ما أن تطأ بقدميك تقاطع شارعي النصر والقنال الداخلي، والذي يقع بحي العرب بمحافظة بورسعيد، حتي يفاجئك القدر بأطلال ورشة نجارة ومتحف صغير، كانت منذ ايام قليلة تشع مهارة وحرفية، أصر صاحبها أن يخصصها لصناعة "السمسمية"، تلك الآلة الوترية التي تشتهر بها مدن القناة، فكانت رمز وعنوان لكل الفرق الشعبية علي أرضها.
داخل الورشة انهمك محمد غالي، ذلك الرجل الذي عُرف بين أهل منطقته بـ"الفنان"، كهل في بداية العقد السادس من عمره، طويل القامة، نحيف الجثة، أسمر البشرة، واسع الفم يعلوه شارب أسود متوسط الحجم، له صدغان منخفضان، وعينان ضيقتان غائرتان حادتان كعيني نسر كاسر، يمسك بين يديه قطع خشبية وبعض الأوتار، تجلس بجواره زوجته الدكتورة أسماء، والتي تركت وظيفتها كاستاذة في قسم الهياكل والتشريح، وقد دفعها إلي ذلك حب وشغف التفرغ للحفاظ علي آلة السمسمية.
لدي محمد وأسماء تسعة من الأبناء، إلا أن أي منهم لم يكن لديه نفس شغفهم وعشقهم في الحفاظ علي ذلك التراث، لذا فتحا باب ورشتهم الصغيرة لكل راغب في تعلم تلك الصنعة التراثية الأصيلة، وللحافظ علي تلك الحرفه التي بدأ شغفها يغزو عقله منذ أكثر من خمسة عشرة عام مضت، خصص غرفة صغيرة أطلق عليها اسم "التراثية" كمتحف لآلة السمسمية، حيث وضع بها عدد ليس بالقليل من الآلات التي قام بصناعتها، الصغيرة والمتوسطة والضخمة.
مجلة علمية معرفية وثائقية تتناول الشخصية المصرية