واحدة من أكثر الأماكن سحرًا، تبدو كالجوهرة الخضراء وسط النيل الخصيب، تعد مزارا سياحيا للبسطاء والعظماء حول العالم، حتي أضحت مقصدًا سياحيًا لبعض الرؤساء والملوك، فزارها الملك فاروق الأول ملك مصر، والملكة إليزابيث إليكسندر ماري ملكة بريطانيا، وجواهر لال نهرو أول رئيس وزراء للهند بعد استقلالها، وجوزيف بروز تيتو أول رئيس لدولة يوغسلافيا، وغيرهم.
جزيرة النباتات..رلم تكن مجرد جزيرة صخرية وسط نهر النيل تمتلئ بالنباتات، ولكنها أول جزيرة في العالم تتحول بالكامل لحديقة نباتية، وهي جزيرة صغيرة بيضاوية الشكل، تضم أنواع مختلفة من النباتات الاستوائية والشبه الاستوائية نادرة الوجود، توجد أقصى جنوب محافظة أسوان، لا يمكن رؤيتها من المدينة مباشرة، فهناك جزيرة أحري تُدعي "الفنتين" أكبر حجمًا تقع بينها وبين شاطئ المدينة فتحجبها عن الرؤية، ويمكن الوصول إليه إلا من خلال المراكب الشراعية والأتوبيسات النهرية
تكونت الجزيرة من ترسبات طمي النيل على الصخور الجرانيتية عبر ملايين السنين، تبلغ مساحتها 17 فدان، وعندما تكونت ترسبات جديدة بلغت مساحتها 3 أفدنة، أنشأت عليها مزرعة تعني بأبحاث البط، يبلغ طول الجزيرة 650 مترا، وعرضها 115 متر، وقديما أطلق عليها الكثير من الأسماء أقدمها "جت نارتي"، الذي يعني "جزيرة النطرون"، وقد أطلق عليها هذا الاسم النوبيين الذين استوطنوها لسنوات طويلة.
بدأت قصة الجزيرة النباتية بأسوان عام 1899، وذلك حينما اتخذها المعتمد البريطاني اللورد "هوراشيو هربرت كتشنر" مقرًا عسكريًا لجنوده، كنقطة إرتكاز لقواته المسلحة للهجوم على السودان لإخماد الثورة المهدية في الجنوب، وأطلق عليها "السردار"، وإن كان البعض أطلق عليها اسم جزيرة كتشنر، وفي عام 1928 أطلق عليها اسم جزيرة الملك نسبة للملك فؤاد الأول، وفي عهد الرئيس "جمال عبد الناصر" أطلقت عليها وزارة الزراعة "جزيرة النباتات" لتصبح الجزيرة إحدى أهم محطات الأبحاث النباتية لمعهد البحوث النباتية بأسوان.
علي الجانب الغربي لجزيرة النباتات تظهر مقابر النبلاء وكهنة أسوان داخل رمالها الصفراء الذهبية، اهمها قبة "أبو الهوا"، والتي تُعد أعلى قبة أثرية فى أسوان، حيث يبلغ ارتفاعه نحو 130 مترا، وتضم أكثر من 100 مقبرة مختلفة، أهمها علي الإطلاق مقبرة أحد الأولياء المسلمين وأسمه "سيدي علي بن الهوا "، والذي سميت القبة باسمه، وهي ضريح أبيض ذو قبة تُري من بعيد، كما يوجد أسفله بقايا دير قبطي وهو "سان جورج"، بالإضافة إلي عدد كبير من مقابر عصور الدولتين القديمة والوسطى، وعلي الشاطئ الجنوبي منه يوجد ضريح "أغا خان الثالث"، والذي يضم جثمان الهندي السير سلطان محمد شاه، وزوجته الرابعة الفرنسية إيفيت بلانش لابروس، أو "أم حبيبة".
تنقسم حديقة جزيرة النباتات إلى 17 حوض، ترتبط بعضها البعض بواسطة أربعة ممرات طولية وتسعة ممرات عرضية، يضم كل منها عددا من النباتات الإستوائية وشبه إستوائية وشجيرات وأشجار ونخيل، وتوجد بالحديقة العديد من الممرات للمشاة، ذات لون وردي، وذلك لأنها مغطاة بالجرانيت الأسواني الأحمر، علي جانبيها الكثير من أشجار النخيل الملوكي الأبيض، ما يعكس صورة فنية بديعة، وفي عام 2011، زودت الجزيرة بدائرة ضوئية حديثة، لتضفي جمالًا آخرًا عليها، وأنشئ مشروع الصوت والضوء لتحكي قصة الحديقة منذ نشأتها.
وتعد جزيرة النباتات أحد أكبر المراكز البحثية النباتية في مصر، وذلك لاحتوائها على متحفًا للأحياء المائية والنباتية، كما تحتوي على مجموعة نادرة من النباتات، حيث تضم ما يقرب من 695 نوعا نباتيا مختلفا من أنحاء العالم، فهي تضم حوالي 85 عائلة نباتية، ونحو 250 جنس، تنقسم إلى 380 نوع، ويمكن تقسيم نباتات الجزيرة إلى 7 مجموعات، كل مجموعة منها تضم بعض الأنواع والأجناس التي تتناسب مع طبيعة وظروف المناخ التي تناسبها.
ويلاحظ أن الجزيرة تضم 32 نوعًا من الأشجار الخشبية، أهمها الأبنوس والكافور والسنط والصندل والماهونجي الأفريقي، كما يوجد 16 جنسًا من النباتات الطبية والعطرية، علي رأسها الزنجبيل والبردقوش والتمر الهندي والشيح والقرنفل، بالإضافة إلي 20 جنسًا من الفواكه الاستوائية، والتي لا توجد في السوق المصرية، مثل الباباظ والكازميرو والجاك فروت، تليها مجموعة النخيل، كالدوليب والسيكاس والدوم والبلح، ومجموعة نباتات الزينة والنباتات المتسلقة، كالجريبيرا والجارونيا والدرسينا والقشطة والورد البلدي والفل والفضية والجهنمية، وأخيراً مجموعة النباتات الزيتية مثل شجر الزيتون وجوز الهند.
ورغم أن كل النباتات الموجودة بجزيرة النباتات رائعة المظهر، إلا أن زوار الحديقة يفضلون دائمًا شجرة واحدة، لا يمكن أن يخرج الزائر قبل أن يلتقط لنفسه صورة معها، إنها الشجرة الخجولة أو الشجرة المستحية، وهي شجرة بمجرد أن تلمسها يد إنسان تضم أوراقها وتنكمش على استحياء، وعندما يبتعد عنها تعود لحجمها الطبيعي، وهو نبات الـ"ميموسا بوديكا" أو "ميموزا بوديكا"، ولفظة "بوديكا" باللغة اللاتينية تعني "خجولة"، وهي من النباتات الاستوائية وتُعد أميريكا الجنوبية والوسطي موطنًا أصليًا لها.
المصادر:
مجلة علمية معرفية وثائقية تتناول الشخصية المصرية