"دم تك- دم تك".. نغمتين لا يمكن الغني عنهما في أي مقطع موسيقي، لذلك احتلت الطبلة موقع الصدارة منذ ظهورها قبل نحو ستة آلاف عام بوسط أوروبا، إلي أن وصلت إلي الحضارة السومريه قبل نحو 4500 عام مضت، ليرتفع شأنها إلي مكانة رفيعة بين الآلات الموسيقية، وتصبح الملهم الوحيد ليستمع الجميع للآلهة.
منذ سته سنوات، واداركًا منه لتلك الأهمية المقدسة، قرر الفنان انتصار عبد الفتاح خبير الشئون الثقافية والفنية بوزارة الثقافة، والمشرف العام لمركز ابداع " قبة الغوري"، ورئيس الادارة المركزية للمركز القومى للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية، تأسيس مهرجان للطبول، علي أن يضم عدد من التراث الشعبي المصري والعربي والعالمي، وقد وصل عدد الدول المشاركة فيها لأكثر من 20 دولة حول العالم، كسيريلانكا وبلغاريا وبولندا وتايلاند والصين ومصر وفلسطين والجزائر، وكلاً منهم يعرض أكثر ما أشتهر به من صناعة واحتراف وما توصل إليه مؤخراً في تطوير هذا النوع من الفن.
ظهرت الطبلة كأحد الأدوات الموسيقية الإيقاعية منذ أكثر من ستة آلاف سنة، وذلك في المنطقة الجبلية لإقليم "مورافيا" بشرق جمهورية "التشيك"، حيث ظهر بها عدد من الطبول الفخارية، وكانت تصنع من الطين أو الخشب أو النحاس أو البرونز، ويتم شد جلود بعض الحيوانات كالثيران والأسماك، وهناك بعض منها تحتوي علي حزام سميك مصنوع من الجلد لحملها علي الأكتاف.
بدأ انتشار هذا النوع من الآلات الموسيقية عندما أتخذ بعض أنواعها لتصبح منزلة كبري لدي الناس بمنطقة الشرق الأدنى، ففي عهد الحضارة السومرية بجنوب بلاد الرافدين "العراق" الذي بدأت عام 3250 قبل الميلاد، كانت الطبول المستديرة الضخمة أكثر اهتماماتهم، حيث كانت منتشرة بمنازل الحكمة والهياكل الدينية، وكانوا يعتبرون صوتها الملهم الوحيد لأعمال الخير، ومنها يمكن دعوة الآلهة ليفرضوا هيبتهم علي أهل الأرض، وليستمع إليهم الجميع في صمت.
كان السوموريين يخصصون للطبلة الكبيرة شخص حتي لا يفارقها نهائياً، ووضعوه تحت رتبه كاهن عظيم يطلقون عليه "حارس الطبلة المقدسة"، ومن أقدم أنواع هذه الطبول هي طبول "المسلة السومرية" والموجودة بالمتحف العراقي والمؤرخة ما بين 2600 وحتى 2500 قبل الميلاد.
ومن وراء الحضارة السومرية، اتخذتها الحضارة البابلية لسنوات طويلة رمزًا لها، وتحديدً عام 1100 قبل الميلاد، خاصة الطبلة الكبيرة، والتي كانت تسمي بـ"الطبلة المقدسة"، بعد ذلك أشتهرت كثيراً في منطقة الشرق القديم، وتعتبر آلة "الدف" وآلة "الرق" أكثر الطبول العربية الشرقية الأكثر استخداما، نظراً كونها طبول خفيفة الحمل، مصنوعة من الخشب الدائري العريض، ذات السقف القصير، وعليه جلد مشدود، ومنها جاءت الطبول العسكرية العريقة، وكانت شعار لإعلان الحرب وبدء المعارك.
فيما بعد ومع التطور الحديث، ظهرت الطبول المصنوعة من النحاس التي كانت تُسمي قديماً عهد السومرية بإسم "دوب"، ومع مرور الزمن اختلف المعني لأسماء متعددة، ففي الهند مثلًا أصبح إسمها "دودي أو بدبديكا"، وفي اللغة "الهنغارية" الحديثة ما زالت محتفظة بالاسم الأصلي لها، وان كان المعني الحقيقي لها هي "الندب" أو "الصوت الحزين"، دلالة علي أن الموسيقي ارتبطت بالشعور الإنساني منذ العصور القديمة.
أكبر الطبول حجماً أطلق عليها السومريون "آلا"، خاصة الطبول التي كان قطرها يصل الي نحو 2 متر، كانت تُعلق علي أحد الأعمدة، ويتم النقر عليها بالعصا أو باليدين، كما كانت تُوضع علي منصة ليحملها رجلين، في حين يقوم الثالث بالضرب عليها، برفقتهم عازف "البوق" أو "الناي"، وقد عثر الباحثين علي حفريات تدل علي ذلك في مدينة "كركميش" السورية.
نوع آخر من الطبول تسمي "ليليس"، وهي طبلة مصنوعة من البرونز، مضاف إليها جلد الثور من جهة واحدة، وفي مدينة "وركاء آريك" العراقية، وجد لوحات مكتوب عليها وصف طريقة صنع هذا النوع من الطبول، وكانوا يشترطون ألا يكون الثور المأخوذ منه الجلد، به أي عيب جسدي، ولم يعلق علي رقبته، وعند ذبحه يجب علي الكهنة إقامة الصلوات ورش الماء المقدس علي الذبيحة، ويقومون بوضع صور الآلهة ضمن الطبلة، بعد ذلك يحرق قلب الثور ويجفف جلده ويتم شده علي الهيكل البرونزي للطبلة.
أما عن طريقة صناعة جلد الطبلة نفسه، فيتم معالجة جلد الحيوان بالدقيق الناعم والخمر والدهن الطيب، وبعد أسبوعين يُقام احتفال جديد بمناسبة صناعتها، ويتم الضرب عليها للمرة الأولي في مبني الآلهة العظماء، وذلك حتي يرفع أليهم أصوات الناس ضمن صوت الطبلة، وهنا يشعرون بالارتفاع للسمو الاعلي.
ورغم ان الطبلة أله إيقاعية، إلا أن هناك عدد من عازفي الطبول تمكنوا من تطوير وتأليف عدد من المقاطع الموسيقية "صولوهات"، وحيدة من نوعها حول العالم، مثل "أناندان سيفاماني" الطبال الهندي الذي أحدث عاصفة في دنيا الموسيقي الإيقاعية، وعلي الرغم من أنه أشتهر بالعزف علي الطبول، إلا أنه محترفا في العزف علي الأودوكاي والدربكة والأوكتوبان.
وعلي النطاق العربي، يعتبر "سعيد أرتيست" أكثر العازفين علي الطبول شهرة، وقد شكل فرقة بدأت بعشرة طبالين، واليوم أصبح عددهم مائه عازف، كما أنه ساهم في تطوير العزف علي الطبل، وأصبح يمتلك صولوهات خاصة به، وارتبط بها الجمهور ويطالبونه دائما بالعزف في الحفلات، وقد أنشأ مدرسة خاصة يتردد عليها مصريين وعرب وأجانب لتعليم فن الموسيقي الإيقاعية.
مجلة علمية معرفية وثائقية تتناول الشخصية المصرية