رغم مرور أكثر من خمسة عقود من ارتياد المحيطات، وتحديدًا عندما نجح البرتغالي "بارثولوميو دياز" في اكتشاف رأس الرجاء الصالح عام 1487، مازال الوصول إلي الأعماق السحيقة مستحيلة، إلا أن أحدث الدراسات العلمية، والتي نشرتها مجلة Current Biology في يوليو الماضي، أكدت علي قرب تحقيق هذا المستحيل، حيث أشارت إلى وصول الإنسان إلي ما يقرب من 87% من محيطات العالم، وأن 13% من مياه المحيطات بالكوكب لاتزال تحتفظ بطبيعتها البرية، ولم تخطوها قدم إنسان حتي الأن، وهو ما اعتبرته بالغير مبشر على الإطلاق.
"الأمر مثير للقلق لأن الأماكن غير المتضررة في المحيط تسمح للكثير من الأنظمة البيئية بالعمل، كما إن الحفاظ على هذه المناطق أمر مهم للحفاظ على المحيط بأكمله، وليس فقط على صحة مناطق بحرية محددة لم تمسسها يد الإنسان بسوء".. هكذا عبر عالم الأحياء كيندال جونز، طالب الدكتوراه بجامعة كوينزلاند، والمؤلف الرئيسي للدراسة، مطالبًا بضرورة الحفاظ على من تبقي من الحياة البحرية، خاصة بعد أن كشفت نتائج تحاليل استمرت لسنوات طويلة عن أن أكثر من 118 مليون ميل مربع من النظم الإيكولوجية للمحيطات غير قادرة على العمل بشكل طبيعي، وذلك بسبب التأثيرات البشرية المختلفة، واختلاط المياه بالأسمدة، وصيد الأسماك، ويندرج أقل من نصف تلك الشريحة الصغيرة ضمن المناطق البحرية المحمية.
وبالرغم من أن العوالم القطبية في الشمال والجنوب من بين المياه الوحيدة المتبقية ضمن نظم إيكولوجية بحرية لم يمسها شيء، ولكن حتى هذه الحدود المتجمدة قد لا تبقى آمنة لفترة طويلة مع ذوبان الجليد البحري بفعل التغيرات المناخية، ومع المقترحات المحتملة التي يمكن أن يكون لها تأثيرات كارثية على البيئة، مثل اهتمام إدارة ترامب حديثًا بإغراق القطب الشمالي بمعدات تعمل بالديزل للحفر بحثًا عن النفط والغاز.
وأوضح جونز في دراسته أن تلك المناطق ليست أراضٍ خفية مجهولة تحت الماء، خالية من الحياة تمامًا إلى هذه الدرجة، وأن البشر أثروا على النظام البيئي بشكل كافٍ لكي لا تكون على هذا الحال بعد الآن، مؤكدًا في الوقت نفسه أنه باستثناء بعض المناطق المعزولة بالقرب من جزر المحيط الهادي، فإن جميع المناطق الساحلية في العالم تقريبًا لا يوجد إلا القليل منها ذو حياة بحرية طبيعية لم يؤثر عليها النشاط البشري، حتى المناطق الساحلية ذات التنوع البيولوجي الكبير قد تغيرت نظمها الإيكولوجية بشكل كبير، بسبب العمليات التخريبية مثل الصيد بالديناميت، وحتى إن لم يكن هناك صيد مدمر أو كميات كبيرة من الشحن التجاري، فإن المستويات الأدنى من التأثير البشري من جراء الصيد يمكن أن تغير من الطريقة التي تعمل بها هذه الأنظمة البيئية.
يمكن للصيد الجائر أن يقتل الحيوانات المفترسة، فيكون أشبه بتأثير الدومينو كما وصفه جونز، حيث يؤدي اختفاء الحيوانات المفترسة إلى تضخم أعداد الأسماك الأصغر التي تتغذى على الشعاب المرجانية، والتي تبقيها عادة نظيفة وصالحة، ولكن الكثير من القضم يمكن أن يؤدي إلى تلف أو تدمير الشعاب المرجانية التي لا يقتصر دورها على حماية الحياة البحرية فحسب، بل تحمي أيضًا الشواطئ من العواصف والفيضانات من خلال العمل كمنطقة عازلة، وبالإضافة إلى المكاسب ببلايين الدولارات السياحية، كما أن هناك المزيد من عوامل الإضرار بالحياة البحرية التي لم تتضمنها الدراسة، مثل التلوث البلاستيكي، وبالنظر إلى الكميات الهائلة من المواد البلاستيكية التي تُلقي بالمحيطات كل عام، والتي تتخطي حاجز الثمانية ملايين طن، فإن نسبة 13 % يمكن أن تكون متواضعة.
مؤخرًا نشرت مجلة Earth and Planetary Science Letters، أحدث دراسات الباحث غافن فوستر، أستاذ الكيمياء الجيولوجية النظائرية في المركز القومي لعلوم المحيطات، بمدينة ساوثهامبتون، قام من خلالها بإعادة بناء الرقم الهيدروجيني لسطح المحيطات منذ ملايين السنين، وذلك من خلال دراسة قذائف متحجرة صغيرة من مخلوقات بحرية قديمة، معبرًا عن قلقه بشأن تأثير سلوكيات الإنسان علي المياة، حيث يمتص المحيط ما يقرب من 25% من ثاني أكسيد الكربون الناتج عن حرق الوقود، ما يؤثر علي تشكيل الطبقة الصلبة الواقية للكائنات العضوية القشرية، وقد يؤدي إلى فقدان الأسماك لحاسة الشم، وفي حال استمرار معدل تلك الإنبعاثات، سيصبح المحيط أكثر حمضية مما كان عليه 14 مليون سنة، وذلك قبل حلول عام 2100، ما يقضي علي الحياة البحرية.
"الغريب حقًا بشأن ما نفعله الآن هو معدل تغير المناخ، إنه غير مسبوق، في المرة الأخيرة التي رأينا فيها حدثًا سريعًا للاحترار كهذا كان ذلك عندما قتل نيزك 76٪ من الأنواع على الأرض".. هكذا وصف فوستر الوضع الحالي للكوكب، فهل يستمر الإنسان في تدميره؟!
مجلة علمية معرفية وثائقية تتناول الشخصية المصرية