وصفها المؤرخون بلؤلؤة شارع المعز، كما عدوها تحفة معمارية مملوكية، ما جعلها بحق طرازاً فريداً في العمارة الإسلامية، فتلك المجموعة التي أمر السلطان الملك المنصور سيف الدين أبو المعالي وأبو الفتح قلاوون بن عبد الله الألفي التركي الصالحى النجمى ببنائها، وتتكون من مسجد ومدرسة وقبة وبيمارستان، أضحت عنوانًا لما خلفه سلاطين المماليك من جمال الزخرفة ودقة البناء وضخامته.
تقع هذه المجموعة المعمارية الضخمة بشارع المعز لدين الله، تحديدًا أمام المدرسة الصالحية، وقد تم إنشائها خلال عامي 1284 و1285 ميلادية، أي في أقل من عامين، تحديدًا أربعة عشر شهرًا، وهذا يدل على أن هذه المجموعة قد أنجزت فى مدة قياسية لا يكاد يصدقها العقل، فقد استطاع المماليك أن يقيموا صروحاً دينية ومدنية ضخمة في وقت قياسي، وذلك بالرغم من قلة الإمكانيات التي كانت متوافرة في ذلك الوقت.
ويعد مجمع المنصور قلاوون النموذج الأول لظهور نظام المجمعات فى مصر، ويتكون من عدة منشآت، مدرسة وضريح وبيمارستان للعلاج، وقد اندثر معظمه، بالإضافة إلى سبيل للشرب من عصر الناصر محمد بن قلاوون، وتعتبر الواجهة الجنوبية الشرقية هى الواجهة الرئيسية للمجمع ككل، ويشرف عليها كل من المدرسة والضريح، يتوسطها كتلة الدخول للمجمع، ويوجد على الجانب الأيمن منها واجهة الضريح ويوجد على الجانب الأيسر واجهة المدرسة.
أظهرت حفائر عام 1903ميلادية وجود سلم بجناحين كان يتقدم المدخل، ويكتنف كتلة المدخل زوج من الأعمدة الرخامية الضخمة، ويغلق على المدخل مصراع خشبي ضخم مكسى بالبرونز، يحتوى على زخارف نجمية وحليات بارزة، ومن خلال هذا المدخل يتم التوصل إلى الدهليز الرئيسي الفاصل بين كتلتي الضريح والمدرسة وباقي وحدات المجمع، ويكتنف هذا الدهليز ستة أزواج من الحنايا الضحلة المعقودة، تفتح حنايا الجهة اليمنى على شبابيك تطل على الضريح، وحنايا الجهة اليسرى تفتح على شبابيك تطل على المدرسة وخلاوى الطلبة، السقف الخاص بهذا الدهليز مسقف ببراطيم خشبية مزخرفة بالتذهيب، ويوجد بهذا الدهليز خمسة أبواب، أحدهما بالصدر يوصل إلى البيمارستان، واثنان على اليمين يؤديان إلى الضريح، واثنان إلى اليسار يؤديان إلى المدرسة.
وفيما يتعلق بالمدرسة، فتعد واحدة من أروع المدارس المملوكية التي شيدت بمدينة القاهرة، سواء فى تخطيطها المعماري، وخاصة تخطيط إيوان القبلة الرئيسي، الذى لم يتكرر فى العمارة الإسلامية فى مصر، أو فى تنوع ودقة زخارفها، وان كانت هذه المدرسة قد تعرضت للكثير من معالم التغيير والتجديد، مما أفقدها طابعها المعماري والزخرفى الأصيل، وتنقسم واجهة المدرسة إلى خمس دخلات رأسية بكل منها ثلاثة شبابيك فوق بعضها البعض، ويعلو المستوى السفلى منها الشريط الكتابي الذى يمتد بطول امتداد واجهتي الضريح والمدرسة، وقد أنشأ السلطان الناصر محمد بن قلاوون على هذه الواجهة سبيلا صغيرا لا يزال قائمًا، كان له قبة صغيرة لا تزال رقبتها المغلفة ببلاطات القيشاني قائمة.
وتتكون المدرسة من الداخل من صحن أوسط مكشوف يتعامد عليه أربع إيوانات، أحدهما الرئيسي بالجهة الجنوبية الشرقية، والآخر بالجهة الشمالية الغربية، بالإضافة إلى الإيوانين الجنوبي الغربي والشمالي الشرقي، أما الصحن نفسه فمستطيل الشكل، يوجد بالضلع الشمالي الشرقي منه ست حجرات صغيرة، كانت تستخدم كخلاوى للطلبة الدارسين، يعلوها طابقان آخران، كان يتم الوصول إليهما عن طريق سلم صاعد بالزاوية الشمالية، ويُعتقد أن الجانب الآخر من الصحن كان مشغولا بخلاوى أخري للطلبة، ولكنها غير موجودة حاليا.
أما فيما يتعلق بالقبة، والتي تعد أحد أروع نماذج القباب الباقية بمدينة القاهرة، سواء فى تخطيطها الفريد الذى لم يتكرر بعد ذلك، أو فى تنوع عناصرها المعمارية والزخرفية، أو فيما كانت تؤديه من وظائف دينية وتعليمية واجتماعية، رغم أنها لم تكن مشيدة لتكون قبة للدفن، وإنما كانت تقوم بوظيفة المسجد والمدرسة، فقد قام السلطان قلاوون بترتيب أرباب الوظائف المختلفة بالقبة، وتشرف القبة على الواجهة الخارجية من خلال القسم الأيمن من واجهة المجمع، ويشغل واجهتها ثمان دخلات رأسية متفاوتة المساحة، وتتضمن كل دخلة ثلاثة مستويات من الشبابيك مرتبة فوق بعضها البعض.
في عام 1776 قام الوالي العثماني عبد الرحمن كتخدا بهدم القبة الأصلية لهذا الضريح، وذلك لخطورتها على الطريق، إلا أن لجنة حفظ الآثار العربية أقامت بدلا منها واحدة أخرى أخذت أصولها وشكلها من ضريح الأشرف خليل القريب العهد من القبة الأصلية، ويوجد بالطرف الشرقي من واجهة الضريح المطلة على شارع المعز المئذنة، والتي تتكون من ثلاث طوابق، وقد قام السلطان الناصر محمد بن قلاوون بتجديد بناء هذه المئذنة بعد أن سقطت أثر زلزال حدث عام 702 هجرية، وأقيمت واحدة أخرى بدلا منها سنة 703 هجرية.
أما عن البيمارستان، والتي تعد السبب الرئيسي لبناء المجموعة كلها، ومن التفسيرات التي قيلت فى سبب بنائه: هو أن الملك المنصور قلاوون عندما كان أميرًا فى عهد السلطان الظاهر بيبرس، توجه إلى غزو الروم عام 1276 ميلادية، فأصابه بدمشق قولنج عظيم فعالجه الأطباء بأدوية أخذت له من بيمارستان نور الدين محمود الشهير، وبعد شفائه ركب حتى شاهد البيمارستان، وأعجب به ونذر ان أتاه الله الملك أن يبنى مارستانا، وكان في مجملة يتكون من قاعة كبرى، عبارة عن صحن أوسط يتعامد عليه أربعة إيوانات، وقد تم شغل المساحات المحصورة بين الايوانات الملتفة حول الصحن بحجرات كانت تستخدم كملاحق للبيمارستان وحجرات لسكن المرضى.
ويعد بيمارستان قلاوون مفخرة للعمارة الإسلامية، ومثالا يحتذي به، لاهتمام السلاطين برعاياهم، فقد جعله المنصور قلاوون لعامة الناس على عهده من الرجال والنساء والشيوخ والأطفال الميسورين والفقراء، وقد أشاد به جميع المؤرخين والرحالة العرب والأجانب منذ إنشائه حتى بدايات القرن الحالي، وذلك لدقة عمارته وحسن تنظيم العمل به، وما أمده السلطان من إمكانيات ضخمة وأوقاف متعددة ، إلا أنه لسوء الحظ لم يتبق من هذا البيمارستان سوى بقايا قليلة.
مجلة علمية معرفية وثائقية تتناول الشخصية المصرية