منذ ثلاثة عقود مضت، وتحديدًا في صيف 1985، توجه تاجر الأثار الالماني "هاينز هيرزر" الي مقر دار كريستيز بلندن، حاملًا معه رأس أحد أهم الملوك المصريين القدماء، ليقوم كعادة الإنجليز ببيع ما لا يملكون لمن لا يستحقون، لم تكن مجرد أثر مصري، ولكنها قطعة فنية فريدة، صُنعت منذ أكثر من 3350 عام، للملك "توت عنخ أمون" من حجر الكوارتز، لتصبح بذلك القطعة الحجرية الوحيدة التي خرجت من المقبرة عام 1922.
رغم ما تعرضت له تلك القطعة الاثرية الفريدة من إهمال طيلة سنوات، إلا أنها مازالت تحتفظ بتفاصيل عبقرية صانعها، فالتمثال الذي لا يتعدي طوله عن 28.5 سنتيمتر في حالة جيدة حتي اليوم، وليس به ضرر سوى في الأنف والأذنين، ظلت موجودة طويلًا في معبد الكرنك، حتي اختفت فجأة في أواخر ستينات القرن الماضي، قبل أن يعلن السمسار النمساوي جوزيف ميسينا علي امتلاكه لها في 1973، إلي أن وصلت إلي يد الألماني هاينز هيرزر.
الغريبة أن ورثة هاينز أنكروا أي علاقة لهم بتمثال الملك توت، ما أجبر دار كريستيز للإعلان أن رأس توت عنخ أمون، كان ضمن مجموعة الأمير فيلهلم فون ثور أوند تاكسي في حقبة الستينات، علمًا بأنه ومنذ اكتشاف مقبرة الملك توت عام 1922 وحتي اليوم، أي طيلة 97 عام، لم يتوقف نهب مقبرته.
في الرابع من يوليو عام 2019، وفي يوم وصف بالخميس الأسود، عقدت دار كريستيز راس الملك الصغير للبيع، ضاربة بذلك كل إجراءات الحكومة المصرية لوقف تلك العملية عرض الحائط، وتم بيعها بالفعل بأربعة ملايين و746 ألفا و250 جنيها استرلينيًا، أو سته ملايين دولار، وهو ما يعادل 100 مليون جنيهًا مصريًا، بالإضافة إلي بيع تابوت خشبي، يعود للأسرة السادسة والعشرين، وتمثال لقطة من البرونز تعود للفترة نفسها، وتمثال آخر لقطة من العصر البطلمي، وتماثيل أوشابتي، وقناع لمومياء من العصر البطلمي.
"يوم أسود في تاريخ مصر".. هكذا وصف وزير الأثار الاسبق الدكتور زاهي حواس تلك العملية، والتي اعدها سرقة للتاريخ نفسه، وتعد أخلاقي علي حقوق الانسانية، ففي وجهة نظرة أن تلك العملية ليس لها ادني علاقة بالحقوق القانونية، فحتي يتم البيع، كان لابد من وجود صك ملكية، علي أن يعود إلي ما قبل قانون الاثار 1983 لكي يتم التداول، وذلك في الوقت الذي صرحت فيه "اتيتيا ديلالوي" مسئولة قسم الآثار في دار كريستي، بأنها تواصلت مع الحكومة المصرية، وسفارتها في بريطانيا، وأبلغتهم بعملية البيع، ومنحتهم كافة بيانت القطعة، وانه سيتم البيع بشفافية، وابلغتهم انه لن يتم عرض اي قطعة حولها شكوك حول ملكيتها.
وزارة الاثار المصرية من جانبها، أمدت أنها لن تتواني في اتخاذ أي اجراءات لاسترداد الاثار المصرية التي خرجت من مصر بطرق غير مشروعة، فقد أكد الدكتور خالد العناني وزير الآثار، والذي دعا لإجتماع طارئ للجنة القومية للآثار المستردة، لبحث كل الاجراءات القانونية التي سيتم اتخاذها بعد بيع رأس توت عنخ أمون، مبينًا أن الدولة المصرية ستطالب بكل الوسائل القانونية بأحقية مصر في استعادة القطع الاثرية في ظل القوانين المصرية الحالية والسابقة.
من جانبة أكد الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار الدكتور مصطفى وزيري أن مصر لن تقف مكتوفة الأيدي، وأنها ستلاحق المشاركين في المزاد قضائيا حتى المشتري، موضحًا إلى أنه من المحتمل أن تتخذ اللجنة الدائمة للآثار المصرية، قرارات ضد البعثات الأثرية البريطانية التي تعمل بمصر، خاصة وأن لندن خالفت المعاهدات الدولية بعد موقفها السلبي تجاه بيع الآثار المصرية.
مجلة علمية معرفية وثائقية تتناول الشخصية المصرية