الخبز المقدس للإله رع

العيش الشمسي.. تراث فرعوني قديم احتكره صعيد مصر

نظرة سريعة على قوائم القرابين والنقوش الكثيرة التي تركها المصري القديم على جدران معابده ومقابره، ستجعلنا ندرك جيدًا مدي الأهمية الكبيرة للخبز، أو العيش، كما يطلق عليها العامة في مصر اليوم، وكلمة "عيش" كانت تُكتب علي المعابد علي الخبز المقدس، لذلك احتل الخبز مركزًا رئيسيًا، لذا أصبح على قمة الطعام اليومي لقدماء المصريين، كما أنها تُقدم على قوائم الطعام التي يأخذها الموتى معهم، والقرابين التي تقدم للآلهة في المعابد.

 

كان لتلك القدسية التي اكتسبها الخبز أو العيش في مصر، حتي أنه كان يتفتت بتقديمه باشكال مختلفة، حتي أن مصر القديمة كان بها ما يقرب من خمسة عشرة نوعًا من الخبز، ومع مرور العصور والأزمان وصولًا إلي الدولة الحديثة إزدادت تلك الأنواع حتي أنها وصلت إلي ما يقرب من أربعين نوعًا من الخبز المصري، والتي اختلفت في أشكالها ما بين المستديرة والبيضاوية والملفوفة والمخروطية الشكل.

أحد أهم تلك الأنواع العيش الشمسي، أو "الملتوت"، والذي يُعد الخبز الرئيسي علي مائدة طعام صعيد مصر، ويتم صناعته من القمح الكامل، ورغم قدم العيش الشمسي لم ينقرض ومازال يُصنع بنفس الطريقة التي تعود عليها المصريين منذ آلاف السنين، لا تزال السيدات في صعيد مصر متمسكات بإعداده، بل والحرص علي توريث سر صناعته لبناتهن.

وقد سمي العيش الشمسي بهذا الإسم لأنه يتم وضعه في الشمس لفترة معينة حتى يكتمل اختماره. يتميز العيش الشمسي بحجمه الكبير نسبيا، ويمر في صناعته بستة مراحل، وهي تحليل الدقيق، وإعداد الخميرة، والعجن، والتقطيع، والتشقيق أو التشريك، والتقليب، وأخيرًا الرص، لذا يتطلب صناعته صبرًا وقوة تليق بالمرأة المصرية الأصيلة، فنلاحظ في الغالب تتشارك نساء العائلة الكبيرة في إعداده.

أما عن طريقة صناعته، والتي تستمر ليومين كاملين، فتبدأ بتحليل الدقيق وتنقيته من الشوائب والردة، وبعدها يتم خلط جزء منه بالماء الساخن وخميرة البرباسة، ثم يغطى الإناء بغطاء محكم ويترك حتي صباح اليوم التالي، وفي اليوم الثاني، تم عملية العجين بإضافة بقية الدقيق والماء، والتي تستغرق حوالي الساعة تقريبا، وهو ما يتطلب إمرأة تتمتع بالقوة البدنية، ثم تأتي عملية تُسمي "تقريص" العجين، أي تقطيعه إلي قرص صغيرة، تقوم الفتيات برصها في أطباق دائرية يتم صناعتها من الطين والورق تُسمي "دورة" لتوضع تحت أشعة الشمس حتي يتم التخمير.

ولأن العيش كما قُلنا من الأطعمة المقدسة لدي المصري القديم، لم تنسي سيدات الصعيد في تزيين العيش الشمسي بتلك الشعارات المصرية القديمة، فتقوم إحدي الفتيات المشاركات في العجين بعملية التجريح بواسطة سلاعة، أو "شوكة نخيل"، والتجريح هنا يعني عمل خط دائري حول قرص العجين، وفي المنتصف يتم رسم الرقم 11، والخط الدائري هو معتقد فرعوني يرمز الي الإله رع رمز قرص الشمس، وفي تلك الأثناء يتم إحماء الفرن البلدي الصغير، والمصنوع غالبًا من الطين، من خلال إشعالها باستخدام مخلفات المنزل لزيادة الحرارة والاشتعال، ثم يتم وضعه داخل الفرن بواسطة أداة خشبية تشبه مضرب التنس تُسمي "المطرحة"، وبعد تمام الاستواء يتم إخراجه من الفرن، ووضعه في إناء من الخوص أو الورق يُسمي "برش"، وهو إناء واسع وكبير مخصص للعيش.

مجلة علمية معرفية وثائقية تتناول الشخصية المصرية