قبل أكثر من أربعة مليارات سنة مضت، أي بعد أقل من ستمائة مليون سنة من تشكيل الكرة الأرضية، تكونت بعض الخلايا البسيطة، والتي عُرفت بإسم "وحيدات الخلية"، لتبدأ حياة بدائيات النوي، ما يعني أن تلك الفيروسات سبقت الإنسان الحديث الذي ظهر علي الأرض قبل 200 ألف عام مضت، فقد كانت تلك الفيروسات أول من استوطن الكرة الأرضية.
لم تترك الفيروسات بقعة أرضية إلا واحتلته، طيلة أكثر من ثلاثة مليارات سنه لم تترك يابس أو ماء إلا وتواجدت علي سطحة، وبعد ظهور الحيوانات قبل 600 مليون سنة، بدأت في الإبتعاد إلي أكثر المناطق إنعزالًا، أعلي الجبال، الكهوف السحيقة، فوهات البراكين القديمة، الغابات السحيقة، بعض الجزر المنعزلة، في قيعان المحيطات السحيقة، ومنذ أكثر من 300 مليون سنة تطورت تلك البدائيات لتشكل مجموعات من حاملات للمادة الوراثية بسبب تكون جسمها من مادة بروتينية وحامض نووي مثل DNA وRNA، ما جعلها تتكاثر بشكل أسرع بفضل الحمض النووي والمادة الوراثية فيها.
اتفق علماء الفيروسات والأحياء الدقيقة علي أن وجود العديد من الملايين من أنواع وفصائل الفيروسات، يقدر عددها (10^31)، وهذا الرقم يعني واحد وبجواره 31 صفرًا، وما يؤكد علي ضخامة عددهم أن عدد النجوم في الكون المرئي يقدر بنحو (10^24)، أي أن عدد الفيروسات أكبر بـ10 مليون مرة عدد النجوم، وإذا ما تمكنا من وضع كل فيروس فوق الآخر، وقمنا بإنشاء برج من الفيروسات، سيمتد هذا البرج إلي ما بعد القمر والشمس وأقرب النجوم لمجموعتنا "ألفا سنتوري"، بل أنه سيتخطي حدود مجرة درب التبانة والمجرات المجاورة ليصل إرتفاعه إلي 200 مليون سنة ضوئية.
رغم ما سبق سنجد أن أحدث تقارير اللجنة الدولية لتصنيف الفيروسات سنة 2005 قدم وصفًا دقيقًا لحوالي 5450 من الفيروسات، تنتمي لأكثر من 2000 نوع، و287 جنساً، و73 عائلة، و3 رتب، بالإضافة إلي حوالي 15 ألف فيروس تستوطن أعماق المحيطات، وان هناك الملايين من الأنواع التي لم تُكتشف بعد، وذلك رغم اعلان إحدي أكبر الدراسات التي مسحت سطحي القطبين الشمالي والجنوبي اكتشاف أكثر من 200 ألف نوع من الفيروسات البحرية، وبالحصول علي عينات من 80 موقع فقط حول العالم، وذلك خلال الفترة من 2009 حتي 2013، وفي أعماق وصلت الي 4000 متر حتي سطح المحيط.
بدأت علاقة الإنسان بالفيروسات منذ ما يقرب من 137 عام مضت، وتحديدا عام 1883، وذلك حينما لاحظ عالم الكيمياء الألماني أدولف ماير بالمصادفة وجود دقائق اصغر من البكتريا يمكنها أن تسبب الأمراض للإنسان، رغم أنه اكتسب اسمه ""virus من الاصل اللاتيني "سم قاتل" عام 1392، وتم تصنيفه علي أنه "العامل المسبب للأمراض المعدية" لأول مرة سنة 1728، وان كان يُحسب عالم الأحياء الروسي ديميتري إيفانوفسكس اكتشاف الفيروسات في عام 1892، حينما اكتشف فيروس "تبرغش التبغ"، وهو فيروس نباتي يصيب اوراق التبغ، وهو الذي أطلق عليها إسم "فايرس"، ثم أُعيد اكتشافه حينما أثبت عالم النباتات والأحياء الدقيقة الهولندي مارتينوس ويليام بايرينك، أنها معدية للخلايا غير المُصابة.
الفيروسات تنتشر بغذارة في محيط الإنسان، تلك معلومه علمية دقيقة، حتي أن علماء الفيروسات والأحياء الدقيقة أجمعوا علي أن الفيروسات هي أكثر الميكروبات وفرة على الكوكب، حتي أن مترًا مربعًا واحدًا من سطح الكوكب يمكن أن تمطر بمئات الملايين من الفيروسات، وعشرات الملايين من البكتيريا، وذلك في يوم واحد فقط، بل أن علماء جامعة كولومبيا البريطانية أثبتوا أن المتر المربع الواحد يحتوي علي 800 مليون فيروس، وان هناك حوالي 320 ألف نوع من الفيروسات تصيب الثدييات بمفردها.
ما هي الأهمية الحقيقية للفيروسات؟، وهل هي من الأهمية التي وجدت من أجل خدمة الإنسان؟، تلك هي الأسئلة الأهم الأن، فبمجرد أن يبدأ الإعلان عن هجوم فيروسي جديد، كما حدث مؤخرًا مع فيروس "كورونا"، ينتاب البشر حالة من الذعر والرعب، رغم أننا نتعرض يوميا لملايين من الفيروسات دون أن نُصاب بشي، بل أن أبشع هجمات الفيروسات خلال القرن العشرين لم تكن اشد فتكًا من الإنسان نفسه، ففي الوقت الذي قتلت فيه الحروب أكثر من 235 مليون من البشر، وقضت المجاعات علي أكثر من 68 مليون إنسان، ووفاة أكثر من 6 ملايين بسبب التدخين، وأكثر من 1.35 مليون بحوادث الطرق، وإنتحار أكثر من 800 ألف أخرين، لم تفتك أنفلونزا الطيور أكثر من 400 شخص، ولم يقتل السارس أكثر من 800 شخص، وإن كان عدد ضحايا الأنفلونزا الإسبانية عام 1918 قد تخطي حاجز 21 مليون إنسان، كما قتلت أنفلونزا هونج كونج سنة 1968 ما يقرب من مليون شخص في سنغافورة وفيتنام وهونج كونج.
لكن ما هي فوائد الفيروسات؟، للفيروسات عدد من الفوائد والاستخدامات في عدد من مجالات الطب والهندسة الوراثية التي أمكن الاستفادة منها في خدمة الانسان، أهمها علي الإطلاق الدراسات البيولوجية الجزيئية والخلوية، خاصة في مجالات الأبحاث الوراثية، وفهم الجينات، وتكرار ونسخ الحمض النووي "DNA"، وتشكل الحمض النووي الريبوزي "RNA"، وترجمته، وكذلك في تشكيل البروتينات، وأساسيات علم المناعة، كما يُستخدم في مختلف مجالات الطب، حيث تُستخدم الفيروسات كناقلات لحمل المواد العلاجية للخلايا المستهدفة بالعلاج الجيني، ومن ثم تدمير البكتيريا المسببة للأمراض، علي الأخص الخلايا السرطانية.
كان للفيروسات دور مهم في انتاج اللقاحات المضادة للأمراض الفيروسية، وهو ما أثبته الطبيب البريطاني إدوارد جينر، والذي تمكن من إنتاج أول لقاح لمرض الجدري من خلال استخدام فيروسات جدري البقر لتطعيم الناس ضد الإصابة بالعدوي، لينتج أول لقاح مضاد للفيروسات بالفيروسات نفسها، كما يُستخدم في لقاحات أمراض شلل الأطفال والحصبة وجدري الماء فيروسات حية ضعيفة أو جسيمات من فيروسات ميتة، وعندما تدخل إلي جسم الإنسان المُعافي، تساعد الجهاز المناعي علي التعرف علي هذا النوع من الفيروسات، وتكوين مناعة ضدها، حيث يتذكر الجسم هذه الجسيمات ويهاجمها في حالة وجود أي عدوي، بالإضافة أيضًا لإستخدامها في مجالات الزراعة، علي الأخص في وسائل التعديل والهندسة الوراثية لانتاج جينات مُعدلة، والتي يمكن نقلها إلي النباتات، كما أمكن استخدامها لمكافحة الآفات الضارة.
المصادر:
مجلة علمية معرفية وثائقية تتناول الشخصية المصرية