600 مقبره للعمال بجوار الملوك

مقابر العمال تؤكد: أهرامات مصر لم يبنيها العبيد

وقف المتظاهرون البريطانيون علي حافة نهر بريستول يهتفون فرحًا لنجاحهم في إسقاط تمثال تاجر الرقيق البريطاني الاشهر إدوارد كولستون، في حين أجبرت دعاوي المتظاهرين الحكومة البلجيكية لإزالة تمثال الملك السابق "ليوبولد الثاني"، والذي يُعد أحد أبرز رموز الإستعمار في أفريقيا، وذلك خوفًا من تدميره، ما شجع الكثير من المتظاهرين في أوروبا وأمريكا بمطالبة تدمير كل رموز العبودية حول العالم، ليكون ردًا صريحًا علي العنصرية الموجهة ضد الزنوج، وذلك علي خلفية مقتل أحدهم علي يد رجال الشرطة الأمريكية.

 

وفقًا للصحف البريطانية، قام المتظاهرون بوضع عدد من المنشأت التي بُنيت حول العالم بأيدي العبيد، والتي أصبحت وفقًا لرؤيتهم عنوانًا للعنصرية، وكان علي رأس تلك القائمة الأهرامات المصرية، زاعمين أنها بنيت أيضًا بواسطة العبيد، وأنها أحد أهم رموز العبودية في العالم، وأن ملوك مصر القديمة استخدموا هؤلاء العبيد في بناء تلك الصروح الضخمة، وهو ما يستوجب ردًا علميًا حول حقيقة تلك المزاعم.

في الحادي عشر من يناير من العام 2010، توصل الآثريين إلي واحدة من أهم اكتشافات المقابر في مصر، كانت تخص العمال الذين شيدوا الأهرامات منذ أكثر من أربعة آلاف عام مضت، ما يعني أن هناك دليل قاطع أثبت أن الأشخاص الذين بنوا الأهرامات لم يكونوا عبيدًا، بل كانوا عمالًا بأجر، فقد كانت تلك المقابر، والتي بنيت من الطين خلال الأسرة الفرعونية الرابعة، تحتوي على أوعية من البيرة والخبز للحياة القادمة، تلك المقابر طبقًا لرئيس البعثة عالم المصريات الدكتور زاهي حواس، بُنيت بجوار أهرامات الملوك، ما يعني أن هؤلاء الأشخاص لم يكونوا عبيدًا، بل مصريين أحرار، وكان دورهم من الأهمية المقدسة حتي أنهم دفنوا بجوار الهرم، ما يدل علي ان العمل في بناء الأهرامات شرف ومهمة قومية ودينية عظيمة في نفوس البناة.

 

في كتابه "بناة الأهرامات"، كشف الدكتور زاهي عن ذلك السر العظيم، وكيف أن مصر كان دولة مليئة بعدد كبير من المهندسين العباقرة الذين نفذوا تلك الأعمال المعمارية الخالدة التى أذهلت العالم منذ بنائها، ولا تزال تذهل العالم كله إلى الآن، ومنذ أن تم اكتشاف مقبرة بناة الاهرامات، وذلك بعد بحث وتنقيب استمر قرابة 16 سنة، تأكد أن تلك المقابر دفن فيها مصريين من العمال والفلاحين والموظفين صنعوا لنا تلك الحضارة العظيمة.

أما عن مقبرة بُناة الأهرامات، فقد تم بدء العثور عليها عقب تعثر قدم إحدي الخيول التي تحمل سائحة كانت تتجول بالقرب من الهرم علي جدار مقبرة السيد "بتاح شبسو"  احد كبار العمال، وذلك في جنوب شرق ابو الهول، وخلف حائط حجري بناه الملك خوفو، وقد سماه حائط الغراب، بناه الملك خوفو بارتفاع 10 متر وامتداد 200متر، يتوسطه بوابة، وهو المكان الذي عاش ومات فيه العمال الذين اشتركوا في بناء المجموعات الهرمية لكل من خفرع "2555 - 2532" قبل الميلاد، ومنكاورع "2532 - ٢٥٠٣" قبل الميلاد، بالإضافة إلى بقايا سكنية أقدم ترجع إلي عهد خوفو "2525 - ٢٥٦٦" قبل الميلاد.

 

وتحتوي المقبرة في تخطيطها العام علي فناء كبير مكشوف، مبنية من الطوب اللبن، وكانت عبارة عن مدينة مُصغرة، حيث تحتوي علي منازل ومخازن وثلاثة شوارع رئيسية ومبنى إداري ملكي، وكذلك أربعة صالات ضخمة، يعتقد علماء الآثار أنها ثكنات كان ينام فيها العمال بناة الأهرامات ويعدون بها طعامهم، حيث عُثر داخلها علي كميات هائلة من عظام الاسماك والطيور والأبقار والأغنام والماعز والخنازير، ما يكشف عن مدي تكفل الدولة برعاية عُمال بناة الأهرامات، وذلك لضمان الحصول على أفضل مقابل في كفاءة العمل.

 

اما عن اوصاف المقابر، والتي تدل علي انها لمصريين وليسوا لعبيد، سواء في الأوصاف البدنية، والأسماء و طريقة البناء، وطريقة الدفن العقائدية، فقد تم الدفن في اتجاه الشرق لاستقبال الإله رع إله الشمس في وضع قرفصاء، وقد تم تصنيف المقابر علي حسب الدرجة الوظيفية الي مستويين، المستوي السفلي كان للعمال والتي كانت مقابرهم صغيرة في حين كانت المقابر الكبيرة للرؤساء وكبار  لعمال، أما المستوي الثاني فتم بناؤها من الحجر وخُصصت للفنانين والنحاتين والرسامين وهم الشريحة العليا والفئة الارقي، ومن تلك المقابر مقبرة "نى عنخ بتاح"، وهي من أھم المقابر الصخریة فى الجبانة العلویة، فمن أھم العناصر المكونة لھذه المقبرة ذلك الطریق الصاعد الذى یؤدى إلى الجبانة السفلیة. والطریق مشید من الحجر الجیرى غیر المستوى، ویبلغ عرضه حوالي 110 سنتيمتر.

لم تكن تلك المقابر فقد هي الدليل علي أن أن الأهرامات لم يبنيها العبيد علي الإطلاق، ولكن النقوش التي تم العثور عليها، نصوص اللعنة لمن يدخل تلك المقابر كانت دليلا أخرًا، كما وجد في مقبرة "بتتي" وزوجته، والتي تقول: "إن اإاله حتحور سيأكل كل من يدخل ويعبث بمحتويات المقبرة، وإن الإله سيحمي صاحب المقبرة، لأنه مبجل لدي الإله، كما أن الإله لن يلحق ببتتي آي أذي، أي فرد يعبث بالمقبرة ستاكله التماسيح وأفراس النهر والأسود"، وهو ما يعني أن صاحب المقبرة من العمال لم يكن عبدًا، ولكنه مصري حُر، كما كشفت التماثيل التي وجدت في مقابر المستوي العلوي والسفلي، والتي يقترب التشبيه فيها بين إبنين لنفس الأب والأم، ولكن أحدهم عاش مزارعًا أو عاملًا، والأخر تعلم في المدينة وصار صاحب مركز، وهي نفس الصورة التي نراها اليوم للمصرين.

 

وقد ضمت المقبرة السفلي أكثر من 600 مقبرة صغيرة، تم بنائها من الطوب اللبن، وهي ذات أبواب وھمیة، أو كتلة مستطیلة من الحجر، نُقشت على ھیئة باب من ضلفتین، یتوسطھما ھیئة الحصیر المجدول، یُدفن أسفلھا العامل فى وضع القرفصاء، فضلًا عن مقابر كبیرة ربما كانت مخصصة لرؤساء العمال، وقد اتخذت تلك المقابر أشكالًا معماریة مختلفة، وتبلغ مساحة كل منها نصف متر، وتغطى المقابر ذات القباب آبار الدفن تحت سطح الأرض، ما یجعل المقبرة تأخذ شكلا یشبه الشكل الھرمى، وهنا يظل السؤال كيف عاشوا؟، وأين؟.

 

العالم الآثري الأمريكي مارك لینر كشف عن عن بقایا جدران لأسوار مشیدة من كتل صغیرة من الحجر الجیرى تماثل تلك الأسوار المحیطة بالأهرامات، عُثر داخلها علي اثنتى عشرة حجرة مبنیة بالطوب اللبن، كما عُثر على جرتین كبیرتین من الفخار فى حجرتین متوازیتین، وقد تأكد أن تلك الغرف ما هي إلا أقدم المخابز العالمية، كما عثر على الفجوات بخندق غیر عمیق ملىء بالقش والجمر، وأوانٍ صغیرة وكبیرة كانت تُملأ عجینًا لصناعة الخبز، وجدت فى الجانب الشمالى الشرقى وھى التى نعرفھا فى الریف الآن باسم "الماجور"، وموقد لعلة كان لتسخین العجین بالخندق، بالإضافة لأعداد ضخمة من الخبر المصري الأصيل، مثل البتاو والعيش الشمسي المعروف في الريف المصري اليوم.

المراجع:

  1. بُنارة الأهرامات، الدكتور زاهي حواس، دار الشروق للنشر والتوزيع، 2004، دار نهضة مصر، 2008.
  2. الموقع الرسمي لوزارة الآثار المصرية https://egymonuments.gov.eg/ar/monuments/workers-town-and-cemetery/
  3. مشروع رسم خرائط هضبة الجيزة ، مارك لينر،جامعة شيكاغو، الولايات المتحدة الأمريكية.

مجلة علمية معرفية وثائقية تتناول الشخصية المصرية