في عام 1900 شهدت منطقة الدرب الأحمر، وتحديدًا حي أصلان، تلك المنطقة التي يطلق عليها قاطنيها اسم المنطقة القديمة، افتتاح مصبغة للخيوط، والتي تُعد أقدم مصبغة في تلك المنطقة، والذي يقترب عمرها من الـ120 عام، لتُصبح أحد أهم شهود التاريخ في لمصر المحروسة.
بمجرد أن تقترب من المصبغة من خلال ذلك الممر الضيق تشتم تلك الروائح المميزة للصبغة والألوان الممتزجة بتلك الخيوط، يستقبلك ذلك الرجل العجوز الذي يكافح ليل نهار من أجل بقاء ذلك التاريخ المتمثل في تلك المصبغة، يصطحبك الرجل إلي نهاية الممر، لتجد فناء مقسم لعدة زوايا ذات حجم كبير، لا يتناسب مع ذاك الممر الضيق.
عم سلامة.. عجوز تجاوز الثمانين عامًا من عمره، يتسم وجهة البشوش بطيبة لا تخلو قسماتها من الصرامة والشدة والخشونة، أسمر البشرة، يمتلك عينان ضيقتان، وبياض شعر يكسو رأسه وبقايا لحية تنتشر هنا وهناك، ويدان سادتهما تشققات حُفرت طيلة سبعون عامًا من "اللغوصة" في الألوان والصبغات، جاء إلي القاهرة قادمًا من محافظة القليوبية عام 1943 ولم يكن قد تعدي السابعة من عمره، لعشقة للألوان قرر أن يتعلم فن الصباغة، قبل أن يشتري تلك المصبغة من محمود محمد عطية، ليصبح صاحب أشهر مصبغة بلدي في مصر.
لعم سلامة 15 ابنًا وابنة، بخلاف عدد أخر من الأحفاد، حرص علي أن يعلمهم فن صباغة الخيوط، حتي لا تنقرض مهنة عاش من أجلها عقود طويلة، ينطلق الجميع في السادسة من صباح كل يوم، ليبدأ العمل في السادسة ونصف، يعمل الأبناء في ورشة الصباغة، في حين يتفرغ الفتيات في نشر المواد المصبوغة فوق سطح المصبغة.
مهنة صباغة الخيوط بدأت منذ آلاف السنين، ويعتقد علماء الآثار أن تلك المهنة ظهرت في عهد الأسرة الأولي الفرعونية، أي منذ ما يقرب من 5200 عام مضت، ليبدأ عهد جديد من الألوان وتغيير ما استقر عليه العالم من لون واحد إلى وجود العديد من الألوان المبهجة التي أحدثت طفرة في عصرها، ليصبح للعالم مذاق جميل بالألوان تتزين به.
مجلة علمية معرفية وثائقية تتناول الشخصية المصرية