في اللحظة التي ستقرر الذهاب في رحلة إلي إحدي الدول الأفريقية، عليك أن تعلم أولاً أنك ستقع أثيراً لقواعد القارة السمراء، تلك القارة البكر، العصية علي الاستكشاف، أخذت من البرية طابع الغابة غير المروضة، أرض أضخم الحيوانات وأطولها، ملجأ الفيلة والزراف ووحيد القرن، ارض التناقضات البيئية، الصحاري الضخمة في الشمال، والتي تتجاوز 9 ملايين كيلومتر مربع، والغابات الكثيفة في الجنوب، والتي تتخطي 6.5 مليون كيلومتر مربع، ما بينهما مستنقعات تمتد لمئات الآلاف من الكيلو مترات، تلك المُعطيات جعلت منها عالم قد يبدو غريباً بعض الشيء، ساحر رغم فقرة، رغم ما يعانيه من عزلة، وما تزكمه الأنوف من رائحة الأمراض والأوبئة.
عليك أن تعترف أنك ستقف كثيراً حائراً متسائلاً، أي البلاد الأفريقية يجب أن تبدأ في اكتشافها، فهناك 54 دولة، بينها 10 دول شرق أوسطية، و44 دولة جنوب الصحراء، كل دولة لها طابع خاص، فريد من نوعه، يحمل في طياته مغامرة تستحق أن يجازف المستكشف بحثاً عن أسرار طبيعتها الخلابة، داخل الغابة الموحشة، أو في مجري أنهارها الخطرة.
أرض الشمس
سنبدأ بكينيا.. لا نعلم لماذا كينيا تحديداً التي اختارنا أن نبدأ بها، ولكنها كما يقولون، أرض الشمس المشرقة، وحدائق الحيوانات والمتنزهات المفتوحة، يصفها علماء الطبيعة بأنها الدولة الواحة، تعج بأصناف الحيوانات البرية المختلفة، لمساحتها الواسعة ومناخها الاستوائي نجد فيها الأسود، والنمور، والفيلة، والظباء، وحمر الوحش التي تجوب الأراضي البرية، في لوحة فنية جميلة، تجعل من الزائر لتلك المناطق، يراقب تحركات الحيوانات بشغف، ويرغب بمشاهدة المزيد منها، فهي رحلة السفاري لكل من يهوى تلك الرحلات.
كينيا.. عناء خمس ساعات من القاهرة إلي نيروبي، ولكنها تستحق تلك المعاناة، بمجرد أن تطأ بقدميك ارض الشمس ستنسي كل شيء، كان قائد الطائرة قد أعلن فور هبوطه أن درجة الحرارة بالخارج 13 درجة مئوية، لتنهار بعض الأحلام برحلة سفاري، فنضطر لتناول معطفنا الثقيل، لنفاجئ بأن مناخ كينيا حار وخانق بفعل الرطوبة.
قبل أي شيء.. تقع كينيا شرقي أفريقيا، تمر بها الدائرة الاستوائية، وتمتد أرضها بين دائرتي عرض 4.21 شمالاً و 4.28 جنوباً وخطي طولي 34 – 42 شرقاً تشرف بحدودها الشرقية على المحيط الهندي، وتجاورها أوغندا من الغرب، وتنزانيا من الجنوب، وإثيوبيا وجنوب السودان من الشمال والصومال من الشمال الشرقي، تقدّر مساحتها بحوالي 600 ألف كيلو متر مربع، يعيش سكانها البالغ عددهم حوالي 35 مليون نسمة ضمن 8% من مساحتها فقط، في حين سيطرت الطبيعة الخلابة علي النسبة الباقية من اليابسة فسكنتها الحيوانات النادرة.
الملاحظة الأولي التي ستلفت انتباه أي زائر للعاصمة الكينية "نيروبي" مدي التطور الذي وصلت إلية، فمن مجرد معسكر أنشأة المستعمر البريطاني سنة 1899 لعمال السكك الحديدية، إلي مدينة عصرية أضحت عنوانا لواحة أفريقيا، مدينة تمكنت طيلة أكثر من قرن مضي من تجاوز ما أصابها من أوبئة أدت لحرق المدينة كاملة سنة 1900 لتطهيرها، وبمجرد أن تمت إعادة بناؤها حتي أضحت عاصمة لمستعمرة شرق إفريقيا البريطانية، استمر نمو المدينة وازدهارها طيلة ستة عقود تالية، حتي حصلت كينيا علي الاستقلال الكامل في 1963، لتحل نيروبي محل مدينة "مشاكوس" العاصمة القديمة، وتشتهر نيروبي بين سكانها باسم "المدينة الخضراء في الشمس"، ويُقال انه المعني الحقيقي لكلمة نيروبي.
يمتاز مناخ كينيا بالتنوع بحسب المناطق التي تتواجد بها، فهي منطقة تقع على خط الطول الاستوائي مما يجعلها ورغم وقوعها على شواطئ المحيط الهندي مرتفعة الحرارة، والرطوبة وهذا المناخ يميز المدن الساحلية، انتقالاً للمناطق المرتفعة ذات الطقس المعتدل نهاراً، والمنخفضة ليلاً، والرطوبة قليلة، بالمرتفعات الداخلية تقبع العاصمة نيروبي، تلك المدينة التي يفصلها عن الساحل 500 كيلومتراً، ويليها مدينة مومباسا الواقعة على الساحل، ثم مدينة تاكورووكيسومو وتطل على بحيرة فكتوريا.
تُعد السياحة أهم مورد اقتصادي لكينيا، توفر أكثر من 40 ألف فرصة عمل للشباب الكيني، في حين تعد الزراعة عصب الاقتصاد الكيني، ويعمل بها ما يقرب من 78% من القوة العاملة، وتقوم على الأمطار وحول مجاري الأنهار، أهم حاصلاتهم البن والشاي وقصب السكر والقطن، حيث يشكل البن ربع صادراتها، كما يزرعون الذرة والكاسافا والموز والأرز والقمح على المرتفعات.
قبائل بدائية
لن يكون لرحلة كينيا أي طعم إلا في وجود "شعب الماساي"، أحد أقدم القبائل النيلية، بل وأفضل الجماعات العرقية في القارة السمراء، يستوطنون شواطئ بحيرة "توركانا" في المناطق الشمالية لكينيا وبالقرب من دولة تنزانيا، يفضلون دائما الحياة بالقرب من حدائق الحيوان المفتوحة، ورغم أنها قبائل منعزلة مسالمة، إلا إنها محاربة وذا بأس عندما يتطلب الأمر دفاعاً عن القبيلة، لذلك يخشاهم جيرانهم الرعاة من قبائل "الزامبورو" و"الكيكويو" و"الباري"، ولا يدخلون معهم في صدام، خاصة عند تماس مناطق الرعي السهلية الواسعة التي تعرف بالساڤانا.
اكتسب الماساي شهرته كشعب محافظ علي التراث، قبيلة لازالت تتشبث بتقاليدها وعاداتها، حتي أنها استخدمت القوس والسهم والرمح في أخر معاركها سنة 2008 ضد قبيلة "كالنجين" تلك القبيلة التي خرج منها أكثر عدائي الكرة الأرضية، ما يعني أن تلك القبائل ترفض كل ما هو عصري، حتي أنهم يضطرون لشراء الخرز الملون البلاستيكي والزجاجي من التجار العرب والهنود من منطقة شرق أفريقيا، وكانوا قد عرفوا النحاس والفضة منذ قرن مضي، وبدءوا في تصنيع ما يُعرف بـ"أركابوتي" أي العقود والحلقان التي يتزينون بها.
مؤخراً فقط، وتحت ضغط الحاجة والفقر الشديد، إضطر محاربي الماساي لإلقاء حرابهم وسهامهم جانباً، وتفرغوا لعرض ثقافتهم علي السائح العاشق لرحلات الاستكشاف في قلب الغابة الإفريقية، فمجرد أن تجتاز حاجز "أنكأنك" وتجد نفسك داخل محمية "ماساي مارا" المجاورة لمتنزه "سيرينغيتي الوطني"، سيلفت انتباهك مجموعات متناثرة من الأكواخ الطينية لمجموعة من أفراد قبيلة الماساي، وبمجرد أن يشاهدونك، ستجدهم يسارعون لاستقبالك، تبدأ الفتيات بالرقصات الشعبية والأهازيج القبلية القديمة، ويصطف الرجال ليبدءوا رقصة "الأدومو" الشهيرة.
"عليك أن تأت أولا بالعود واللوح الخشبي وروث الفيلة لتشعل ناراً".. تلك هي الإجابة المنطقية لشعوب الماساي، حينما تسألهم عن الآلية التي يشعلون بها ناراً دون بارود أو كبريت، وبتلك الكيفية البدائية، يُحضر الرجل عود رفيع، ثم يضعه داخل ثقب صغير تم حفرة علي لوح خشبي، ثم يقوم بلفة عدة لفات سريعة حتي تتولد حرارة توقد ناراً، يستعر لهيبها بمجرد أن تصل الي القش والمطمور بروث الفيلة، وحول تلك النار يعيش شعب الماساي، دون كهرباء، دون وسائل إتصال، دون طرق ممهدة.
واحة الضواري
"الدولة الواحة".. هكذا اشتهرت كينيا، حقا لا يوجد بها أكبر غابات العالم أو حتي إفريقيا، فهي ليست مثل الكونغو أو السودان أو الموزمبيق أو انجولا أو تنزانيا، وهي الدول الأكبر حجماً لمجتمع الغابات في أفريقيا، فكل ما تحتويه كينيا من غابات لا يتخطي 13.2 ألف كيلو متر مربع فقط، إلا أن سهولها الواسعة، ومناخها الاستوائي، نجدها تعج بمختلف أنواع الحيوانات البرية، من أسود، ونمور، وفيلة، وظباء، وزراف، وخرتيت، وحمر وحشي، نراهم كل ثانية وكل لحظة يجوبون البرية في لوجه فنيه جميلة، تجعل من السائح عاشقاً لمراقبة تلك المخلوقات.
أما إذا ما تحدثنا عن أهم المتنزهات الكينية الأشهر، فسنجد أن "حديقة جبل كينيا القومي" في وسط كينيا، أحد أهم تلك المتنزهات، ويعد ثاني أعلي جبال إفريقيا بعد جبل "كلمنجارو"، ويتكون من ثلاثة قمم جبلية، وهي علي الترتيب، باتيان بارتفاع 5199 متر، وبوينت لينانا بارتفاع 5188 متر، ونيليون بارتفاع 4985 متر، هناك أيضا متنزهات "كاكاميغا"، و"حديقة أمبوسيلي الوطنية" بجوار بحيرة "ناكورو" بمدينة ماساي مارا، و"كارورا فوريست" بالقرب من مدينة نیروبي، بالإضافة الي متنزه "كايا كينوندو ساكرد فوريست" أو ما يعرف بشاطئ "دياني"، ومحمية "نجورونجورو" غرب أروشا، والحديقة الوطنية في "تسافو"، حيث البرية وتجمعاتها تنطلق وسط تدفقات الحمم البركانية، وتمتد على طول الجانب الغربي من مومباسا-نيروبي وهو الطريق السريع للسكك الحديدية بين كينيا وأوغندا والذي يقسم الحديقة إلى الشرق والغرب.
متنزهات متنوعة
وفقا للكثير من خبراء السياحة، تُعد كينيا أكثر المناطق المرغوبة سياحياً، وأكثر البلدان المناسبة لرحلات السفاري، ويفضلها محبو المغامرات، مُحبو تسلق الجبال، ومُحبو ارتياد الغابات، ومُحبو عبور المجاري النهرية والبحيرات، ما يعني التنوع السياحي الذي يناسب جميع الأذواق الترفيهية، ويأتي علي رأس أهم تلك المتنزهات متنزه "ماليندي" القريب من الساحل الهندي، متنزه "أهورور بارك" والذي يقع في وسط مدينة نيروبي، ومتنزه وادي الصدع الإفريقي العظيم، ويمتد علي الحدود الكينية التنزانية، وشواطئ بحيرة "فيكتوريا"، بالإضافة إلي محمية "ذا اربوريتم" والتي تحتوي علي 800 نوع من الأشجار والنباتات النادرة.
قصر الزرافات
"ما أجمل أن تشارك أجمل الكائنات وجبة الإفطار.. أن يلهو أطفالك الزرافات الجميلة وجبه الغداء"... تلك كانت أجمل فنادق كينيا علي الإطلاق، أو ما يُسمي بـ"قصر الزرافات"، ويقع في ضواحي "لانجاتا" في مدينة نيروبي، تم إنشاؤه عام 1930، ويعتبر الفندق الوحيد الذي يشارك فيه الزوار وجبة الفطور مع أطول حيوان في العالم وهى الزرافات، في تجربه وصفها عشاق الغابات بأنها رائعة.
يتألف الفندق في نيروبي من عشرة أجنحة، تقع وسط غابة تمتد على مسافة 140 فدان، حيث خصص مركز متخصص للزرافات في الفندق من قبل الصندوق الأفريقي للحياة البرية المهددة بالانقراض، ليمنح تجربة التعايش الأمن مع قطيع من الزرافات المهددة بالانقراض والتي تعيش في مساحة كبيرة في مزرعة الفندق.
مزارع الشاي
كان للطقس الاستوائي دوره الهام في ازدهار الزراعة في الأراضي الكينية الخصبة، ويعمل بالزراعة 78% من القوة العاملة، فاشتهر الكينيون بزراعة الموز، والذرة، والقمح، كما برعوا في زراعة البن، والشاي، وقصب السكر، تلك المحاصيل ساعدت كثيراً في تحسين الوضع الاقتصادي للدولة، ويكفي إنها تقدم ما يقرب من 25% صادرتها للعالم يرتكز عليها.
في أعلي مرتفعات شرق وغرب وادي الصدع العظيم، طبقا لخبراء الزراعة حول العالم أفضل مناخ لصناعة الشاي والبن في العالم، فقد احتلت المرتبة الثالثة عالميا في إنتاج الشاي بعد الصين والهند بقيمة إنتاجية تخطت الـ370 طن سنوياً، ويباع الكثير من الشاي زاهي اللون وكثيف القوام عن طريق إجراء مزاد في ميناء مومباسا على المحيط الهندي، وتلبي كينيا احتياجات الكثير من الأسواق، ففي بريطانيا يفضلون الأنواع المتوسطة ذات اللون الغامق، بينما في باكستان يفضلون أوراق الشاي الأسود، وفي مصر يفضلون الشاي سريع التحضير.
الجنس مقابل السمك
"فيكتوريا".. بحيرة ذاعت شهرتها العالمية، فهي ثاني أكبر بحيرة عذبة في العالم، كما أنها نقطة الانطلاقة لنهر النيل الأطول عالمياً أيضاً، مؤخراً اكتسبت شهرة من نوع أخر، فعلي ضفافه تدار أكبر تجارة ترفضها الإنسانية، أجبر الفقر نساء القرى المعيلات علي شراء السمك من رجال فقدوا المروءة مقابل الجنس، فتلك البحيرة العذبة الضخمة كان من المفترض أن توفر حياة رغدة لسكان القرى المحيطة بها، ولكنها للأسف كانت سببا في انتشار الدعارة بشكل يبدوا مقنناً ومعترفاً به.
تستيقظ النساء كل صباح بحثاً عن تجارة تقتات وأسرتها منها، تخرج من قريتها مع أول ضوء شمس لنهار جديد، تنتظر ومئات النساء عودة صيادي البحيرة، علهم يجدون معهم رزق يومهم، وبعد ساعات انتظار، ترسي القوارب علي شاطئ فيكتوريا، يُخرج الصيادون صناديق السمك، ثم يلتفتون إلي النساء ليتخيروا منهن من ستبتاع تلك البضاعة، ليحددوا السعر الذي سيطلبونه.
"الجنس مقابل السمك".. هكذا حدد الصيادون سعر ما معهم من سمك، وهذا لا يعني أنهم لن يحصلوا منهن علي أموال، فقد حددوا للسمك سعراً، تدفع النساء نصفه، والنصف الأخر تدفعه من أجسادهن، ولتلك التجارة أصول أخري، فلكل صياد مجموعة من النسوة، يؤمن لهم السمك، مقابل أن يؤمنوا له متعة الشهوة، وللتصدي لتلك الوحوش الآدمية، اضطرت مجموعة منهن للاقتراض لشراء بعض القوارب، علهم يتحررن من عطش الصيادين الجنسي.
مجلة علمية معرفية وثائقية تتناول الشخصية المصرية