قبل ما يقرب من تسعة عقود مضت، وتحديدًا عام 1932، صمم المهندس المعماري البريطاني "أدوين باتسى" مبني ذو طراز معماري فريد مكون من طابقين داخل محطة مصر برمسيس، يضم سجلا من المجسمات التي تمثل وسائل النقل علي مر العصور، ليجسد ذاكرة حية لتطور وسائل النقل علي مدار 150 عاما، فيصبح بذلك الأول من نوعه في الشرق الأوسط، والثاني عالميا بعد متحف "يورك" ببريطانيا.
في السادس والعشرين من شهر أكتوبر عام 1932، قررت الحكومة المصرية تشييد "متحف سكك حديد مصر"، وتم افتتاحه في 15 يناير 1933 لاستقبال الزوار تزامنا مع انعقاد المؤتمر الدولي للسكك الحديدية، ليقدم توثيقًا لحركة تطور وسائل النقل في مصر.
ويضم المتحف ما يقرب من سبعمائة نموذج للقطارات المختلفة، والتي توضح حالة التطور للقطارات داخل مصر منذ إنشائها عام 1854، بالإضافة إلي نماذج أخري للمحطات القديمة والحديثة، وكذلك نماذج من كباري السكك الحديدية المختلفة، كما يضم المتحف مكتبة تحتوي علي أكثر من 500 مجلد عن تاريخ وسائل النقل والسكة الحديدية في مصر وخارج مصر، بالإضافة إلي مجموعة من الوثائق والخرائط والبيانات الإحصائية التي تبين تطورها.
يحتوي متحف السكة الحديد علي العديد من الوثائق المهمة، كأول عقد لإنشاء أول خط سكة حديد بين القاهرة والإسكندرية، والموقع بين عباس باشا حاكم مصر في ذلك الوقت، وروبرت استيفنس عام 1851، ووثائق تثبت أن محمد على باشا هو أول من فكر في إنشاء السكك الحديدية في عام ١٨٤٣، كما يحتوي المتحف وثيقة رخصة امتلاك وسير حمار، وذلك كدلالة على طرق التنقل التقليدية قبل دخول مصر عصر القطارات البخارية، مرورا بكافة الوثائق الأخرى المتعلقة بالسكة الحديدية وتطويرها على مستوى مصر والعالم.
أكثر ما يمكن ملاحظته في متحف السكة الحديدية، والذي يتواجد بالقرب من ثاني أقدم محطة للسكة الحديد في العالم بميدان رمسيس، انه يعرض مختلف النماذج التي تحكي عن التاريخ التي عاشته مصر، حيث يعرض نماذج للقطارات على مدار مراحل تطورها، بل والإشارات منذ أن كانت يدوية حتي أصبحت الكترونية، ومن أهم تلك النماذج الموجودة داخل المتحف، قطار الخديوي سعيد الذي أهدته إياه فرنسا في عام ١٨٦٢ ومازالت قاطرته سليمة، ونموذج للقطار الملكي للخديوي إسماعيل والتي تم تصنيعها عام 1859 بورش القباري بالإسكندرية، ونموذج لأول قاطرة وردت إلى القطر المصري عام1852، ونموذج لقاطرة ديزل كهربائي، ونموذج لثاني أكبر قاطرة بخارية في مصر، ونموذج لعربة نقل الأحجار والرمال ذات أبواب تفتح من الجوانب، نموذج لونش كهربائي متحرك، نموذج لعربة صهريج لنقل البترول وحمولتها 30 طن.
كما يعرض المتحف في جناح مستقل وسائل النقل الأخرى كالطائرات على مراحل تطورها، فنجد نموذج لأول طائرة مصرية والتي قادها الطيار المصري محمد صدقي عام 1930، وكذلك نموذج أخر لطائرة رش المبيدات، ونموذج ثالث لموتور طائرة حقيقية، ومن أهم القطع الفريدة الموجودة داخل المتحف المركب الفرعوني للملك منقرع، والتي شُيدت منذ أكثر من ٢٠٠٠ عام قبل الميلاد، كما يحوى المتحف أيضا بانوراما متكاملة لخط سكة حديد كامل، ومراحل تطور طباعة التذكرة، وكيفية طباعتها، والأدوات المستخدمة في طباعتها، بالإضافة إلي أول آلة لطباعة التذاكر عام 1890.
أما علي مستوي محطات القطار، فهناك عدد كبير من المجسمات والنماذج التي تحكي بداية بناء المحطات في مصر مثل محطات سيدي جابر، وبورسعيد، وطنطا، والقاهرة، وأسيوط، وإدفو، علاوة على نماذج للجسور الثابتة والمتحركة، وكذلك نماذج متطورة للكباري الخاصة بالقطارات، من ضمنها نموذج لكوبري متحرك بالدوران على النيل بمدينة "إدفينا"، شيد عام 1933 على فرع رشيد، كما يضم المتحف أربع خرائط نادرة لمدينة القاهرة فى أربعة عصور مختلفة، الأولى تم إعدادها أثناء وجود نابليون بونابرت، والثانية عام ١٨٤٦، والثالثة عام ١٨٥٨، والرابعة عام ١٨٦٨، وكذلك صورة لمحطة القطارات بالقاهرة، التقطت عام 1856، يحيطها النخيل، والجمال، والحمير، وتعود اغلب تلك النماذج إلي الدول المصنعة للقطارات، والتي قدمتها عند إبرام صفقات الشراء، بالإضافة إلى نماذج صنعت خصيصا في ورش السكة الحديد بورشة بولاق، وورشة القباري.
مجلة علمية معرفية وثائقية تتناول الشخصية المصرية