رغم مرور أكثر من 46 قرن علي إنشاءه، مازال يحمل في جُعبته الكثير من الألغاز، حتي مؤرخي التاريخ، بل وعلماء المصريات الأشهر في التاريخ، عجزوا عن تصنيف هيئته، فالبعض يؤكد أنه هرم كامل، شكل حلقة وصل بين هرم زوسر المدرج، والذي تم بنائه قبل ستون عام من تاريخ بناءه، وبين هرم خوفو أحد عجائب الدنيا السبع الباقية، والذي جاء بعد بنائه بحوالي ستون عام أيضًا.
"هرم ميدوم".. ذلك البناء الضخم القابع في قلب صحراء محافظة بني سويف، والذي لم يتوصل العلماء حتي اليوم إلي حقيقة تصميمه حتي اليوم، وماذا كان يفكر الملك "سنفرو" مؤسس الأسرة الرابعة، والذي لُقب بـ"أعظم البنائين المصريين"، حينما وقع اختياره علي هذا التصميم، وهل تم بنائه بهذا الشكل، أم أنه كان هرم كامل قبل أن يحدث له إنهيار جزئي، وهل شكل التصميم الذي أراده الملك أم هو مجرد خطأ حدث أثناء البناء، لذلك يري المؤرخون أن هرم ميدوم سيظل لغز الدولة الفرعونية القديمة.
أكثر ما يمكن أن يثير في قضية بناء هرم ميدوم، والذي وصف بالهرم الكاذب، هو إجماع علماء المصريات، والآثريين، علي أنه بُني بواسطة ملكين وليس ملك مصري واحد، فقد بدأت عملية البناء في عهد الملك "حوني"، أخر ملوك الأسرة الثالثة، قبل أن يتم استكماله في عهد الملك "سنفرو"، مؤسس الأسرة الرابعة، في تغير كامل لفلسفة الملوك الفراعين، والذين اعتادوا عدم استكمال أي أثار تابعة للملوك السابقين، بل أن البعض منهم كان يقوم بطمس تلك الأثار التي لم تُستكمل.
أما عن الهرم نفسه، فقد أثبت أنه ذو شكل وتصميم خاص، ومتفرد، فللوهلة الأولي يظن البعض أنه أشبه بالهرم المدرج الذي بناه الملك "زوسر" في سقارة، وأنه مسكو من الخارج بطبقة من الجير الأبيض، ولكنه في واقع الأمر لا يأخذ الشكل الهرمي، ويظهر وسط الصحراء علي شكل مكعبات ضخمة، مكونة من ثلاثة درجات، وضعت عليهم طبقة جعلت منه هرم مستوي، إلي حد جعلة أشبه بالهرم الحقيقي.
منذ أكثر من سته عقود مضت، وتحديدًا قبل عام 1430 ميلادية، وصف شيخ المؤرخين المصريين والعرب، تقي الدين المقريزي، هرم ميدوم، أنه خماسي الدرجات، ما جعل البعض يعتقد، أن الهرم كان أكبر من ذلك بدرجتين، وأن زلزال ما أدي إلي إنهياره، ويرجح المؤرخين أن حالة الإنهيار تلك حدثت خلال الأسر المتقدمة بعد انتهاءه، وأخريين يرون أن الهرم لم يكتمل بنائه نتيجة حدوث إنهيار في الطبقة الخارجية أثناء العمل به، فتحول إلي أعجوبة بين الأهرامات المصرية.
الحقيقة أن الملك "سنفرو"، وكما يري المؤرخون، قام باستكمال بناء هرم ميدوم لقربه من مقر حكمه "جيدي سنفرو"، والتي تقع بالقرب من مدينة ميدوم، رغم أن تلك المنطقة لم تكن مخصصة قبل ذلك للقبور الملكية، وأن المهندسين المصريين قاموا باختيارها لوقوعها أعلي قمة هضبية صخرية، ما جعلها مؤهلة لإحتمال ضغط هرم ضخم، بالإضافة إلي قربها من العاصمة المصرية، كما تضم الهضبة أيضًا معبد جنائزي، ومصاطب، وطريق مائل يؤدي لمعبد أخر، تم بناءه قريبًا من وادي نهر النيل، ما يعني إنها منطقة ثرية، ومحط للأنظار ويمكن استغلالها سياحيًا بشكل كبير.
أما عن الهرم نفسه، فقد تم بنائه من سبع درجات، لم يبق منها إلا أربعة درجات، وبارتفاع 45 متر، ويقع المدخل على ارتفاع 20 متر من سطح الأرض، ويؤدى إلى ممر يصل طوله إلي 57 متر، ثم حجرة الدفن، وفى الناحية الشرقية من الهرم، يوجد المعبد الجنائزي، وبقايا الطريق الصاعد، والذي كان يصل بين المعبد الجنائزي، ومعبد الوادي، ويطلق على الطراز المعماري لهذا الهرم، اسم الهرم ذو الطبقات، وهو يختلف عن الأهرام المدرجة، ويعتبر مرحلة انتقالية إلى الهرم الكامل، ويتكون الهرم من نواة أو برج في الوسط يحيط بها من الجوانب الأربعة سبع طبقات من الحجر الجيري، لكل طبقة كسوتها من الخارج.
مجلة علمية معرفية وثائقية تتناول الشخصية المصرية