منذ أن إجتاح فيروس كورونا مدينة ووهان الصينية في النصف الثاني من شهر ديسمبر من العام 2019، لم تتوقف مراكز الأبحاث الصينية عن محاولة فك شفرته، وعقب وصول انتقال الفيروس إلي أوروبا لأول مرة في الرابع والعشرين من يناير، وذلك حينما تم اكتشافة في فرنسا، قبل أن ينتقل إلي ألمانيا وإيطاليا وأسبانيا، سارعت المراكز العلمية الأوروبية هي الأخري للمشاركة في تلك الخطوة البحثية.
أكثر ما لفت انتباه المراكز البحثة الأوروبية تلك الشراسة التي أظهرها فيروس كورونا في عدد من بلدان القارة العجوز، علي الأخص إيطاليا، إسبانيا، فرنسا، ألمانيا، سويسرا، إنجلترا، فرغم أن الفيروس بدأ في إصابة القارة الأوروبية في نهاية يناير 2020، إلا أنه وفي أقل من شهرين فقط، اعتلت دوله قائمة الدول الأكثر إصابة، حيث بدأ الفيروس في إختراق المئات والآلاف من الأجساد.
كيف وصل كورونا إلي هذا الحد من الشراسة؟، كيف حقق في دول أوروبا ما لم يحققه في الصين المنشأ الأصلي له؟، وهل حدث له أي اختلافات جينية أو وراثية أثناء عبورة كل تلك المسافة؟، كانت تلك هي أبرز الأسئلة التي حاول الباحثين الاجابة عنها، خاصة بعد وصلت نسبة الإصابة في السادس والعشرين من مارس إلي حوالي 287 ألفًا و500 مصاب بواقع 54% من المصابين، وأوقعت ما يعادل 16 ألفًا و600 قتيل بنسبة بلغت 68.4%، لذا بدأ الباحثين في معرفة السبب في ذلك.
البداية كانت في دولة أيسلندا، إحدي الدول الغربية التي أُصيبت بالفيروس، ورغم انها في المركز رقم 40 في قائمة أكثر الدول إصابة بفيروس كورونا، وذلك بـ800 مُصاب، و2 من القتلي، وبعد دراسة سبعة من الحالات المُصابة كانوا قد حضروا مؤخرًا مباراة لكرة القدم في إنجلترا، واكتشفوا أن هؤلاء الأشخاص يحملون فيروس كورونا مختلف جينيًا عن الفيروس الذي تعرض له أيسلنديين محليين، وكانت تللك البداية.
وطبقًا لصحيفة "إنفورمشن" الأيسلندية، عكف الباحثين الأيسلنديين علي دراسة فيروس كورونا، حتي أكتشفوا مؤخرًا أن الفيروس حدثت له 40 طفرة مختلفة، عندما اكتشفوا عدد من الطفرات، أو التغييرات الصغيرة في جينوم الفيروس نفسه، وذلك من خلال تحليل مسحات مرضى COVID-19، وجاء ذلك بالتعاون مع إحدي شركات المنتجات الصيدلانية البيولوجية، ممثلة في شركة "دي كود جينتيكس"، علي نحو أكثر من 9 آلاف وثمانمائة مريض، أو يعاني من نفس الأعراض المرضية للفيروس.
أما عن الكيفية التي من خلالها دخل كورونا إلي أيسلندا، فطبقًا لنتائج أبحاث "دي كود"، جاء أحد الأنواع من دولة النمسا، ونوع أخر من إيطاليا، ونوع ثالث من إنجلترا، ورغم أن تلك الدراسة لم تتم مراجعتها بعد من قبل العلماء المتخصصون، إلا أن عالم الفيروسات بقسم المناعة والأحياء الدقيقة في جامعة كوبنهاجن، ألان راندروب تومسين، أكد أن النتائج "منطقية"، وانها مثيرة إنها مثيرة للإهتمام، حيث يمكن إرجاع الطفرات الأربعين المحددة التي تقع في ثلاث مجموعات إلى مصادر محددة للعدوى، خاصة وأن كورونا يُعرف بأنه فيروس يمكن أن يتحور، وهو ما حدث في الصين التي تحدثت بالفعل عن حدوث طفرتين للفيروس.
دراسة الباحثين الايسلنديين أكدت أن "كوفيد 19" سيحدث له العديد من التطورات المختلفة، وأنه سيكون أكثر عدوي مما هو علية الأن، وإن كان سيكون أقل تاثيرًا علي الإنسان، مثلما حدث مع فيروس الأنفلونزا، أي أنه سيكون أكثر انتشارًا، ولكن الأشكال الجديدة التي تسبب أعراضًا حادة قد تموت، وإن تلك العملية قد تستغرق بضع سنوات، مبينة أن COVID-19 سيختفي خلال فترة الصيف، ولكنه في نفس الوقت قد يعود في شتاء 2021.
أما عن الطفرات وعلاقتها بالفيروسات، فقد أوضحت الدراسة أن الفيروسات بطبيعتها تزيد من عملية الطفرات أثناء حدوث التطور، ما يؤدي نوعًا إلي تغيير سلوكها فيما بعد، هذا التغير قد ينتج عنه فيروس جديد ذو طبيعة بيولوجية قادرة علي مهاجمة الإنسان، ويعتقد الباحثين أن تلك العدوي تظل كامنة في الحيوانات لسنوات طويلة، وربما تصل إلي عقود طويلة، قبل أن تكتسب القدرة على الانتقال إلى البشر.
مجلة علمية معرفية وثائقية تتناول الشخصية المصرية