"كان من الصعب البقاء مع هذا الطفل العبقري أو تعليمه، فقد كان منذ طفولته سباقًا للأشياء التي أريد تلقينه إياها".. بتلك العبارة وصف أحد المعلمين معاناته مع ذلك الطفل العبقري منذ السنوات الأولى لدراسته، حتى إنه أضطر لعدم مواصلة تعليمه لنبوغه المبالغ فيه، حتى أضحى اليوم إمبراطورًا لسكان كوكب الأرض، في عالمهم الإفتراضي.
لم يكن ذلك الطفل العبقري سوى رجل الأعمال الأمريكي "مارك زوكربيرغ"، ذلك الشاب الذي حصل على 50 براءة اختراع رغم إنه لم يبلغ من العمر سوى 34 عامًا، وإن كان سبب شهرته الحقيقية يعود لإنشاؤه موقع التواصل الاجتماعي المعروف بإسم "فيسبوك"، ذلك العالم الإفتراضي الذي استطاع أن يجمع على صفحاته ما يقرب من 2 مليار مستخدم حول العالم.
ولد مارك في الأول من عام 1984، بمدينة وايت بلينس، بولاية نيويورك الأمريكية، من والدين أمريكيين، فوالده دكتور الأسنان " ادوارد زوكربيرج"، ووالدته دكتورة الأمراض النفسية "كارين"، كان ككل الشباب الذيين يملكون الكثير من أوقات الفراغ، إلا إنه استغل فراغه في دراسة علوم البرمجيات التي جذبته منذ أن كان في بدء سنوات المراهقة.
زوكربيرغ، وكأي طفل في منتصف التسعينات من القرن العشرين، شغل تفكيره الألعاب وشبكات التواصل الاجتماعي، حتى إنه صنع أول برنامج له في مجال التواصل الاجتماعي وعمره 12 سنة، أطلق عليه "زوك نت"، وكان دافعه لصنع ذلك البرنامج، رغبته في راحة والده، فقد لاحظ تعب والده في الانتقال من منزله إلى عيادته ليستعلم إذا كان هناك مرضى في إنتظاره، فأنشأ هذا البرنامج ليتمكن والده من التواصل مع ممرضته، ولكي تشجعه عائلته استخدموه في التواصل فيما بينهم داخل المنزل.
وفي المرحلة الثانوية، التحق بأكاديمية "فيليبس إكستر"، وقتها صنع برنامج آخر ليخدم العاملين بإحدى مكاتب الاتصالات، كما صمم لعبة "الأخطار"، وإن كان أهم ما أبتكره في تلك المرحلة من عمره، هو برنامج لمشغل موسيقى يسمى "الوصلة العصبية"، اعتمد في صناعتها على الذكاء الصناعي، ليتمكن من حصر عادات المستخدمين ومعرفة ما يفضلوه من الموسيقى، ولقد حاولت شركتي "ميكروسوفت" و "إيه أو إل" شراء ذلك المشغل منه، وتوظيفه في شركاتهم، لكنه رفض ورفع برنامجه على شبكات الإنترنت ليكون متاح للجميع بالمجان.
ألتحق مارك بجامعة "هارفارد" عام 2002، وفيها ساهم في تطوير برنامج "كورس ماتش"، يساعد طلاب الجامعة في اختيار صفوفهم، وفي عام 2003 ابتكر برنامج يسمى "فيس ماش"، يعمل على مقارنة صور الطلاب، وإتاحة التصويت لهم على حسب جاذبية صاحب كل صورة، ورغم إلغاء هذا البرنامج لأسباب تأديبية، إلا إنه كان سببًا لشهرة مارك على مستوى الجامعة، استغل تلك الشهرة أصدقائه الثلاثة تايلر وينكلفوس، وديفيا نارندرا، والتوام كاميرون، وصمموا موقعًا على الإنترنت تحت إسم "هارفارد كونكشن".
كان الهدف من الموقع استخدام معلومات طلاب الجامعة لتصميم شبكة تعارف، لكنه أنسحب منه، وبدأ في بناء مشروعه الخاص، "فيسبوك"، بمشاركة ثلاثة من أصدقاؤه، داستن موسكوفيتز، وكريس هيوز، وإدواردو سافرين، وكانت غرفة نومه بسكن الجامعة المقر الأول لموقعه الخاص، حتى انتقل إلى منزل صغير بمدينة "بالو ألتو" بكاليفورنيا عام 2004، وفي ذلك الوقت كان عدد مستخدمي الموقع يزيد عن مليون مستخدم، وفي عام 2005 حصل على 12 مليون دولار كدعم مالي من شركة "أكسيل بارتيرس"، فتمكن من توسيع الشبكة ليصل عدد المستخدمين إلى 5.5 مليون، ليشمل طلبة الجامعات ومدارس المرحلة الثانوية.
رغم أن أصحاب فكرة "هارفارد كونكشن" أتهموه بسرقة فكرتهم، واضطر مارك لدفع 65 مليون دولار كنوع من التعويض المبدئي، إلا أنه استمر في عملية التطوير الدائم لموقعه، ومن أهم العمليات التطويرية التي قام بها عام 2007 إضافة خدمة "منصة فيسبوك"، فمن خلالها يمكن للمبرمجين المساهمة في تطوير الموقع ببناء تطبيقات اجتماعية خاصة، من أشهرها "المزرعة السعيدة"، واليوم أصبح للموقع أكثر من 800 ألف مطور حول العالم، كما أطلق خدمة "فيسبوك بيكون" التي تسمح للمستخدمين تبادل معلومات أنشطتهم مع أصدقائهم ليستطيعوا تصفح مواقع أخرى.
رغم أن "فيسبوك" اصبح أكبر وأهم المواقع التسويقية التي تساهم في الدعاية والإعلان للأفراد والشركات، إلا أنه لم يخلو من الإنتقاد، ففي عام 2009 أنتقده الكاتب الإمريكي "بن مزريتش" في كتاب بعنوان "بليونير بالصدفة"، والذي تحول إلى عمل سينمائي رُشح ضمن ثمانية جوائز الأوسكار، وفي مارس 2015 نقل مقر فيسبوك إلى مدينة "مينلو بارك" بولاية كاليفورنيا، وقام بتصميم المقر المهندس "فرانك جيري"، على مساحة 35 ألف متر مربع، ليستوعب فريق العمل الذي يزيد عدده عن 3 آلاف مهندس، ورغم شهرة مارك زوكربيرغ إعلاميًا، إلا إنه منطوي، يفضل الانعزال وسط الشفرات البرمجية عن الظهور في قلب الأضواء الإعلامية.
مجلة علمية معرفية وثائقية تتناول الشخصية المصرية