أمسك الرجل العجوز عصاه متكئًا عليها، رويدًا رويدًا راح يتحسس طريقه في تلك القرية النائية، لم يعبأ بظلمه فجر شتاء قارص، فما الفائده وقد كف بصره منذ سنوات، حينما كان طفلًا أصيب في عينيه فأصبح ضريرًا، طيلة أكثر من خمسة دقائق، ورغم أن ورشته لا تبعد أكثر من عشرين مترًا من منزله، تحرك ببطئ ليبدأ يوم جديد من العمل.
عم حربي، هكذا عُرف بين أبناء قرية الشيخ علي، مركز قوص، بمحافظة قنا بصعيد مصر، ينتمي لأسرة اشتهرت منذ القدم بصناعة الفخار اليدوي، منذ سنوات بعيدة، وحينما كان طفلا صغيرًا، كان يعمل مع والده في نفس الورشه التي تواجه منزله اليوم، يقوم بجمع التراب من أمام الفرن، قبل أن يقوم والده بعجنه وتشكيله، ليستيقظ في أحد الأيام علي إصابة عينيه وفقد بصره للأبد.
عقب وفاة والده، وجد عم حربي نفسه مسئولًا عن أمه وثلاثة اشقاء صغار، ما إضطره للعمل بمساعدة أمه في تلك المهنة التي ورثها عن أجداده، وعقب وفاتها رافق خاله داخل ورشة صناعة الفخار اليدوية، وكان خالة فرصته الحقيقية للتعليم والدراسة، وكان دائمًا ما يسانده ويشجعه في محاربة الجهل، والتطور في صناعة الفخار.
أما ورشتة فأقل ما يمكن أن توصف به أنها متواضعة، مجرد منطقة واسعة بلا جدران، بلا أبواب، يتوسطها فرن طيني صغير لا يتعدي مساحته أربعة أمتار مربعة، يجاورها استراحة صغيرة، عبارة عن زاوية طينية بلا جدران، فقط أربعة أخشاب وجزء نخلة، يعلوها حصير يشكل ما يشبه سقف يستظل به من شمس الصيف الحار، بالقرب منها عشرات الأواني الفخارية، بعضها خرج من الفرن، والبعض الأخر ينتظر دوره.
مجلة علمية معرفية وثائقية تتناول الشخصية المصرية