دائمًا هناك حلقة مفقودة، بين ذلك الإنسان البدائي وبين الإنسان المعاصر، بين عصر اعتمد فيه علي الصيد لتوفير غذائية، وبين عصر استأنس فيه الحيوانات لتربيتها، بين عصر التقط فيه النباتات والفواكه البرية، وبين عصر اعتمد فيه علي زراعة ما يريد، فرغم ما وصلنا إليه من تطور تكنولوجي، لم نستدل علي الإنسان البدائي إلا من خلال بقاياه العظمية، أو بعض الأدوات الحجرية، إلي أن اكتشفنا تلك اللوحات الملونة داخل واحدة من أغرب الكهوف في العالم.
كهف الوحوش، أو كما يُسميه البعض كهف فودجيني- مستكاوي، أو كهف فودجيني، أو كهف السباحين، كما يطلقون علية كهف وادي سورة الثاني، وذلك لوجوده بوادي صورة، اكتشفه المستكشف المجري لازلو ألماسي عام 1933، ويُعد مأوى صخريًا ضخمًا في الصحراء الغربية لمصر، وتحديدًا في منطقة هضبة الجلف الكبير بالقرب من الحدود المصرية الليبية السودانية، وقد تم اكتشاف الرسوم التي بداخله عام ٢٠٠٢ بواسطة ثلاثة من علماء الآثار ماسيمو وجاكوبو فوغيني وأحمد مستكاوي، وقام بدراستها علماء الحياة القديمة الألمانية، وهم رودولف كوپر Rudolph Kuper وإريك بوتنر Eric Buttner وهايكو ريمرHeiko Riemer.
ويُعد كهف الوحوش كبهو في قاعة المعارض الضخمة، قام الإنسان منذ أكثر من سبعة آلاف عام مضت، وتحديدًا في بداية العصر الحجري الحديث، بتأريخ حياته وطقوسه والطبيعة التي يعيش فيها، وذلك بنقش ما يقرب من 8000 لوحة ملونة تعبر عن الحد الفاصل بين فترتين من العصر الهولوسيني، والذي يمتد من 12 ألف قبل الميلاد وحتي اليوم، فقد كان مناخ الصحراء في ذلك الوقت رطبًا ومطيرا، بل أن وادي صورة وبالقرب من كهف الوحوش كان هناك بحيرة كبيرة يستخدمونها، وفي عام ٤٠٠٠ قبل الميلاد حدث تغير مناخي أدي إلي تحول المنطقة إلي منطقة قاحلة، وقد أدرك الإنسان انه سيترك ذلك المكان بحثًا عن منطقة أخري تتوافر فيها المياة والنباتات، لذا يعتقد العلماء أن تلك الرسومات ما هي إلا محاولة أراد أراد فيها إنسان تلك الفترة أن يؤرخ لحياته.
أما عن وصف الكهف والذي يُعد أحد أكبر كهوف وادي الجلف الكبير، حيث يبلغ عرضه حوالي 17 مترًا، وارتفاعه حوالي 7 أمتار، ويحتوي على أكثر من 8000 فن تصويري سجل فيه المصريين حياتهم قبل التاريخ، محفوظة جيدًا ومطلية بأصباغ حمراء وصفراء وبيضاء وسوداء، لمجموعات من الكفوف والأيادي، والمخلوقات البشرية والمخلوقات الأسطورية ذات الطبيعة البشرية والسامية، تحكي ذلك الإقليم وكيف تحول إلي شديد الجفاف، نادر الامطار شديد القسوة، بعد أن كانت إقليم لحشائش السافانا ذات الأمطار الموسمية، فقد صور مصري ما قبل التاريخ نفسه يعيش في قبائل بشرية، يحترف الصيد والجمع والالتقاط، ثم فيما بعد كيف أنه احترف الرعي، وصناعة الاواني الفخارية، كما صور ما كان يراه من حيوانات مثل الزراف، والنعام والغزلان، كما قام بتربية الغنم و الماعز.
أما عن الرسومات نفسها، فهي تحمل طابعين مختلفين، ففي الجزء الشمالي من الكهف نري صفوف من النقوش والرسوم لرجال في أحجام مختلفة، تعرض أجزاء منها للتلف أو التشويه بفعل الزمن، في حين جاء الجزء الجنوبي منه، والذي يعد الأغرب والأكثر أسطورية، فتصور الكثير من الرجال يتحركون ناحية وحش ضخم دون رأس أسفلهم رجال تسبح، واللافت للنظر أن هناك تشويه للعديد من الوحوش عن قصد في عصور ما قبل التاريخ، كما تصور النقوش قطعان الماشية المستأنسة، وعدد من الحيوانات البرية، فهناك قطعان من الزراف يقودها انسان، وجميعها لونت بالاحمر، بالإضافة إلي قطيع من الغزلان البري يجري، ملون باللون الأحمر والابيض، وفي وسط الكهف يوجد الكثير من الكفوف الملونة بالأحمر، يعلوها الكثير من رسومات الحيوانات.
علي بعد أمتار قليلة من مدخل الكهف يوجد مدخل كهف أخر، يُطلق علية كهف الرماه، وبداخلة عثر علي الكثير من النقوش والرسومات التي توضح رجالا طوال البنية، يمسكون في احدي يديهم القوس، ويسحبون باليد الأخر السهام، ويستعدون لاصابة شيء ما، تجاورهم لوحات أخر لنقوش تمثل الأبقار والماشية.
منذ أربعة أعوام، وتحديدا في عام 2016، نشر فريق بحثي دراسة حديثة، من معهد ماكدونالد للبحوث الأثرية، نشرتها صحيفة "الديلى ميل" البريطانى، تم إجرائها علي 13 بصمة للأيادي الصغيرة، وقد تبين أن البصمة ليست مرسومة، ولكنها محفورة فى الحجر منذ حوالى 8000 سنة، وأن تلك البصمات ليست لأيادى الأطفال بل ترجع إلى السحالى الصحراوية، أو لأقدام التماسيح الصغيرة، وإن استبعدوا أن تكون بصمات يد أو قدم نظرا لأن الأصابع صغيرة وطويلة جدا بشكل ملحوظ.
المراجع
مجلة علمية معرفية وثائقية تتناول الشخصية المصرية