وذلك وفقا لكل عشيرة من عشائر القبيلة، ولذا ظهرت العديد من روايات التي التاريخ المثير لهذه القبيلة.
أكثر النظريات تداولا، والتي تتعلق بوجود هذه القبيلة، تقول إن الدوجون مصريون، هاجروا من مصر القديمة عبر ليبيا، وصولا إلى موريتانيا وغينيا، ثم مكانهم الحالي في منحدرات باندياجارا في إقليم موبتي وسط مالي، وذلك قبل حوالي 3200 عام قبل الميلاد، هربا من الغزاة أو الجفاف أو ربما لأسباب أخرى.
الغريبة أن الأبحاث التي أجريت على رفات استخرجت من المنطقة، كشفت عن وجود شعب أخر سكن هذه المنطقة أيضا، شكلوا ما عرف بثقافة "التولوي"، وذلك قبل قرنين إلى ثلاثة قرون قبل الميلاد، ثم تشكل فيما بعد ما عرف بثقافة "التيليم" في الفترة ما بين القرنين الحادي عشر والخامس عشر الميلاديين، ما يعني أن الدوجون وصلوا إلى هذه المنطقة في نهاية القرن الرابع عشر الميلادي.
لماذا يُعتقد أن الدوجون مصريون؟ هذا هو السؤال الأهم الذي سعي الباحثون للإجابة علية، فوفقًا لهم يُعتقد أن السبب يعود إلي علوم الفلك، خصوصًا فيما يتعلق بنجم الشعري اليمانية المعروف باسم "سيريوس"، والذي كان معروفًا لدى المصريون القدماء بنجمة إيزيس، وكانوا يعتمدون عليه في التقويم الخاص بفيضان النيل والزراعة.
في أواخر عام 1930 أزاح أربعة من كهنة الدوجون الستار عن أسرارهم لعالمي الأنثروبولوجيا الفرنسيين، مارسيل جريول وجيرمان ديترلين، وذلك بعد أن أمضيا أكثر من خمسة عشر عاما بينهم، وكانوا يرفضون البوح لهما بمعرفتهم حتى اطمئنوا لهما، وكل هذه المعرفة تتعلق بالنجم سيريوس الذي يبعد عن الأرض بحوالي 8.6 سنة ضوئية, وذكروا أن هناك نجما تابعا لسيريوس يدور حوله دورة كاملة كل خمسين عاما، وهو نجم أبيض صغير وثقيل بشكل لا يصدق، وكانوا يسمونه "بو تولو" أي النجم البذرة، وقد صنف فيما بعد بالنجم القزم، وكانوا يقصدون بذلك النجم "سيريوس ب".
وكان ديترلين أثناء بحثه في المنطقة قد عثر على قطعة أثرية مسجل عليها وصف للنظام النجمي لا يقل عمرها عن أربعمائة عام، وفضلا عن معرفتهم بالشعري اليمانية أو "سيريوس أ" وتابعيه "سيريوس ب" و"سيريوس س"، لديهم معرفة واسعة بزحل، وتحدثوا عن الأقمار الرئيسية الأربعة التي تدور حوله، كما وصفوا القمر بأنه كوكب ميت، ومنذ القدم وخلافا للآخرين تحدث الدوجون عن دوران الأرض حول نفسها، ودورانها وكواكب أخرى حول الشمس، وتحدثوا كذلك عن مجرة درب التبانة التي عُرفت في القرن العشرين.
أما عن المعتقدات الدينية التي يعتنقها الدوجون اليوم، فالإسلام هو الدين السائد في كثير من مناطق الدوجون، علي الأخص في بيجناري ولاول جيويو وقرى أخرى كثيرة، ولكن هناك مجموعات كبيرة لا تزال تحتفظ بمعتقداتها التقليدية، والتي تعد في غاية التعقيد وتتعدد فيها الآلهة والطقوس وأنواع العبادات بشكل كبير، وان التمساح لدي معتقدهم حيوان مقدس، لأنه قاد شعب الدوجون إلى المياه خلال رحلتهم الأسطورية حتى وصلوا إلى منحدرات باندياجارا.
الإله الرئيسي للدوجون يدعى أما "Amma"، يقولون عنه إنه خلق الشمس والأرض، وبعد أن خلق الأرض الأم تزوج منها، فأنجبت عدة توائم، وهي التي شكلت آلهة الدوجون الأسطورية، وكان "آرو" أصغر الأخوة الأربعة الذين هم أسلاف الدوجون، والذي قاد شعبه في رحلة أسطورية إلى موطنهم الحالي في باندياجارا، ثم حدثت صراع بين الأخوة على الميراث، خصوصا الأخ الكبير "ديون"، والذي لم يعجبه سلوك "آرو"، والذي اغتصب بدوره الأرض لنفسه فتخلى عنه، وفي طريقه قابل "آرو" امرأة أسطورية قدمت له هدايا خارقة للطبيعة، وجعلت الدوجون يتمكنون من الدفاع عن أنفسهم، و منحتهم المطر والقدرة على تدجين الحيوانات، كما مكنتهم من تطويع الحديد لصنع الأدوات والسلاح.
وتختلف العبادات والطقوس بين المجتمعات التي تشكل مجموع الشعب الدوجوني اختلافا كبيرا، وإن كانت في النهاية تجتمع على عبادة الإله الذي هبط من السماء "نومو"، وكذلك تقديس الأسلاف والأرواح، وثمة ثلاثة مذاهب رئيسية تشكل هذه المعتقدات، هي: الـ"أوا" إله تقديس أرواح الموتى، وهو كائن يوجه إنسان وجذع سمكة وذيل ثعبان، تتم طقوس الأوا من خلال الرقص بارتداء أقنعة منحوتة ومزخرفة، هناك 78 نوعا منها تحمل رسائلهم ورموزهم الطقوسية والمعرفية والفلسفية.
أما مذهب الـ"ليبي" إله الأرض، وأتباعه يهتمون في المقام الأول بالدورة الزراعية، ولهم مرشد أو زعيم روحي يسمى الـ"هوجون" ويُعد كاهن للشعائر الزراعية باعتبار أنه يمثل الأرض والخصوبة والحياة والضمانة لاستمرار شعبه على قيد الحياة، ويتم اختيار الهوجون وفق شروط صارمة، إذ يتم اختياره من أثرياء القرية وأكثرهم سمعة طيبة، و يطلب منه ألا يغتسل أو يحلق شعره لستة أشهر كاملة، ولا تسكن معه زوجته طوال هذه الفترة، إنما تقوم فتاة عذراء على خدمته طوال النهار، ثم تعود إلى بيتها آخر اليوم، وفي نهاية هذه الفترة تلتحق به زوجته، وتقوم بالدور نفسه الذي قامت به الفتاة لفترة أخرى حتى تعود حياته إلى طبيعتها.
أخيرًا عقيدة الـ"بينو"، والتي بدورها تمثل ممارسة وثنية لها جمعيات سرية تؤدي طقوسا معقدة، ويعتقد الباحثون بأنها تمثل جميع حلقات الخلق وفق أسطورة الدوجون، وتشمل طواطم القبيلة وجميع مقدساتها ورموزها، وأضرحتها وأضحياتها التي تنحر على الأوثان، وما يقدم لها من عصيدة الدخن وغيرها، وكلها بهدف الحصول على العفو من أرواح الأسلاف.
المصادر:
- الجماعات العرقية في أفريقيا والشرق الأوسط ، شوب ، جون أ. (2011)، موسوعة ABC-CLIO.
- "ديناميات السكان والمناخ على مدى 3000 سنة الماضية في بلد دوجون ، مالي"، مجلة علم الآثار الأنثروبولوجية، (31 مارس 2005).
- العصر الحجري الحديث في غرب إفريقيا: الإطار الزمني الثقافي والاقتصادي والبيئي لعودة الهولوسيه في بلد دوجون، مالي، سيلفان أوزاين، فرانكفورت، ٢٠١٣.
- علم آثار الإسلام في أفريقيا جنوب الصحراء، تيموثي إنسول، مطبعة جامعة كامبريد، 2003.
- "القوة والحوار في الإثنوغرافيا: بدء مارسيل غريول"، جيمس كليفورد، مقالات عن العمل الميداني الإثنوغرافي، مطبعة جامعة ويسكونسن، 1983.
مجلة علمية معرفية وثائقية تتناول الشخصية المصرية