في قلب مدينة الفسطاط التاريخية بمنطقة مصر القديمة بالقاهرة، وعلي بُعد أمتار من دار الوثائق القومية، ومجمع الأديان، حيث يطل على بحيرة عين الصيرة، يقع واحدة من أضخم وأكبر متاحف الآثار في العالم، حيث تصل مساحته إلي أكثر من 140 ألف متر مربع، وبذلك يستوعب ما يقرب من ٥٠ ألف قطعة أثرية تحكي مراحل تطور الحضارة المصرية، وذلك منذ أقدم العصور حتى العصر الحديث.
المتحف القومي للحضارة المصرية، والذي تعود فكرة إنشائه إلى منظمة اليونسكو، عندما قامت بالإعلان عن حملة دولية لإنشائه عام 1982، ويعد أول متحف يتم تخصيصه لمجمل الحضارة المصرية، حيث ستحكي قطعه الأثرية مراحل تطور الحضارة المصرية، ويضم سبعة معارض مختلفة، أهمها المعرض الرئيسي الدائم، والذي سيعرض أهم إنجازات الحضارة المصرية، بالإضافة إلى ستة معارض أخرى تتناول موضوعات: الحضارة، والنيل، والكتابة، والدولة والمجتمع، والثقافة، والمعتقدات والأفكار، بالإضافة إلى معرض المومياوات الملكية.
يتميز المتحف، والذي وضع حجر الأساس له في عام 2002، بفخامته وإتساعه، تلك الفخامة يشعر بها الزائر بمجرد أن يطأ بقدميه ذلك المدخل الطويل المحاط علي جانبية بالأعمدة الضخمة، والذي يعبره وصولًا إلي قاعة العرض المؤقته، والتي تعرض الكثير من الصناعات المصرية علي مر العصور، كالصناعات الفخارية والمنسوجات والأزياء والحلي الذهبية والفضية، وتظهر تلك الصناعات مدي تطور المصنوعات الفخارية والزجاجية في مصر القديمة والوسطي والحديثة، لذا يوجد داخل البهو العديد من المجسمات للصانع المصري، بمختلف المهن التي احترف العمل بها، بجواره بعض الآدوات الخشبية والكراسي التي كان يجلس عليها، بالإضافة إلي الكثير من الأواني الخزفية والجداريات والأبواب، والتي تؤكد براعة الصانع المصري.
كما يوجد داخل البهو أحد أندر الأثار المصرية علي الإطلاق، وهو تابوت "الكاهن نجم عنخ" العائد من "الولايات المتحدة الأمريكية، بعد ان إستردته مصر من ضمن الأثار المستردة، ويعود إلى القرن الأول قبل الميلاد، وذلك عندما حُكمت مصر من قبل الأسرة البطلمية، وكان كاهنًا كبيرًا للإله "هيرشيف" في مدينة هيراكليوبوليس، ويقع بمركز أهناسيا بمحافظة بنى سويف حاليا.
ويعد متحف الحضارة المصرية أحد أهم محاور تطوير منطقة "الفسطاط" الأثرية، تلك المنطقة التي تُعد أول عواصم مصر الإسلامية، لذا تم تطوير بحيرة "عين الصيرة"، والتي تصل مساحتها أكثر من 2 مليون متر مربع، ومن داخل المتحف يمكن مشاهدة العديد من المباني الاثرية القريبة، وعلي رأس تلك المباني قلعة محمد علي باشا، وقد قام بتصميم المعارض الداخلية للمتحف، المهندس المعماري الياباني أراتا إيسوزاكي، في حين حصل الدكتور الغزالي قصيبة أستاذ العمارة بكليه الفنون الجميلة بالقاهرة علي حق الاستشارة المعمارية.
وطبقًا لوزارة الأثار المصرية، من المقرر استقبال متحف الحضارة المصرية لمومياوات لبعض الملوك المصريين العظام، ويبلغ عددهم 22 من المومياوات، علي رأسهم رمسيس الثاني وأمنحوتب الثاني ومرنبتاح، علي أن يتم ذلك في مطلع عام 2021، ليتم وضعهم في قاعة المومياوات بالطابق السفلي، كما يضم المتحف ايضًا معامل للترميم، وقد تم بالفعل ترميم تابوتان يعودان إلى تابوت "سنجم" رئيس عمال الملك "سيتي الأول" وزوجته، وهو أحد الكهنة الكبار فى عصر الدولة الحديثة، الذى ينتمى للأسرة الـ19، والتابوتان مصنوعان من الخشب على الشكل الآدمي، وعليهما زخارف ملونة، كما يوجد بداخل كل واحد منهما مومياء المتوفي في حالة جيدة من الحفظ.
في عام ٢٠١٧ ميلادية تم إفتتاح المتحف بشكل جزئي، حيث افتتحت قاعة العرض المؤقت، والتي تبلغ مساحتها حوالي ألف متر مربع، وتضم معرضاً مؤقتاً يحمل عنوان "الحرف والصناعات المصرية عبر العصور"، يضم حوالي ٤٢٠ قطعة أثرية مختارة من بعض المتاحف، والعديد من المجسمات، بالإضافة إلى شاشات كبيرة تعرض عدداً من الأفلام الوثائقية التي تتناول تاريخ كل حرفة وتطورها عبر العصور، كما يتضمن المتحف قاعة ومركز للتعليم والبحث، فضلا عن معرض متعلق بتطور مدينة القاهرة، وسيكون بمثابة مكان لمجموعة متنوعة من المناسبات، وعرض الفيديوهات العلمية ثلاثية الأبعاد والمؤتمرات والمحاضرات والأنشطة الثقافية، وسيستهدف الجماهير المحلية والوطنية والدولية.
حاليا يتم تشييد قاعة "العرض المركزي"، والتي ستحكى مُلخصاً عن الحضارة المصرية منذ ما قبل التاريخ وحتى العصر الحديث، وتقع على مساحة 2500 متر مربع، وتقدم عرضًا للحضارة المصرية من خلال قطع أثرية ونماذج، وشاشات عرض "وسائط متعددة" ولوحات جرافيك، أيضًا جاري تنفيذ قاعة "متحف العاصمة"، التي تعتمد على الـ"وسائط المتعددة" بصفة أساسية، وتقدم عرضًا أثريًا للعاصمة المصرية عبر مختلف العصور حيث تعرض صورًا ونماذج للعواصم المصرية القديمة، بدءًا من تنيس ومنف هيركليوبوليس وطيبة ولتجتاوي وخاسوت وأواريس وأخيتاتون وبر ـ رعمسيستانيس وبوباستيس وسايس، مرورًا بالاسكندرية والفسطاط والعسكر والقطائع، وأخيرًا القاهرة، وذلك من خلال أجهزة "الوسائط المتعددة"، وعدد من الأفلام الوثائقية، كما تعرض أرضية القاعة ماكيت يوضح فكرة العاصمة وعلاقتها بجغرافية مصر.
أما عن الهرم الزجاجي أعلي متحف الحضارة، فلم تحدد إدارة المتاحف حتي الأن كيف سيمكن استغلاله، حيث يقترح البعض استغلاله كفندق بانورامي يتيح لنزلائه مشاهدة المباني الأثرية المحيطة به، في حين يقترح البعض الأخر تركه كمعرض بانورامي يطل علي القاهرة القديمة، فالمتحف يقع وسط أول مضاحية تم انشائها في القاهرة منذ 1400 سنة مضت.
المصادر:
------------
مجلة علمية معرفية وثائقية تتناول الشخصية المصرية