خلال النصف الأول من القرن التاسع عشر، كان سماسرة الأوراق المالية بمدينة الأسكندرية يجتمعون يوميًا بالمقاهي المطلة علي البحر، ليتموا صفقات القطن التي اشتهروا بها مع الكثير من سماسرة الأسواق الاوروبية، وفي عام 1861 سعي بعضهم لإنشاء مقصورة خاصة للقطن أو بورصة، توازي البورصات الغربية التي بدأت في الإنتشار، لتصبح أقدم البورصات المشتغلة بالتعامل الآجل في القطن، ليصبح سوق الآجل بالإسكندرية من أقدم الأسواق الآجلة في العالم.
رغم محاولات إنشاء المقصورة الخاصة بتداول القطن، ظل السماسرة والتجار يجتمعون في أحد مقاهي الأسكندرية، وتحديدًا في مقهي "أوروبا" بميدان "Des Consuis"، والذى سمى لاحقاً ميدان محمد على، ليتم عقد أول صفقة قطن محلية يتم تسجيلها عام 1885، فقد كان تجار القطن يعقدون إجتماعتهم لعقد صفقاتهم الخاصة بقطن طويل التيلة، كرنك ومنوف، وقصير التيلة، ومتوسط التيلة، وخاصة من النوع أشموني وجيزة وزاجورا، بالإضافة إلي نوعي عفيفي وسكلاريدز.
ومن المقاهي ينتقل سماسرة القطن إلى مبنى مجاور، وعندما بدأ العمل في النمو أنشئت هيئة الإسكندرية للقطن، سميت لاحقاً بالهيئة السكندرية العامة للغلة "AGPA"، وذلك بغرض التجارة في القطن وبذور القطن والحبوب في الأسواق الفورية والآجلة، وفي عام 1890 شرع السماسرة في تكوين شركة تتولى انشاء البورصة وتدبير المكان اللائق لإقامتها، ووضع القواعد الكفيلة بتنظيم العمل فيها، وفى عام 1899 انتقلت "AGPA" إلى مبنى جديد، ومن ثّم أطلق عليها البورصة، وذلك بميدان محمد على، وأصبحت بورصة الإسكندرية أحد أهم معالم المدينة التى تظهر على بطاقات البريد، والكتب والدليل الإرشادى للمدينة، وأصبحت البورصة بطرق عديدة النقطة المركزية لمجتمع المدينة المالى.
أما عن بورصة القاهرة، فقد بدأت بتجمع السماسرة أيضًا في المقاهي، حتي عام 1903، حينما قرر عدد من أصحاب رؤوس الأموال والسماسرة في إنشاء بورصة شبيهة ببورصة الأسكندرية خاصة لتداول تجارتهم، بل ووضعوا قونون ينظم شئونها، وذلك على غرار النقابة التى انشاها سماسرة الأسكندرية سنة 1902، وخرجت البورصة إلي النور في سنة 1904، وذلك بالاتفاق بين النقابة والشركة، وقد قصرت عضويتها على سماسرة الأوراق المالية فقط، أما السماسرة الذين رغبوا في العمل بتجارة القطن فقد أنشأوا لأنفسهم نقابة خاصة بهم.
أما عن تأسيسها، فقد أجتمعت لجنة خاصة في صباح يوم الخميس الموافق 21 مايو من العام 1903، برئاسة موريس قطاوي بك، وبعضوية كل من الرئيس أربيب، كوكسن، جناروبولو أوزيول، ماكليفري، أدولف قطاوي، بالإضافة إلى ممثل عن بنوك كريدي ليونيه، مصر، الإمبراطوري العثماني، المصري البريطاني، الأهلي المصري، وكان السكرتير العام يدعي بوتيني، وقامت اللجنة باختيار المبنى القديم للبنك العثماني "مبنى جروبي" كمقر رسمي بصفة مؤقتة للشركة المصرية للأعمال المصرفية والبورصة، وحتي اليوم ترأس البورصة 22 اقتصاديًا، أشهرهم جوزيف حاييم بيريز، إيلي نجار، صامويل إميل ليفي، شهدى عازر حنا، فؤاد محمد شاهين، أحمد حامد محمد، ناصف نظمي، عبد الستار بكرى حسن، خالد سرى صيام، ومحمد سليمان عبد السلام، وعاطف ياسين الشريف.
أما عن القوانين المنظمة للبورصة المصرية، فقد صدر أول مرسوم قانوني للتنظيم التشريعي للبورصة في الثامن من نوفمبر من العام 1909، وقد ضم اللائحة العامة للبورصات المصرية عمومًا، غير أنه نص على العمل بها في الأول من سبتمبر سنة 1910، وهو التاريخ الذي اعتبر بداية حقيقية للترخيص الرسمي بفتح تلك البورصات، ثم توالي صدر العديد من المراسيم والقوانين، خاصة القانونين رقم 23 و24 المتضمنان ادخال التعديلات التشريعية المقترحة على قانون التجارة الأهلي، وقانون التجارة المختلط، وقد منحا بالفعل الكثير من الاستقلال الداخلي لبورصات البضائع والاوراق المالية في مصر، وذلك بما يحقق المرونة اللازمة لأداء أعمال التداول.
الحقيقة أن البورصة المصرية ومنذ أن بدأت وهي تحقق طفرات جعلتها في المراكز الأولي عالميًا في قوة التداول المالي، فمنذ مطلع القرن العشرين وحتي أربعينياته وحي تتواجد في المركزين الرابع والخامس عالميًا، وفي عام 1907 تواجدت ضمن أقوي وأكبر خمس بورصات عالمية، حيث بلغ عدد الشركات المتداولة في بورصة القاهرة 228 شركة، بإجمالي رأس مال قيمته 91 مليون جنيه مصري، تلك المرتبة المتقدمة لم تستمر طويلًا، خاصة في نهاية خمسينات القرن لتبني الدولة المصرية للسياسات الاشتراكية وقرارات التأميم، ما أدي بالبورصة المصرية لأن تكون في حالة من الجمود حتي أوائل تسعينيات القرن الماضي.
أما عن مقرات بورصة القاهرة، فقد بدأت البورصة بالمبني القديم للبنك العثماني، وطيلة ستة سنوات، وبإيجار سنوي بلغ 400 جنيها، لم ينس سماسرة التداول المالي فكرة مقر خاص ببورصة القاهرة، لذا تم الإعلان عن مسابقة دولية لتصميم بورصة، علي أن يكون مقرها المنطقة الأوربية بالقاهرة، ليس بعيداً عن مقر البنك المركزى الآن، وقد فاز بالتصميم الأفضل المهندس المعمارى الفرنسى "راؤول براندون" في إبريل 1907، وهو العام الذي وصلت فيه بورصة القاهرة للمركز الخامس عالميًا، ما يعني أنه الوقت المناسب للاستعراض و التفاخر، ولكنه لم يُفتتح نتيجة للأزمة المالية التي ضربت العالم طيلة ثمانية عشر شهرًا.
وفي عام 1910 قامت مؤسسة وكلاء العملة بتفويض المنشأة المصرية التى يمتلكها ادوارد معتسك وموريس كاتاوى- بالاشتراك مع "إيرنست جاسبار" مبنى لسوق الأوراق المالية وتشييده، حتي خرج إلي النور صرحًا من أجمل المبانى أو المجموعات البنائية في شارع الشريفين، ليصبح للقاهرة منصة تداول حقيقية، ويحوطها شرفة عالية يمكن للجمهور المهتم أن يراقب حركة تداول الأسهم. وقد تم بناؤه بتمويل من بنك ليودز، غرفة التجارة البريطانية، البنك الأهلى المصري، البنك الوطنى للتنمية حاليًا، وفي عام 1928 انتقلت بورصة القاهرة إلي المقر الجديد.
وقد قام بتصميم مبني البورصة بالقاهرة المهندس المعماري الفرنسي "جورج بارك"، والذي يُعد أحد أهم مُصممي المباني القاهرية العريقة، علي رأسها مبني صيدناوي بميدان الخازندار، وقد قام بتصميم المبني بصفوف من الأعمدة علي الطراز المعمارى الإغريقى، ولم يمهل الوقت لـ"موريس قطاوي بك"، الداعم والمناصر الأصلى لبورصة القاهرة، ليري هذا الصرح العملاق، والذي يمتد بطول الطريق حتي ميدان طلعت حرب، وإن كان أحد الشوارع المطلة علي البورصة قد خلدت أسمة حتي اليوم، شارع حمل أسم موريس كطاوي بك.
أما عن البورصة المصرية بين بورصات العالم، فقد جاءت البورصة المصرية في المرتبة 13 عالميا بين بورصات العالم، ولم يسبقها سوي بورصات، ألمانيا 1558، أنجلترا 1571، هولندا 1602، السويد 1620، النمسا 1771، أمريكا 1790، إيطاليا 1808، بولندا 1817، إسبانيا 1831، البرازيل 1845، سويسرا 1850، بيرو 1860، كندا 1861، ثم تأتي مصر كتداول خاص بالقطن عام 1861، ثم المجر 1864، وتركيا 1866، أوروجواي 1867، التشيك 1871، الهند 1875، اليونان 1876، اليابان 1878، رومانيا 1882، ثم مصر تدخل عالم التداول المختلف في عام 1883.
أما عن أقدم البورصات، فقد جاءت بورصة الأسكندرية في المركز 33 علي العالم، حيث سبقته بورصات هامبورج 1558، لندن 1571، فرانكفورت 1585، يورونكيست أمستردام 1602، ناسداك نورديك ستوكهولم 1620، برلين 1685، فيينا 1771، فلادليفيا 1790، ميلان 1808، وارسو ونيويورك 1817، ميونخ 1830، مدريد 1831، بوسطت 1834، ريودي جانيرو 1845، سويسرا 1850، بوينس آيرس 1854، ليما 1860، تورنتو وشتوتجارد 1861، بودابيست 1864، إسطنبول 1866، مونتفيدو 1867، مونتريال 1872، أوساكا 1875، أثينا 1876، براغ 1871، طوكيو وأوساكا 1878، شيكاغو وبوخارست 1882.
المصادر:
- الهيئة العامة للإستعلامات https://www.sis.gov.eg/section/409/427?lang=ar
- الموقع الرسمي للبورصة المصرية https://egx.com.eg/ar/homepage.aspx
- موقع الإتحاد الدولي للبورصات https://www.world-exchanges.org/
مجلة علمية معرفية وثائقية تتناول الشخصية المصرية