في اقصي جنوب جمهورية مصر العربية، وعلي بُعد 290 كيلو متر من مدينه أسوان، تقع بحيرة ناصر، لتخترق البر الغربي، حيث توجد أحد أضخم المباني المصرية القديمة إعجازًا، ممثلة في معبدي أبو سمبل، واللذان يبعدان حوالي 300 كيلومتر جنوب السد العالي بأسوان، يقابله في البر الشرقي مساحات شاسعة من الأراضي الفضاء المطلة على البحيرة، ورغم ما تتمتع به من سحر خاص، حيث دفئ الشتاء وصفاء السماء، والتي تبهر الزائر اثناء الليل بزينة النجوم والكواكب المُعلقة في السماء، وابدع أضواء الليالي القمرية التي تسطع على صفحات المياه فتحول البحيرة إلى تابلوهات فريدة ومدهشة، لم تُستغل سياحيًا بالشكل الأمثل.
قبل أن نتحدث عن الكيفية التي من خلالها يمكن تعظيم الاستفادة السياحية من منطقة أبو سمبل، سنتاول بالوصف التفصيلي الأهمية التاريخية للبر الغربي "West Side"، والذي يتواجد عليه معبدي أبو سمبل التي تسطع عليه شمس كل صباح، وفي دراسة فلكية غير معروفة حتي اليوم، تخترق اشعة الشمس المعبد الكبير بعمق 63 مترًا، وذلك يومي 22 فبراير، و22 اكتوبر من كل عام، وهذا ما لا يتكرر في الأيام الأخري خلال السنة.
ونظرا لروعة آثار المعبدين اللذان ليس لهما مثيل فى العالم، فقد خشي العالم من أن تغمرهما المياه التي تم تخزينها عقب إنشاء السد العالي High Dam، ما جعل الجميع يتخذ قرارًا بانقاذه، وتنفيذ مشروع ضخم لانقاذ معبدي أبو سمبل، ليبدأ العمل في شهر مارس سنة 1964، ويستمر طيلة ستة سنوات، لينتهي العمل في سبتمبر سنة 1968، وتتلخص خطة انقاذ المعبدين المنحوتان داخل الجبلان في إزالتهما، واستخراج جسم المعبد المكون من الأسقف والحوائط المليئة بالنقوش والرسومات، والتي تسرد بعض المعارك.
وفقًا لخطة العمل، والتي تمت تحت إشراف هيئة اليونسكو UNISCO، وبتنفيذ شركات عالمية متخصصة ممثلة في: هوختيف الألمانية، وجراند ترافو دى مارسيل الفرنسية، وإمبرجيلو الايطالية، وسنتاب وسكانكا من السويد، بالإضافة إلي أطلس المصرية، تم تقطيع المعبدين بآلية مناسبة وفقا لخطوط وعلامات مدروسة، وذلك حتي لا يتم تشويه الآثار، وتم وضعه في بلوكات تحمل أرقام مسلسلة، ثم نقله إلى اماكن للتخزين، وذلك بعد تحميله على عربات ناعمه، ورفعه بواسطة سيخ من الحديد يوضع في ثقب داخل البلوك، وتثبيته بمواد كيميائية تسمي الايبوكسي، ليتم تحميله في سهولة ويسر، وقد تم العمل علي مراحل مختلفة كالتالي:
أولًا: إنشاء Cofferdam: وهو سد مؤقت يحيط بموقع العمل بطول 370 متر وبإرتفاع 27 متر يمنع تسرب المياه داخل المشروع، أما الكثبان الرملية Sand fill، فقد تم تغطية الواجهة الشاملة لتماثيل الملك رمسيس بالرمال الناعمة، وذلك حتي لا تتأثر من تساقط ناتج الحفر من الجبل أعلي المعبد، ولدخول العاملين لأداء أعمالهم، لذا تم عمل نفق لدخولهم لتنفيذ الأعمال الداخلية، وفي الداخل تم تثبيت سقايل حديدية لتحمي السقف من أي انهيار بخصوص الأعمال الجاريه اعلاه وبطرق هيدرولوكيه، وتم تثبيت السقايل من الأرض الى السقف مع وضع طبقات من اللباد لتكون عازل ما بين الرسومات والسقايل المعدنيه.
ثانيًا: الحفر Excavation: تم استخدام المعدات الثقيلة فوق المعبد لإزالة طبقات الجبل، مع وجود أجهزة رصد الذبذبات والأحمال الواقعة على السقف، وذلك حفاظا على سلامة المعبد من اي احمال تؤثر عليه، بعد ذلك تم ايقاف المعدات وفقا للدراسات المعدة في هذا الصدد، والرسومات البيانية التي تشير إلى أهمية الحرص على معامل الأمان، ثم استبدلت بالشواكيش الكهربائية لاستكمال الحفر، إلي أن تم إيقافها في الوقف المناسب عند وصول الحفر إلى سقف المعبد بسمك 80 سم.
ثالثا: التقطيع Cutting: حيث تم وضع علامات لكل بلوك لتقطيعة بالوسيلة والتي تتناسب مع طبيعته، وقد تم استخدام المناشير الكهربائية حتي عمق يصل إلي 70 سنتيمتر من السقف، أما مسافة الـ10 سنتيمتر الباقية، فقد تم تقطيعها بالمناشير اليدوية التي لم تتجاوز مليمتر واحد فقط لسمك التقطيع، وذلك حفاظا على سلامة النقوش والرسومات، وكان عدد البلوكات التى تم تقطيعها 807 قطعه للمعبد الكبيبر، و235 قطعه للمعبد الصغير، وتراوح وزنها ما بين 20 طن إلى 30 طنًا للقطعة الواحدة.
رابعًا: إعادة البناء New Site: وقد تم على بعد 200 مترًا أفقيًا، و70 مترًا رأسيا، حيث تم إعادة بناء المعبد مرة أخري بعيدا عن مشكلة تزايد المياه، كما تم بناء البلوكات من حوائط واسقف بحاضنة خرسانية خلفيه وضعت للتماسك، أما خطوط التقطيع نفسها فقد تم التعامل معها بواسطة استخدام المسحوق الناتج من التقطيع، وذلك مع إضافة مادة الإيبوكسي والمواد الكيميائية المناسبة، وهذا لإغلاق خطوط القطع بنفس لون السطح حتي لا يتم تشويه الآثر.
خامسًا: القبة الخرسانية Dome's construction: هذه القبة قد تم تنفيذها لتكون فارغة من الداخل، ولتكون بديلا عن شكل جسم الجبل الصامت، حيث تم تنفيذها وتغطية جوانبها من جميع الجهات من أصل البلوكات من المعبد، وبما يلائم شكل الجبل الأصلى، وتم انشاء القبة الخرسانة المسلحة بإرتفاع 22 مترًا، وبقطر 60 مترًا، وبنيت على قاعدة خرسانية مسلحة بعمق 17 مترًا، وهي محاطة بجسم المعبد، حتي لا يوجد أي احمال على جسم المعبد، ويتراوح سمك القبة من أسفل 2.40 مترًا إلى 1.40 مترًا من أعلى سقف القبه.
سادسًا: الشكل العام General shape: واجهه المعبد بعرض 38 مترًا، وبإرتفاع 33 مترًا، وقد استخدمت الكتل المحيطة بالواجهة الأصليه في إعادة تركيبها مرة اخري في واجهات المعبد بالموقع الجديد، لذلك اعطت الجبل شكله الأصلي، أما التماثيل فتم إعادة بناءها بكل دقه بحضانات خرسانية لاصقه خلفها لأهمية تماسكها، كما تم معالجة خطوط القطع بما لا يلاحظ المشاهد خطوط القطع، ويزن التمثال حوالي 1000 طن، ورغم أن التماثيل المنحوته بالواجهه والمتماثله شكلا، إلا انك اذا دققت بها تجد اختلاف فى تعبير الوجوه، حيث أحدهم ينظر بصرامة والأخر اقل صرامة والثالث نجد على وجهه سمات الابتسامة.
أما عن البر الشرقي East side، وهو يمثل اكتشاف لمعجزة جديدة، فقد دفعتني الأعمال التي قمت بتنفيذها خلال ما يقرب من خمس سنوات في مشروع انقاذ معبدي أبو سمبل، سواء كان في البناء أو أعمال الخرسانة المسلحة، وأيضا الأعمال التي أشرفت عليها، والمنشأة السكنية والفيلات والفندق ومكاتب المهندسين والشاليهات ومباني الشرطة والمعرض، بالإضافة إلى القرية النوبية ذات القبب، للتفكير بأهمية وجود تطوير مميز لمخطط عام يشمل كل متطلبات واحة سياحية حديثه، ليضيف مزيد من الإنجازات التي تعم على البلاد بالعملات الصعبة، وجذب السائحين من جميع أنحاء العالم، لذلك فإن فكرة الاستفاده من نقاء البر الشرقي وعناصره الطبيعه فرصة هامه لا تعوض، وهنا أرجو بشدة عدم السماح بأى عشوائيات فى البناء، سواء بالبر الشرقى أو الغربى.
فكرة المرصد الفلكي:
نظرا لصفاء السماء في الليالي المظلمه، ووضوح النجوم في تلك المنطقة الأثرية، كان لزاما علينا التفكير بإنشاء أول وأكبر مجمع فلكي في أفريقيا لرصد النجوم، وذلك لتنشيط السياحة الفلكية والثقافيه والعلمية والتعليميه مزودة بأحدث التليسكوبات، بجانب التمتع بسحر الليالي القمرية التي ينعكس أضواءها على بحيرة ناصر، فتجذب الأنظار وتبهر العيون بسحر ذلك المشهد الفريد، ومع إنشاء المحطة الفلكية يمكن تصميم قاعة بقبة زجاجية، يتم فتحها وإغلاقها حسب الحاجة صيفا أو شتاءًا، وطبقا لدرجات الحرارة، وذلك لاستقبال العروض والدراسات الفلكية المختلفة، وسوف تساعد الطاقة الشمسية المتجدده لتغطية كافة متطلبات المنتجع الفلكي بطرق حديثه لخدمة البيئه التى تعمقت فى دراستها.
الحقيقة التي لا يمكن إغفالها أن وجود محطة فلكيه في البر الشرقي ستمثل نقلة نوعية إضافية للموقع، خاصة وأنها تتمتع بوحدات سكنية مثل شاليهات الأكواخ أو bungalows، والتي سيتم تصميمها علي أحدث الطرز المتطورة، سيتم احاطتها ببحيرات داخلية وخارجية وحمامات سباحة ومسطحات خضراء، بالإضافة إلي أنواع خاصة من الأشجار والزهور والمتنوعة، مما يجلب العديد من الطيور المهاجرة الملونة من أوروبا إلى أفريقيا شتاءا، وبعض الطيور الأفريقية صيفًا، بالإضافة إلى الاستمتاع بحركة عبور القوارب والمراكب الشراعية من الشرق حيث تشرق الشمس إلى الغرب حيث تزين بأشعتها الذهبيه مياة بحيرة ناصر، ما يبهر الزوار من رؤية لواجهة المعبد من حيث تواجدهم في اماكن البر الشرقي، وجدير بالذكر أن يراعى انشاء الواحه والمرصد المزمع عمله على مسافه كافية تضمن الحفاظ على المعبدين.
في النهاية يجب أن أؤكد أنني علي يقين أن السياح الذين سيتوافدون دائما إلى المرصد الفلكي بجزر الكناري بشمال غرب افريقيا، سوف ينجذبوا إلى الحضور إلى واحة المرصد الفلكي في ابوسمبل شرقا، لأنهم سينعمون بمشاهدة كنوز الثقافة فى مصر، لاسيما وأنهم سيفضلون مشاهدة انجاز نقل وانقاذ معبدى ابوسمبل، لذا سيكون من المهم احتضان وانشاء المحطة الفلكية ضمن واحة جديدة تنشأ بالبر الشرقى وفقا لمعايير غير اعتيادية ومميزه تخطيطيا وانشائيا وجماليا لتصبح حديث السياحة العالمية، علي أن يكون تحت رعاية وإشراف كبار مسئولي الآثار والسياحة، بالإضافة لكبار العلماء والعقول المصرية.
الكاتب: مدحت عبد الرحمن ابراهيم، مهندس معماري واستشاري
المصور الاسباني Julia Ivalú Esquivel Virgen
المصور الأمريكي Marco Antonio Solano Schulten
المصورة الأمريكية Susan Harbach
مجلة علمية معرفية وثائقية تتناول الشخصية المصرية