الفيروس يموت قبل إنتهاء 48 ساعة من وفاة المُصاب

جثث ضحايا فيروس كورونا لا تنقل العدوي

لا شك أن ما شهدته قرية "شبرا البهو" التابعة لمدينة أجا بالدقهلية، والتي رفض الكثير من أبنائها دفن جثمان الطبيبة المتوفية بفيروس كورونا في مقابر القرية، وذلك خوفا من نقل العدوى بينهم، يُعد سلوكًا كاشفًا لعدم وعي المواطن البسيط لتلك الحالة الطارئة التي يعيشها ربما لأول مرة في حياته، ما يعني أن كل نوافذ التوعية والتثقيف الصحي والبيئي فشلت في مهمتها، وما يدل علي ذلك ان تلك الحادثة لم تكن الأولي من نوعها، فقد شهدت قرية بولس التابعة لمركز كفر الدوار بالبحيرة نفس السيناريو، حينما رفض أهلها دفن أحد المُصابين خوفًا من العدوي.

 

"خلافا للاعتقاد الشائع، لا يوجد دليل على أن الجثث تشكل خطرًا لوباء الأمراض بعد الكوارث الطبيعية".. تلك كانت الإجابة الواضحة التي قدمتها اللجنة الدولية للصليب الأحمر في جنيف، واعتمدتها منظمة الصحة العالمية، وذلك حينما قدم البروفيسور موريس تيدبال بينز، مستشار الطب الشرعي في اللجنة الدولية للصليب الأحمر، وأحد مؤلفي كتاب "إدارة الجثث بعد وقوع الكوارث: دليل ميداني موجه إلى المستجيب الأول".

دليل إدارة الجثث بعد وقوع الكوارث أكد علي أن التعامل السليم مع أجساد الموتى هو مكون جوهري من مكونات الاستجابة للكوارث، ولا يقل أهمية عن عمليات الانقاذ، ورعاية الناجين، وتقديم الخدمات الأساسية لهم، وأن معظم البكتيريا والفيروسات المعدية تموت في غضون 24 ساعة بعد الوفاة، علي الرغم من تحذيرات منظمة الصحة العالمية التي تطالب دائمًا الأشخاص الذين يتعاملون مع الأجسام بحماية أنفسهم من التهابات الجهاز الهضمي والفيروسات المنقولة بالدم مثل التهاب الكبد "ب"، وذلك أثناء التعامل المباشر مع الجثة.

 

  • منظمة الصحة العالمية: لا يوجد دليل على أن الجثث تشكل خطر الإصابة بأمراض وبائية بعد دفنها.

 

الحقيقة أن الدليل، والمتاح للإطلاع علي موقع اللجنة الدولية للصليب الأحمر، يوضح وبطريقة مُبسطة، طريقة التعامل الآمن مع موتى الأوبئة والكوارث المرضية، وبطريقة لائقة تتناسب والعادات والتقاليد الخاصة بالشعائر الجنائزية لمختلف المجتمعات، ما يجعله أحد أهم الإسترشادات الأساسية لمساعدة العائلات على الكشف عن مصير أقاربها، والحداد عليهم، وذلك لضمان عدم ضياع المعلومات ومعاملة الموتى بالاحترام اللازم لهم.

 

ويعد "الدليل الميداني" الأول من نوعه للتدريب خطوة بخطوة على كيفية استرداد جثث الموتى في الكوارث، والتعرف على هويتهم، مع مراعاة احتياجات الناجين وحقوقهم، كما أنه يمثل ثمرة جهد مشترك بين اللجنة الدولية ومنظمة دول أمريكا للصحة ومنظمة الصحة العالمية والاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر، كما أنه يخاطب رجال الإسعافات الأولية، والأشخاص الأوائل الذين يهرعون إلى مكان وقوع كارثة عندما يتعذر إحضار الأخصائيين، لذا يهدف في المقام الأول إلى تفادي الدفن الجماعي وحرق الجثث، مما يحول دون التعرف على هوية الضحايا.

"يبدد الدليل الفكرة الخاطئة الشائعة التي مفادها أن جثث موتى الأوبئة والكوارث تشكل خطراً على الصحة".. هكذا بدأ "موريس تيدبال بينز" مقدمة الدليل، مبينًا أنه سيكون الخطوة الأولي لفهم طبيعة التعامل مع ضحايا الأوبئة، والتي يُعتقد أنها قد تسبب أو تنقل الأمراض، هذا اعتقاد خاطئ، فمعظم الأجسام المعدية لا تظل حية بعد ثماني وأربعين ساعة في الجسم الميت، وأن الناجون فقط هم الذين يُحتمل أن يتسببوا في تفشي للمرض، وليس المتوفين، ما يعني أن اللجوء إلي إجراءات الدفن الجماعي ليست في غير محلها، ومن شأنها أن تضاعف المعاناة النفسية لأسر الضحايا.

 

قدم دليل إدارة الجثث ضحايا الأوبئة والكوارث، خطابة لجميع الناس من كل الديانات والثقافات، والذين يرغبون في معرفة مصير أقاربهم وتحديد هويتهم والحداد عليهم، لذلك فإن معالجة جثث الموتى بعناية ووفق معايير أخلاقية هو عنصر حاسم في مواجهة الكوارث، وقد يتعين علي كل من يتعامل مع جثث الموتى ارتداء القفازات وأقنعة الوجه، واحترام شروط الصحة الأساسية، للوقاية من العدوى، كما يتعين عليهم حفظ الجثث تحت درجات حرارية منخفضة جدًا، إما في أجهزة للتبريد، وإما بدفنها مؤقتا في قبور منظمة باردة، إضافة إلي دقة وسرعة المعلومات التي تقدمها وسائل الإعلام للمواطنين، ما يساهم في تبديد الشائعات والأفكار الخاطئة، ويجعل من تلك الوسائل الإعلامية قنوات مهمة للاتصال، وبالتالي ينبغي مشاركتها استباقيا لتنوير وتوعية المواطن.

أما عن الجثث العدوي، فهناك أمراض مثل التهاب الكبد B، وفيروس نقص المناعة البشرية، لديها قدرة أكبر على الإنتقال من مسببات الأمراض الأخرى، فخطر انتقال فيروس التهاب الكبد B تصل ما بين 6٪ حتي 30٪، بينما فيروس نقص المناعة البشرية فلا يتعدي 0.5٪، ويمكن أن يحدث الانتقال بسبب حوادث مع أشياء ملوثة حاد ، مثل العظام المجزأة، أو الإبر، أو أشياء أخرى تتعلق بالجثة الميتة، أو الحوادث التي تنطوي على آفات جلدية أثناء العمليات الجراحية، أو عن طريق ملامسة الإفرازات المخاطية أو العينية، لذا من الضروري اتباع تدابير الحماية أو الأمن البيولوجي المعتادة، باستخدام الأقنعة والنظارات الواقية والقفازات المطاطية المزدوجة.

 

أثناء الأوبئة، من المهم وضع بروتوكول لإظهار الاستخدام المناسب لمعدات الحماية الشخصية (PPE) للأقارب القادمين للتعرف على الجثث، ولأفراد من المساجد وموظفي الدفن وسيارات نقل الموتي، علمًا بأنه ليس من الضروري الاحتفاظ بالجثث في أكياس، إلا في حالة تلك الجثث التي تُحدث تسريب لأجسام أو إفرازات من الدم، مثلما يحدث لأولئك الذين توفوا بسبب أمراض نزفية أو كوليرا، أو ما شابه، أو لأولئك الذين لديهم العديد من الجروح المفتوحة الناجمة عن حدث صادم.

المصادر:
إدارة الجثث بعد وقوع الكوارث: دليل ميداني موجه إلى المستجيب الأول، موريس تيدبال بينز، اللجنة الدولية للصليب الأحمر
إدارة الطوارئ الصحية لمنظمة الصحة للبلدان الأمريكية / منظمة الصحة العالمية (PHE)
التخلص من الجثث في حالات الطوارئ، المذكرة التقنية لمنظمة الصحة العالمية

مجلة علمية معرفية وثائقية تتناول الشخصية المصرية