في أول عدد في مجلة "الإيجيبشيان جيوغرافيك" كنت أود أن أكتب عن أسرار الحضارة المصرية، أو عن مصر التي لا نعرفها، ولكن وجدت أن هناك ضرورة أن أقدم في البداية المتحف الذي يحوي أسرار الفراعنة.
شعور رائع بالفخر والمهابة يتملكني في كل مرة أزور فيها المتحف المصري في قلب ميدان التحرير في القاهرة.. كأني أدخل محراباً أو معبداً أو مكاناً مقدساً للعبادة والتراتيل والصلوات.
ذلك هو شعوري بالضبط بمجرد أن تطأ قدماي مدخل المتحف، وصعود درجات السلم وصولاً إلي صحن المتحف أو ما يسمي بـ"البِركَة"، والنظر إلي التماثيل والتوابيت الضخمة لملوك وملكات مصر الفرعونية...
وأول ما تري العين من آثار هو التمثال المزدوج الضخم لفرعون مصر "أمنحتب الثالث"، والمعروف بين الأثريين بلقب "باشا العصور القديمة"، وزوجته الملكة القوية "تي".
وعلي الرغم من تكدس الآثار في المتحف المصري رغم ضخامته، وعدم وجود مساحة كافية لعرض كل أثر بما يليق بمكانته التاريخية والفنية، إلا أن المتحف مازال يحمل طابعه الخاص، والتي ربما تميز به عن سائر متاحف الأرض.. رغم ما يحلو للبعض من تسميته "مخزن الآثار" وليس "متحف الآثار"، والمؤكد أننا لو أردنا أن نمنح كل أثر داخل المتحف المصري المساحة الكافية، لكنا في حاجة إلي مبني تصل مساحته إلي ثلاثة أضعاف مساحة المتحف الكصري كله...
وموضوع تكدس الآثار بالمتحف موضوع قديم سُئل عنه "جاستون ماسبيرو"، أول مدير فرنسي للمتحف المصري، وأجاب بسرعة بديهته وفهمه للروح المصرية قائلاً: "لو زار أحدكم أي منزل مصري مضى علية مائة عام لوجد أن المصريين يستغلون كل مكانٍ علي الحوائط لوضع صور أفراد العائلة جيلاً بعد جيل، حتي لا تكاد الجدران تُري من وراء تلك الصور...."، بل وأضاف "أن المتحف المصري ما هو إلا تعبير عن الواقع المصري..!
وعلي الرغم من أن مصر –ولا أقول وزارة الثقافة- وحدها تقوم حالياً ببناء أضخم مشروع ثقافي علي وجه الأرض، وهو المتحف المصري الكبير، تحت ظلال أهرامات الجيزة العظيمة، لكي تُنقل إليه كنوز ملوك وفراعنة مصر القديمة من المتحف المصري بالتحرير، والمخازن والمناطق الأثرية المنتشرة في ربوع البلاد...
إلا أن متحف التحرير سيظل مفتوحاً بعد تطويرة بالكامل وتحويله إلي متحف للفن المصري القديم، وستبقي به مجموعات فنيه، من تماثيل ولوحات وتوابيت وغيرها من الآثار التي هي علامات في الفن المصري القديم، مثل تمثال "خفرع وحورس"، وتمثال "رع حتب ونفرت"، وغيرهما من آثار مصر الفرعونية، والتي لا مثيل لها في أي متحف آخر بالعالم...
إن أسرار روعة المتحف المصري بالتحرير لا تكمن فقط في الآثار المعروضة في قاعاته وصالاته.. والقصص التي يحكيها مل أثر معروض، وإنما تكمن أسرار المتحف في تلك الصناديق المُغلقة منذ مئات السنين في سراديبة السفلية، ولا أحد يعرف عما تحويه هذه الصناديق من كنوز الآثار، حتي أن أقفال بعض هذه الصناديق قد تعدي قرناً من الزمان... وهذه الآثار هي نتاج حفائر علماء الآثار الأوائل في مناطق مصر المختلفة، وفي عصر لم تكن فيه هناك مخازن آمنة للآثار سوي سراديب المتحف المصري....
وهناك مشروع طموح الآن لتسجيل آثار المتحف المصري سواء المعروض أو المخزون في سراديبه... وإنني لفخور حقاً بأن لدينا مجموعة من شباب الأثاريين والمسجلين والمرممين يعملون بكل حب وإخلاص للكشف عن الآثار الدفينة في سراديب المتحف المصري بالتحرير... إنه جهد رائع من أجل التحضر والتنوير....
وزير الأثار الأسبق
وأمين عام المجلس الأعلي للأثار الأسبق
مجلة علمية معرفية وثائقية تتناول الشخصية المصرية