تتكون من 3 أنواع

صناعة الماريونت .. فن العرائس المتحركة

"الليلة الكبيرة يا عمي والعالم كتيرة.. ماليين الشوادر يابا مـ الريف والبنادر"... منذ ستة عقود أبدع لنا الشاعر صلاح جاهين كلمات أوبريت عاش خالدًا في وجداننا، كلمات بسيطة ولكنها شكلت وجدان أجيال، ويبدوا أنها ستعيش طويلًا، رغم أن الأوبريت صُنع خصيصًا للأطفال، فقد كان لصانع العرائس الفنان صلاح السقا، دورًا في ترسيخ هذا المبدء بعرائسه، إلا أن أصحاب العمل تفننوا في تقديم تُحفة فنية، تحفة أثرت في الكبير والصغير، بل وتوارث تأثيرها الأجيال التي لم تعيش صناعته.

 

في ليلة الأول من مايو عام 1961، وعلي خشبة المسرح، استقبل الجمهور أول اوبريت للعرائس الماريونيت في مصر، تتراقص علي أنغام الموسيقي التي أبدع في تلحينها الموسيقار سيد ميكاوي، لم يصدق المشاهدين أنفسهم وهم يشاهدون تلك العرائس وهي تؤدي رقصات شرقية محترفة، أو تمتطي الخيول وكأنها خيال صعيدي محترف يجيد الرقص بالعصا، ما جعل الجميع يشعر بالبهجة والإنبهار في نفس الوقت، ما يجعلنا نتساءل عن ذلك الفن، وطريقة صناعته؟، وما هي المراحل التي يمر بها ليظهر بتلك الصورة المبهرة علي خشبة المسرح؟.

 

رحلة قصيرة إلي مدينة عين شمس، وهي مدينة قديمة تقع شرق مدينة القاهرة، حيث أحد أهم ورش صناعة عرائس الماريونيت بكل أنواعها، والتي يمتلكها الفنان عمرو صلاح، والذي أكد أن عرائس الماريونيت تنقسم إلي ثلاثة أقسام مختلفة، الخشبية والعجين والأصابع، ورغم اختلاف المادة الخام إلا ان طريقة الصنع لا تختلف، وإن كانت العرائس الخشبية تعتمد علي الألواح الخشبية الزان، ثم يتم تقطيعها إلي قطع صغيرة طبقًا للتصميم، وذلك باستخدام الأزميل لتشكيل العروسة، وتحديد طبيعتها ووظيفتها، ثم ربط تلك الهياكل بواسطة مفصلات، ثم يبدأ في تشكيل الوجه والجسم، وهي المرحلة الأكثر حرفية ودقة عالية.

 

بمجرد أن ينتهي صانع الماريونيت من نحت الوجه، تبدأ مرحلة تلوين العروسة، ثم مرحلة تصميم الملابس التي ستتفق مع القصة التي ستدخل فيها، وأخيرًا مرحلة الميزان، وهي أصعب المراحل علي صانع الماريونيت، حيث يسعي للوصول إلي نقطة توازن للعروسة بالخيط الرفيع القوي، وهو نفس الخيط الذي يستخدمه الصيادون في سنارة الصيد، وهو من القوة التي تمكن من حمل ثقل يصل إلي 74 كيلو جرام، ويتم تركيب ذلك الخيط من مقدمة الرأس، وخلفها والأذنين في ميزان خشبي علي شكل حرف زائد (+) يربطهما جميعًا، ثم وضع نقاط تحكم من الخيوط في المناطق الخاصة بنوع العروسة، فإذا كانت راقصة، فمنطقة التحكم الرئيسية ستكون في الوسط، وإذا كانت لعازف، فنقطة التحكم ستتركز في الذراعين، وهكذا.

 

بعد أن يتأكد صناع الماريونيت من نجاح عملية الإتزان، يبدأ في المرحلة الأخيرة، وهي مرحلة التحريك، وهي مرحلة تمتزج فيها الموهبة بالدراسة، الفن بالإتقان، لذلك يجب أن يدخل محرك العروسة في حالة معايشة مع الشخصية التي ستتحرك، ليتمكن من الإحساس بحركتها علي حسب نوعها ووظيفتها علي المسرح، وهنا يواجه المُحرك مشكلة أكبر، وهي القدرة علي تحريك تلك العروسة من إرتفاع 2 متر تقريبًا، وهي مسافة تحتاج إلى عروسة خفيفة الوزن ليتم التحكم بها بسهولة، وهو ما تفتقده العروسة الخشبية، بعكس الأنواع الأخري.

 

أما العروسة العجين، فهي أحد أكثر الحرف التي تحتاج إلي مهارة مختلفة، لذا لا يجيد أغلب حرفي الماريونيت صناعتها، وقد تستغرق ما يقرب من 45 يوم لخروجها بالشكل الأمثل، لذا تخضع لعدد من المراحل والتفاصيل التي تتميز بالدقة عن العروسة الخشبية، وإن كانت تعالج عيوبها، وتبدأ عملية الصنع بصنع العجينة التي ستشكلها أولًا، وتتكون من مزيج من الفوم ونشارة الخشب والورق المقوي مخلوطين بمادة لاصقة ممثلة في "الغراء"، ثم توضع تلك العجينة علي قوالب صماء تُشكل وجه العروسة المطلوبة، ثم يتم تعريضها في الشمس لعدة أيام حتى يستطيع الفنان خلع الوجه المعجون بعد أن يصل إلي مرحلة الصلابة، بعد ذلك يدخل الوجه المرحلة التالية، وهي مرحلة الطلاء بالبلاستيك الأبيض السائل، ثم يُترك لعدة أيام أُخرى، وذلك حتى يصل الوجه إلي الون الأبيض الناصع.

 

أما مرحلة نحت الوجه، فتتم بواسطة بعض الأدوات الحديدية كالمبرد، وهو ما يسهل تصليح الوجه المصنوع من العجين إذا ما حدث خطًأ في عملية النحت، ومن ثم يدخل الوجه في مرحلة جديدة من الطلاء، وهو اللون العام الخاص بالعروسة، قبل أن يُترك في الشمس عدة أيام، وذلك حتى يتم تثبيت اللون النهائي ثم بعد ذلك تخضع العروسة لمراحل التلوين والملابس والشكل النهائي، ثم يتم ربط الرأس مع الجسد بواسطة مفصلات معدنية أو مفصلات مرنة صُنعت من الجلد، ثم مرحلة الميزان والتحريك في طريقة لا تختلف عن العرائس الخشبية، وتبلغ العروسة العجين نصف وزن العروسة الخشبية تقريبًا، ما يساعد المُحرك على التحكم الأكبر بها.

 

النوع الثالث، العروسة الأصابع، أسهل الأنواع صناعة، ولا تحتاج لحرفية كبيرة، ويمكن لأي شخص أن يتعلم صناعتها بسهولة، حيث يُصنع وجه العروسة من أي مادة من المواد الخفيفة، ثم تُرسم ملامحها جيدًا، ويتم تصميم الملابس، ولا يُصنع لها جسم، فقط الرأس والملابس، ويقوم المحرك بوضع يده داخل الملابس ليكون بأصابعه الثلاث بالتحكم في العروسة، ويشكل الساعد جسمها، وتُعد العروسة "بقلظ"، أحد أشهر تلك العرائس.

 

ولكن لما سُميت تلك العرائس بأسم "ماريونيت"، كلمة إيطالية تعني الدمية، وهو فن شامل يجمع بين النحت والرسم والتلوين والديكور وفن اختيار الملابس والتعايش التمثيلي مع الشخصية وتحريك الشخصية، ولكنه كما قال الفنان عمرو صلاح : "ليس له قواعد ثابتة ولا يمكن لأثنين من الفنانين أن يصنعوا نفس العروسة بشكل واحد حتى لو قاموا بنقشها من صورة واحدة، وذلك لأن روح الفنان تتدخل في كل شخصية يقوم بصناعتها، وهذا يعني أن الفنان نفسه لا يمكن له أن يصنع نفس العروسة بنفس الشكل مرتين متتاليتين.

مجلة علمية معرفية وثائقية تتناول الشخصية المصرية