"أقواس النصر".. نُصب تذكارية ابتكرها الرومان إحتفالًا بإنتصاراتهم

إبتكار معماريٌ، كان يهدف إلى تمجيد أهم الأحداثِ التاريخية، ظهرت بادئ الأمر في الحضارة الرومانية، والتي كانت أحد أهم الحضارات التوسعية في التاريخ القديم، لذك حرص علي إنشاؤها الأباطرة العظام تكريمًا وتخليدًا لما أنجزوه، فانتشرت بأرجاء الإمبراطورية كافة، انطلاقاً من العاصِمة روما، وصولاً إلى فرنسا والمغرب العربي وبلاد الشام.

 

"الأقواس".. بنايات شامخة ظهرت في البداية كأقواس تذكارية، ابتداء من القرن الثاني قبل الميلاد، وكانت تختلف نوعًا ما عن أقواس النصر، فقد كانت تحمل أعلاها تماثيل مذهبة للشخصيات التاريخية، ما يعني أنها كانت تستعمل كقواعد لمجموعات التماثيل، وتقوم مقام الأعمدة التي استخدمت في القرن الرابع قبل الميلاد، كما استعملت لفترة ما كممر سواء في أسوار المدن أو كبناء مستقل.

 

أحد الدراسات الأثرية، والذي خرج تحت إسم "أقواس النصر الرومانية.. نماذج في روما والعالم العربي بقسمية الأسيوي والإفريقى"، للباحثة بوزارة الدولة المصرية لشئون الآثار دعاء مسامر عبد الحفيظ، أكدت أن "أقواس النصر" شكلت ما يشبه البوابات الرسمية، والتي خُصصت لمرور مواكب النصر بالمدن الرئيسية، ومع ذلك فقد بُنيت بعض الأقواس بمناطق معزولة، مثل قوس الإمبراطور الروماني "سبتيموس سيفيروس" الرباعي، في مدينة لبدة الليبية، وقام بإنشاؤها عام 200 ميلادية.

تنقسم أقواس النصر إلي عدة طرز مختلفة، فمنها ذات فتحة واحدة، والذي انتشر في الجزء الغربي من الامبراطورية الرومانية، أشهرها قوس النصر الذي شيده الإمبراطور "تيتوس" عام 80 ميلادية، وذلك بانتصاره علي اليهود في حرب اليهود السبعة، وقوس نصر "تراجان" في بنفننتو جنوب روما، والذي شُيد عام 114 ميلادية بمناسبة انتصاره علي مملكة داكيا، وقوس نصر "أغسطس" و"تيبريوس" في الفوروم الروماني، واللذين كانا يعتبرا تقليدًا لبوابات المدن القديمة ذات الفتحة الواحدة، وفي شمال أفريقيا هناك القوس المندثر الذي كان قائمًا في مدينة "انتينوبوليس" في مصر، وقوسي "تراجان" 110 ميلادية، والإمبراوطور "تيبيريوس" 35 ميلادية، في مدينه لبدة الليبية، وقوسي "سيفيروس الاسكندر" و"سبتميوس سيفيروس" في دوجا، "أنطونيوس بيوس" و"كاراكالا" في كويكول الجميلة.

 

هناك أيضًا الأقواس ذات الثلاث فتحات، والذب يتكون في العادة من قوس أوسط، وآخران صغيران علي جانبيه، علي أن يكون الأوسط هو أكبرهم، وتزيدهم بهاء أربعة أعمدة، إما متصل أو منفصلة علي قواعد مستطيلة تزخرف بتصوير الجنود المنتصرين والأسرى، وتحمل فوقها تماثيل للإمبراطور وعربته وذويه، أشهرها في روما قوس "سبتميوس سيفروس" في 211 ميلادية، وقوس "قسطنطين" في 300 قبل الميلاد، وفي شمال أفريقيا قوس الامبراطور "ماركوس أوريليوس" في فيركوندا، وقوس "تراجان" في مدينة تمجاد الجزائرية، وقوس "هادريان" في مدينة جرش الأردنية، والذي بُني خلال الفترة من 192 حتي عام 130 ميلادية.

 

رغم ارتباط أقواس النصر بالعمارة الرومانية القديمة، إلا أنها مجهولة النشأة حتي الأن، وأن كان بعضها قد شُيد في بعض الأحيان بمعزلٍ عن بوابات المدينة وجدرانها، وفي بعض الحالات النادرة استُخدمت عند استبدال بوابات المدينة الموجودة مسبقاً، مثل قوس تيمجاد في الجزائر في القرن الثّاني الميلادي.

قوس تيتوس، أقدم الأقواس التشريفية التي بُنيت في التاريخ، حيث تم انشاءه عام 82 ميلادية، في عهد الامبراطور الروماني دوميتيان بعد وقت قصير من وفاة شقيقه الأكبر تيتوس لاحياء ذكرى انتصارات تيتوس، ويقع في مدينة روما التاريخية، ويرصد في نقوشه الحصار المفروض على القدس عام 70 ميلادية، وقد مهد قوس تيتوس النموذج العام للعديد من أقواس النصر التي اقيمت منذ القرن السادس عشر، وربما أشهرها قوس النصر في باريس والذي بدء في انشاءه عام  1806.

 

قوس النصر في باريس، يُعد أحد أشهر أقواس النصر في الغرب الأوروبي، ويقع علي رأس طريق الشانزلزية في العاصمة الفرنسية باريس، بميدان شارل ديجول، ورغم انه أحد أحدث أقواس النصر التي تم إنشاؤها، حيث بدأ العمل في بداية القرن التاسع عشر، وأراده نابليون بونابرت رمزاً يخلد انتصارات الجيوش الإمبراطورية. إلا أن إنجازه الفعلي تم عام 1836 أي في زمن لوي فيليب.

 

قوس النصر في مدينة اللاذقية السورية، ويقع في منطقة حي الصليبة بجنوب مدينة اللاذقية، يطلق علية السوريون اسم الكنيسة المعلقة، ويسمى أيضا القوس المربع، أنشائها "سبتوس سفيروس" عام 194 ميلادية، وذلك كمكافئة منه لأهل اللاذقية الذين انحازوا له في صراعه مع "سينيوس نيجر" علي عرش روما، ولهذا يطلقون عليه اسم قوس النصر.

قوس النصر في دو كاروسيل، والذي تم بناؤه بين عامي 1806 و1808 ميلادية، وهو أحد أقواس النصر في العاصمة الفرنسية باريس، داخل قصر كاروسيل، صممه المهندسان الفرنسيان "بيير فرانسوا فونتين"، و"شارل بيرسييه"، تخليداً لانتصارات نابليون بونابرت، ويبلغ ارتفاعه حوالي 19 مترًا وعرضه 23 مترًا، يقف أعلاها "كوادريجا"، وهي عبارة عن مركبات أو عربات تجرها أربعة خيول، وكانت تُستخدم في الألعاب الأولمبية قديماً، وتُعتبر شعاراً للنصر والشهرة.

 

قوس النصر في مدينة برشلونة، تم إنشائه عام 1888 ميلادية، ليصبح البوابة الرئيسية للمعرض العالمي الذي عُقد في المدينة الإسبانية وحضره 22 دولة غربية، وقام بتصميمه المعماري "جوسيب فيلاسيكا"، وأضاف إلي الديكورات بعض الفنانين، أشهرهم جوسيب ريينيس وجوسيب ليمونا وأنطوني فيلانوفا وتوركوات تاسو ومانويل فوشا وبيري كاربونيل، ثم تحول فيما بعد إلي نصب تذكاري، ويختلف عن أقواس النصر الأخري أنه لم يكن عسكري الطابع، ولكنه ذات طابع مدني يبرز حجم التقدم الفني والعلمي والإقتصادي.

 

قوس النصر بمدينة جرش الأردنية، وهو عبارة عن بوابة ذات ثلاثة أقواس، يبلغ ارتفاعه الحالي إلي حوالي 11 مترًا، وقد تم إنشاؤها عام 130 احتفاءًا بزيارة الإمبراطور الروماني "هادريان" للمدينة، ويُعد هذا القوس أحد الأقواس التي بُنيت علي شرف هذا الإمبراطور، وطبقًا للوثائق التاريخية كان يبلغ من الإرتفاع حوالي 22 مترًا، كما يرجح أنه ذا أبواب خشبية، وتظهر فيه حتي اليوم عناصر معمارية غير تقليدية، قد تكون "نبطية"على الأرجح، من بينها زينة قواعد أعمدته، التي جُعلت تيجانها في أسافلها لا في أعاليها كما هو المعتاد.

قوس النصر في مدينة تيمقاد الجزائرية، وتلك المدينة أنشأها الأمبراطور الروماني "تراجان"، لتلعب دورًا دفاعيًا عن مستعمراتها في شمال أفريقيا، وهي المدينة الوحيدة من مدن الرومان المحافظة على هيئتها النموذجي في أفريقيا، وهي مسجلة في قائمة التراث العالمي، وتحظى المدينة بتصميم جميل، إذ يشقها طريقان كبيران متقاطعان من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب ينتهي كل شارع ببابين كبيرين في طرفيه يزينهما قوسان ضخمان لكنهما مزينان بحجارة وأعمدة منحوتة بإتقان.

 

قوس النصر في بانجول الجامبية، وهو مبني تذكارى تم بناؤه عام 1996، و ذلك لإحياء ذكرى الإنقلاب العسكرى الذى حدث عام 1994، وقام بتصميمه نفس المهندس المعمارى الذى صمم تمثال النهضة الافريقية فى دكار بالسنغال، بيير غوديابي، و يعتبر أطول المبانى التي تقع علي نهر جامبيا، حيث يبلغ طوله 35 متر، مكون من ثلاث طوابق تقف على ثمانية أعمدة، وهناك مصاعد للوصول الى تلك الطوابق، وفي الطابق الثالث يوجد متحف صغير، يعتبر قطعا مكان رائع لالتقاط الصور.

قوس النصر "أركو دا روا أوغوستا" في مدينة لشبونة البرتغالية، ويقع في ميدان "براكا دو كوميرشيو، وبجوار كاتدرائية "بياكسا", وقلعة "كاستيلو دي ساو خورخي", ونهر "تاجة"، تم بناؤه عام 1873, وصممه النحات الفرنسي انتوين كالميلز, نُحت أعلاها تسعة تماثيل تدل على التاريخ الإجتماعي والسياسي للبرتغال, وتشمل فاسكو دا جاما، الذي اكتشف الطريق البحري إلى الهند في 1498, والفاريس ونونو الذين ساعدوا البرتغاليين في الاستقلال عن أسبانيا, وماركيز دي بومبال، السياسي الذي شارك في اعادة اعمار لشبونة بعد زلزال مدمر في 1755.

 

قوس النصر في مدينة مكسيكوسيتي، قام بتصميمة "كارلوس أوبرجون سانتاسيليا"، كان في بادئ الأمر مقرراً لقصر الأتحاد التشريعي خلال نظام "بورفيريو دياز"، كما كان المقصود منه كنصب تذكاري لمجد "بورفيريان" الذي لايضاهى، ويعتبر أطول قوس نصر في العالم، حيث يقف على أرتفاع 67 متر، وقد وضع الجنرال "خوسيه دى لاكروز بورفيريو دياث موري" الحجر الأول في عام 1910، وذلك خلال احتفالات الأستقلال المئوية، وعلى الرغم من خلع نظام دياز في 1911، تابع الرئيس "فرانسيسكو ماديرو"، والمُلقب برسول الديمقراطية البناء حتى عام 1912، إلي أن تم الإنجاز في عهد الرئيس "لازارو كارديناس"، واليوم تحول إلي نصب تذكاري للثورة المكسيكية.

 

قوس النصر في بيونج يانج الكوري الشمالي، والذي تم بناؤه عام 1982 عند سفح موران هيل في ساحة الإنتصار بمدينة بيونج يانج، وذلك لإحياء ذكرى المقاومة الكورية للغزو الياباني خلال الفترة من عام 1925 إلى عام 1945، وهو يُعد ثاني أطول قوس للنصر في العالم، حيث يبلغ إرتفاعه إلي حوالي 60 مترًا، وعرضه إلي حوالي 50 مترًا، وقد جاء إنشاؤه لتمجيد دور الرئيس "كيم ايل سونج" في المقاومة العسكرية للاستقلال الكوري، وقد استخدم في بناؤه أكثر من 25 ألف كتلة من الجرانيت الأبيض.

قوس النصر في مقدونيا، ويقع في ساحة "بيلا" في سكوبي، وتم بناؤه عام 2011، قام بتصميمه النحات "فالنتينا ستيفانوفسكا"، احتفالًا بالذكري الـ20 للإستقلال، ويبلغ إرتفاعه إلي حوالي 21 مترًا، ويشكل سطحه الخارجي حوالي 193 متر مربع من النقوش المنحوتة بالرخام، والتي تصور مشاهد من التاريخ المقدوني، كما يحتوي علي غرف داخلية، أحداها يمثل متجرًا للهدايا التذكارية، وعدد من المصاعد.

 

قوس النصر في مدينة ولنجتون البريطانية، وهو مبني يقع جنوب "هايد بارك كورنر" في وسط العاصمة البريطانية لندن، ويقع في مواجهة قصر "أبسلي"، وقد تم بناؤه عام 1830 ميلادية إحتفاءًا بانتصار بريطانيا في حروبها مع الفرنسي نابليون بونابرت، وقام بتصميمه المعماري "بيسيموس بورتون"، وتم نقله إلي موقعه الحالي عام 1883.

مجلة علمية معرفية وثائقية تتناول الشخصية المصرية