واحد من أعرق الآثار الإسلامية، يقف ببهائه وسط القاهرة الفاطمية منذ أكثر من 180 عام مضت، ليعكس ببنائه المعماري الفريد، مزيجًا رائعا من فنون العصر المملوكي، والعثماني، والأوروبي، حتى أطلق عليه بجدارة "لؤلؤة المعز"، لغناه بزخرفة فني "الروكوكو" و "الباروكي".
"سليمان أغا السلحدار".. ذلك الأثر الذي حاز بإهتمام المصريين والأجانب على طول شارع المعز، بُني عام 1839 في عهد محمد علي باشا، على يد الأمير سليمان أغا، والذي جاء إلى مصر كجندي لحملة محمد علي لمحاربة الفرنسيين عام 1798، واعتلى المناصب حتى وصل إلى مركز السلحدار، أي القائم على سلاح الجيش، وكان له دورا بارزا في القضاء على المماليك في مذبحة القلعة، وتتألف مجموعته من مسجد معلق، وكُتاب، وسبيل، استخدم في بناءها أنقاض المساجد والمنازل المنهارة.
عند مدخل حارة "برجوان" بشارع أمير الجيوش، وفي امتداد شارع النحاسين، من ميدان باب الشعرية، تجده يقبع ببهائه الفريد، للمجمع ثلاث واجهات، وتُعد الوجهة الجنوبية الشرقية التي تطل على شارع المعز هي الوجهة الرئيسية له، أما الوجهتين الجنوبية الغربية، والشمالية الغربية فتطلان على حارة برجوان.
بمجرد أن تدخل بوابته الرئيسية التي تحمل لافتة من الرخام مكتوب عليها تاريخ المجمع باللغة التركية، تجد ممر يبلغ طوله 15 متر، على جانبه الأيمن بوابة صغيرة تنقلك إلى المسجد المعلق، ببنائه المعماري الفريد، والذي كان يتميز به العصر العثماني، يحيط بالواجهة أرفف خشبية تحمل نقوش نباتية وهندسية بارزة، وكلمات عربية متأثرة بزخارف من الركوكو والباروكي، وهي أنواع من الزخارف التي انتشرت في أوروبا لتعكس مظاهر الرفاهية في القرن الـ18، وهي عبارة عن زخارف غير منتظمة، لا تتبع أي قوانين أو نسب معينة، بل تعكس التصوير طبقًا لذوق الفنان.
يحاط حرم المسجد بأربع مظلات من الأعمدة الرخامية، يعلو كل عامود عقود وقباب صغيرة، مزخرفة بنقوش نباتية وهندسية وببعض الكلمات القرآنية، أما صحن المسجد فمغطى بسقف خشبي، يتوسطه فتحة تهوية يُطلق عليها "شخشيخة"، تُستخدم للإنارة نهارا، وتحمي المسجد من الأمطار، يلي الصحن مصلي كبير، يمكن الانتقال إليه عن طريق باب داخلي بالجدار الجنوبي الشرقي للحرم، يتألف ذلك المصلي من بائكتين أو صفين من الأعمدة الرومانية، تعلوها عقود نصف دائرية، تقسم المصلي إلى ثلاث أروقة، أما سقفه فيتكون من الخشب البغدادي، تطل شبابيك المصلى على الصحن، أما الجوانب الأخرى فبها فتحات دائرية أعلى مستوى النظر، لتهوية المصلى.
أما منبر المسجد، فرغم بساطته، يحمل خليطا من الفنون الزُخرفية، ففي بدايته يوجد باب خشبي بسيط، يعلوه قبة بسيطة على الطراز المملوكي، يليه سلم من 9 درجات، يصل إلى "الجوسق"، الذي يعلوه قبة على شكل مخروطي شُكلت على الطراز العثماني، بجانبه المحراب الرخامي، وهو قطعة واحدة نُحتت وزُخرفت بزخارف تعود إلى عصر النهضة، يليه شرفة خشبية تطل على المصلى، صُنعت من خشب الخراط، ليتمكن المُبلغ من توصيل صوت الإمام إلى المصلين في الصحن.
وللمسجد مئذنة واحدة، توجد خارجه، على يسار مدخل السبيل والكُتاب، بُنيت من الحجر الفص النحيت، يبلغ ارتفاعها 22 متر، وتتكون من قاعدة مربعة، وبجانبها الشمالي الغربي، يوجد باب المئذنة، وهو يتكلل بعقود نصف دائرية، هيكل المئذنة أسطواني الشكل، به دورة واحدة يقف عليها المؤذن، يعلوها هلال يزين قلبه نجمة على الطراز العثماني.
أما السبيل والكُتاب، فيقعان في الجزء الجنوبي من المجموعة المعمارية، لهما مدخل خاص بهما، وهما عبارة عن وقف خيري، ويأخذ السبيل الشكل النصف دائري، واجهته من الرخام الأبيض المدقوق المزخرف، يوجد أسفله صهريج ضخم، سقفه من القباب الكروية، تحملها أكتاف حجرية تبلغ أرتفاعها 22 متر تحت سطح الأرض، كان يستخدم لتخزين المياه القادمة من نهر النيل، والتي كان ينقلها السقايين على جمالهم، والمعروف أن هذه المياه كانت سبيل يشرب منه المارة، ولكنها كانت تُعد كمخزون استراتيجي في حالة تعرض المدينة لإنحصار المياه عنها.
والسبيل عبارة عن حجرة بها أربع شبابيك تطل على شارع المعز، يكسوها المشغولات النحاسية أو البرونزية المعقودة، في نهاية كل شباك يوجد حوض من الرخام، توضع به المياه ليكون باردا عندما يشرب منه المارة، وفي الركن الجنوبي الشرقي المجاور لتلك الشرفات، يوجد بئر المياه، بالإضافة إلى شرفتان يطلان على حارة برجوان، ويغطي السبيل سقف خشبي مزخرف، يتدلى منه نجفة، وهي عبارة عن تطور المشكاة التي كانت تنتشر في عصر المماليك.
يُجاور السبيل حُجرة كبيرة، كانت تستخدم لتعليم المسلمين العلوم الدينية والعلمية، الكُتاب، حجرة بسيطة، يوجد بها 6 شبابيك مستطيلة الشكل، تشبه إلى حد كبير شبابيك السبيل، لكنها لا تحتوي على أحواض، أربعة منهم على الجدار الجنوبي الشرقي، تطل على شارع المعز، أما الشباكين الأخريين، فيوجدان في الجدار الشمالي الغربي، وهما يطلان على الدهليز الذي يوجد أمام غرفتي الكُتاب والسبيل، و في وسط كل من الجدار الشمالي الشرقي والجنوبي الغربي، يوجد دولاب حائط من الخشب، أما السقف فصنع من الخشب البغدادي، المكسو بزخارف الروكوكو والباروكي، يتدلى منه النجفة العثمانية.
مجلة علمية معرفية وثائقية تتناول الشخصية المصرية