حظيت القاهرة خلال الألف عام الأخيرة بالمكانة الأهم، باعتبارها عاصمة الدولة المصرية، لذلك حظيت بأقدم وأعرق وأجمل الفنادق علي الإطلاق، أهمها هو فندق "شبرد"، ذلك الفندق الذي احتفل مؤخرا بذكري 176 عاما علي إنشائه، حيث افتتحة محمد علي باشا عام 1841، وتم بناؤه أول الأمر في شارع الجمهورية، وكان يطل علي حدائق الأزبكية، ولكنه تعرض للدمار في حريق القاهرة، كان عنوان الفخامة والعراقة علي مستوي العالم، قال عنه سفير بلجيكا فى برلين البارون "دنوتونيا"، والذى زار مصر فى نهاية القرن التاسع عشر "أتشكك كثيراً إذا ما كان يوجد فى إحدى العواصم الأوروبية فندق تتوافر به وسائل الراحة والتسلية، كتلك التى وجدتها فى فندق شبرد" المطل على نيل القاهرة.
تعود قصة بناء المبنى الأول للفندق، عند حضور مستر "صموئيل شبرد" للقاهرة للبحث عن قطعة أرض يقيم عليها فندقه الجديد، وفى عام 1941 وقع اختياره على موقع الفندق القديم المطل على بحيرة الأزبكية بالقاهرة، وكان به قصر قديم ومهدم استخدمته الحملة الفرنسية خلال وجودها فى مصر، حيث أصبح مقراً لقيادة القوات الفرنسية، ومركزا للقيادة العامة في عهد "كليبر"، واستمر كذلك حتى قام سليمان الحلبى بقتل كليبر داخل حديقة القصر، وقد تم افتتاح الفندق فى نهاية عام 1841 وعرف وقتها باسم "الفندق الإنجليزى الجديد"، واستمر يحمل هذا الاسم حتى عام 1845، حين أطلق عليه فندق شبرد.
كان يجب أن يكون هناك فندق عريق بجوار أهرامات الجيزة، هكذا قال "أندرو همفريس" في كتابه، لذلك جاء فندق الـ"مينا هاوس"، والذي يستعد للاحتفال بمرور 150 عاما علي إنشائه، حيث افتتحه الخديو إسماعيل سنة 1869، تلبية لرغبة الإمبراطورة أوجيني ملكة فرنسا التي عشقها الخديو، تحت ظلال أهرامات الجيزة، ويقع وسط 40 هكتاراً من حدائق الياسمين الجميلة، وهو الفندق الوحيد الذي يقع بالقرب من إحدى عجائب الدنيا السبع، ولعل ذلك يفسر لنا سبب ولع المغامرين والرحالة في القرن التاسع عشر، بفندق مينا هاوس، فقد وصفته الكاتبة البريطانية "إيفلين فاو" قائلة: "ضخم للغاية وفخم جداً".
وسط النيل، وتحديدا في إحدي جزر القاهرة التي لم يكن لها شأن، جزيرة الزمالك، في عام 1863 أمر الخديو إسماعيل بتكليف المهندس المعماري الألماني "يوليوس فرانز" بالتعاون مع المهندس الشهير "دي كوريل ديل روسو"، والذي صمم قصر عابدين، بتصميم وتشييد قصر الجزيرة، والذي عُرف فيما بعد باسم "ماريوت"، واستغرقت عملية البناء 5 سنوات، لتفتتحه الامبراطورة أوجيني عام 1868، لذلك جاءت فيه طرز تتشابه مع مقر إقامتها في قصر "تويوري"، مع إضفاء طابع إسلامي على النمط المعماري من خلال استخدام تصاميم مصنوعة من الرخام، بالإضافة إلى نوافذ وشرفات مصنوعة بأسلوب المشربية، بعد ذلك قام مهندس المناظر الطبيعية الفرنسي "بارييه ديشامب"، بتحويل الجزيرة إلى متنزه مترامي الأطراف، أما الديكورات والحلي الداخلية للقصر فجاءت من باريس، وقام مهندس التصاميم الداخلية الألماني "كارل ويلهلم فون ديبيتش" بتصنيعها في ورشته ببرلين.
الكثير منا لا يعلم أن قصر الاتحادية مقر الحكم في مصر، تم بناؤه منذ أكثر من 110 أعوام مضت، كان يسمي يوم افتتاحه عام 1910 قصر هليوبوليس، وسماه البعض فندق "جراند أوتيل"، قام بتصميمه المعماري البلجيكي إارنست جاسبار" وتم بناؤه من قبل شركتين للإنشاءات كانتا الأكبر في مصر في ذلك الوقت، وهما شركة "ليو رولين وشركاه" وشركة "بادوفا دينتامارو وفيرو"، فيما قامت شركة ميسس سيمنز آند شوبيرت في برلين بمد الوصلات الكهربائية والتجهيزات، لذلك اعتبر من أفخم الفنادق آنذاك، فجذب إليه أشهر النزلاء أمثال، "ميلتون هيرشي" مؤسس ومالك شركة هيرشي للشيكولاته الأمريكية الشهيرة، والاقتصادي الأمريكي "جون بيربونت مورجان" مؤسس مجموعة "J. P. Morgan" الأمريكية، والملك "ألبير الأول" ملك بلجيكا، وزوجته الملكة "إليزابيث دو بافاريا".
"أندرو همفريس" لم ينسَ في كتابه عدد كبير من الفنادق ذات التاريخ العريق بالقاهرة، وعلي رأسها بالطبع فندق "كونتننتال سافوي"، والذي تم بناؤه بميدان الأوبرا عام 1869، وقد أقام "لورانس العرب فيه سنة 1914، وفندق "سميراميس" القديم، والذي احتفل بعيده المائة، فقد تم بناؤه مطلع القرن العشرين".
فنادق الأقصر وأسوان
كان من الطبيعي أن يخصص كتاب "فنادق مصر الكبري: العصر الذهبي للسياحة"، باباً كاملا في فنادق الأقصر وأسوان، عاصمة الفراعين القديمة، "طيبة"، تلك المدينة التي تحوي ثلثي آثار العالم، أول تلك الفنادق "ونتر بالس" بمدينة الأقصر، وتم إنشاؤها عام 1886، جنوب معبد الأقصر، كان لموقعه المتميز وسط أهم معابد التاريخ عامل مهم في اختيار أشهر الشخصيات في العالم للنزول به، علي رأسهم الملك فاروق ملك مصر والسودان، وكان له جناح ملكى خاص به، والرئيس الفرنسى "جورج كليمنصو"، وبالطبع اللورد "كارنارفون"، وهو من هواة جمع الأنتيكات والكشف عن الآثار المصرية، وصديقه "هوارد كارتر"، مكتشف مقبرة توت عنخ آمون فى 1922، والكاتبة الإنجليزية "أجاثا كريستي" التي كتبت فيها روايتها الشهيرة "الموت علي ضفاف النيل".
وبالقرب من واحدة من أجمل المعابد المصرية، جزيرة الفنتين، خرجت إلي النور في عهد الخديو عباس حلمي الثاني في عام 1899، وتولي تنفيذ تصميماته شركة "توماس كوك"، كان الهدف من بنائه في بادئ الأمر مرتبط بتنفيذ بعض المشروعات القومية، وعلي رأسها مشروعا مد خط سكة حديد وبناء خزان أسوان، ولكن الفندق تحول إلي أحد أجمل وأرقي فنادق العالم، فكان أشهر نزلائه القيصر الروسي "نيكولاس الثاني"، والرئيس الفرنسي "فرانسوا ميتران"، ومكتشف مقبرة تون عنخ آمون "هوارد كارتر"، والإمام الثامن والأربعين للطائفة الاسماعيلية السلطان محمد شاه "أغاخان الثالث"، ورئيسة الوزراء البريطانية "مارجريت تاتشر"، والرئيس الأمريكي "جيمي كارتر"، وأميرة ويلز وزوجة ولي العهد "الأميرة ديانا"، وزوجة ملك الأردن "الملكة نور"، والروائية البريطانية الأشهر "أغاثا كريستي"، والتي وضعت أجزاء من روايتها "الموت على النيل" في ذلك الفندق.
مجلة علمية معرفية وثائقية تتناول الشخصية المصرية