بردية إدوين سميث تحدثت عنها منذ 2600 سنة

"جراحات التجميل".. من مصر القديمة إلي بلاد الهند ورحلة البحث عن الكمال

منذ قرن مضى، وبمجرد أن وضعت الحرب العالمية أوزارها، ونتيجة للتشوهات التي حدثت للكثير من الرجال في المعارك، أضحت تلك الجراحات البديل الوحيد لحياة بلا تشوه، حياة خالية من العقد النفسية.

 

أول من ألتفت لذلك الأمر، كان الجراح النيوزيلاندي "هارولد جيلز"، والذي طور من جراحات التجميل التي كانت موجودة بالفعل، فقام بوضع تقنيات حديثة لها، مكنته من علاج تشوهات العديد من المصابين، حتى إنه أطلق عليه أبو الجراحات التجميلية الحديثة، وفي الحرب العالمية الثانية سلك تلميذه "ارشيبالد ماكيندو" نفس الطريق، لكن بشكل متوسع، وعالج الكثير من المصابين بالحروق الشديدة، ومنهم طاقم إحدى الطائرات البريطانية الذين خضعوا لجراحات إعادة بناء الوجه، وبسببهم أنشأ نادي "غيني بيغ" وكانت العضوية خاصة بمرضاه فقط، ليتمكنوا من دعم بعضهم البعض، وبذلك عُرف برائد الجراحة التجميلية لمصابي الحروق.

"الجراحات التجميلية".. مجرد جراحة يستعيد بها الإنسان التناسق لأحد أجزاء الجسم، فيتحول من التشوه والقبح إلى مقياس مختلف من الجمال، وتوجد خمس تخصصات رئيسية تندرج تحت جراحة التجميل، جراحات الوجه والفكين والجمجمة، وجراحات اليد والطرف العلوي، وجراحات الحروق والترميم، وجراحات تجميل وترميم الثدي، والجراحات التجميلية، وتلك الجراحة مثل كل الجراحات التي يقوم بها الأطباء على جسد الإنسان، فهي قابلة للنجاح أو الفشل.

ويعتمد نجاح جراحات التجميل على أربع أركان، المريض الغير مصاب من الأمراض المزمنة، والجراح المتخصص المتدرب، ونوع الجراحة واختيار الأنسب لحالة المريض، والمكان الذي ستجرى فيه الجراحة يجب أن يكون معقم ومجهز بأدوات خاصة، وطاقم تمريض خاص مدرب على ذلك النوع من الجراحات الحساسة، التي تحتاج إلى حركات محسوبة، بحيث يكون عدد الأفراد المصاحبة للجراح الرئيسي قليل.

أما عن تاريخ الجراحات التجميلية، فقد عثر الأثريون على الكثير من المومياوات الفرعونية التي خضعت لجراحات التجميل، إلا أن المؤرخين لم يعتبروا مصر أولى الحضارات التي عرفت هذا المجال، لأن كل الجراحات التجميلية التي كانت منتشرة بدرجة كبيرة في مصر القديمة، والتي أظهرتها بردية "أدوين سميث"، والمؤرخة بـ1600 قبل الميلاد، أي منذ حوالي 2600 سنه مضت، اقتصرت على معالجة رضوض الوجه، وكسور الفك، بالإضافة إلى أن تلك الجراحات كانت تمارس في الأساس لترميم هيئة المومياوات، ولا يخضع لها الأحياء.

لذلك يري المؤرخون أن الهند هي أولى الحضارات التي أجرت جراحات التجميل، ففي القرن الـ8 قبل الميلاد، قام الدكتور الهندي "سوسروثا" بأولى جراحات التجميل وكان يعتمد على أسلوب ترقيع الجلد، تلك الجراحات استمرت بنفس الطريقة حتى القرن الـ18 الميلادي، وبهذا يعتبر "سوسروثا" أول جراح تجميل في التاريخ، ويعتبرونه أب لجراحات التجميل في العالم كله.

وفي بداية القرن الأول قبل الميلاد استطاع الرومان إجراء جراحات تجميلية لإصلاح تشوهات الأذن، أما في أوروبا، فكانت أول جراحة تجميلية ناجحة في القرن الـ15 الميلادي، قام بها الجراح الألماني "هاينريش فون فولسبيوندت" مؤلف دليل الجراحين، حيث قام بصنع أنف جديد لشخص عن طريق استقطاع الجلد من منطقة خلف الذراع ووضعها مكان الأنف التي أكلتها الكلاب، وبسبب مخاطر هذه الجراحات لم تنتشر حتى القرنين الـ19 و الـ20، وفي القرن الـ19، وتحديدًا عام 1827 ميلادية، قامت أمريكا أولى تجاربها في عمليات التجميل، على يد الجراح الأمريكي "جون بيتر ميتاير"، بأدوات صممها بنفسه لتلك العملية.

الحقيقة التي لا جدال فيها، أن الطفرة التي أحدثها النيوزيلاندي "هارولد جيلز"، وتلميذه "ارشيبالد ماكيندو"، فتحت الطريق أمام جراحات التجميل وتطورها، فبدأ الجراحين في إجراء جراحات تعيد إلى الوجه والبشرة رونقه، أشهرها عمليات شد الجفون، وإزالة الجيوب الدهنية من أسفلها، وشد الوجه والرقبة لإزالة التجاعيد، وتصغير أو تكبير الأنف وتهذيبها وضبط الزاوية بين الأنف والشفة، وحقن الخدود والشفتين بدهون مشفوطة من أماكن أخرى من الجسم، كما توجد أنواع من المواد التي تحقن في أماكن التجاعيد لإزالتها، منها حقن "البوتوكس"، تلك الحقن تفرز بكتريا تعمل على تحلل اللحم، وتؤثر على نبضات الأعصاب، مما يؤدي إلى ارتخاء وشلل العضلات المسببة للتجاعيد، فيعود الجلد إلى نعومته، ثم انتقل الجراحين من مرحلة الإهتمام بجمال الوجه إلى الإهتمام بجمال الجسم كله، من هنا بدأت جراحات تحسين وتنسيق الجسم البدين، منها شفط الدهون من كل أجزاء الجسم، وشد الترهلات.

ويعد الليزر من أهم التقنيات الحديثة التي دخلت عالم التجميل، فيمكنه بدون جراحة إزالة الشعر الزائد من الجسم، وإزالة أثار الجروح، كما يستخدم في علاج البقع الجلدية، وإزالة الوحمات المختلفة الحجم، الصغيرة منها والغليظة، وتعتبر الجراحات التكميلية من أهم فروع ذلك النوع من الجراحات، فهي تعالج التشوهات الخلقية، والناتجة عن الحروق والحوادث، وندوب الجراحات السابقة، والقرح المزمنة وقرح القدم السكري، والجراحات الميكروسكوبية، وإصلاح مجرى البول عند الأطفال، والشفة الأرنبية، والحلق المشقوق، وإعادة بناء الثدي، بالإضافة إلى جراحات الوجه والفكين والجمجمة.

في كثير من الأحيان ما تحدث بعض المضاعفات لتلك الجراحات، فجراحات تجميل الأنف قد تحدث فيها بعض المضاعفات، منها الالتهابات والكدمات حول العين والأنف، أيضا قد يحدث بعض النزيف، هذه المضاعفات تختفي خلال 10 أيام من إجراء الجراحة، أما جراحات شفط الدهون فيحدث تورم وإزرقاق في المنطقة التي خضعت للشفط، وهذه المضاعفات تختفي بعد أسبوعين.

مجلة علمية معرفية وثائقية تتناول الشخصية المصرية