"ما هذا؟.. لقد اصطدم الفأس بكتلة صخرية !!".. لم تكد صدى هذه العبارة التي نطقها أحد العمال تنتهي، حتى نطقها عامل ثاني وثالث ورابع، فتوقف العمال عن ضرب معاولهم الحديدية في الأرض ليستكشفوا الأمر، فراح أغلبهم يُكملون الحفر بأياديهم العارية، في حين هرع الباقون الي رئيسهم يستشيرونه، فعلي ما يبدوا أنهم لكشف عظيم.
منذ سبعة وخمسون عاماً، وتحديدا عام 1960، وأثناء إزاحة البعة البولندية لبعض الأتربة بحثا عن مقبرة الإسكندر الأكبر، الصدفة وحدها هي التي جعلت تلك البعثة تتوقف عن العمل بحثاً عن تلك المقبرة، ليبدأ التنقيب طيلة ثلاثون عام كاملة عن مدرجات رخامية عُرفت فيما بعد بإسم "المسرح الروماني"، ليُصبح أهم إكتشافات القرن العشرين.
"المسرح الروماني".. ذلك الأثر الذي أطلق عليه المؤرخ المصري شهاب الدين أحمد بن عبد الوهاب بن محمد النويري نهاية القرن الـ19 إسم "كوم الدكة"، بعد أن شاهد العديد من أكوام الركام والرمل، التي تشكلت بسبب حفر قناة المحمودية في نهاية القرن التاسع عشر، تلك القناة التي ربطت الإسكندرية بنهر النيل.
أنشئ المسرح الروماني في بداية القرن الرابع الميلادي، كما أكتشف بجوارها بعض قاعات بعد 44 سنة من بداية الحفر، وتحديدا سنة 2004، ورغم أن هذه المدرجات انتشرت بشكل كبير في عهد الرومان في الكثير من البلاد مثل اليونان وإيطاليا وتركيا، ومازالت الكثير منها موجودة في العديد من دول أوروبا والشرق الأوسط، إلا أن لمدرج الإسكندرية أهمية كبيرة، باعتباره المدرج الوحيد الذي يوجد في مصر.
يرجع اقامه المسرح الروماني الي بدايه القرن الرابع الميلادي، وظل مستخدما حتي منتصف القرن السابع الميلادي، وطيلة تلك القرون الماضية مرت علي المسرح ثلاثه عصور، الروماني، البيزنطي، الاسلامي، وقد اختلف استخداماته خلال العصور الثلاثة.
صُمم المسرح الروماني علي شكل "حدوه حصان"، أو حرف U، وقد أُطلق عليه خطأ إسم "مسرح"، خاصة وأن الدراسات المقارنه بينه وبين المسارح المشابهه، والتي أُكتشفت في اليونان وايطاليا، وحتي مسرح مدينه "جرش"، اكدت انه ليس مبني للمسرح، لان مبني المسرح عاده ما يكون علي شكل حرف "C"، او نصف دائره حتي يتمكن الجالسون علي الاطراف من المشاهده، ما يؤكد علي أنه ليس مسرحا، لذلك يفضل أغلب الباحثين بتسميته بـ"المدرج الروماني".
يتكون المدرج الرومانى من 13 صف من المدرجات الرخاميه المرقمه بحروف وارقام يونانيه لتنظيم عمليه الجلوس، أولها من اسفل من الجرانيت الوردى المكونه من الحجار المتين، ولذا استخدمه المهندس كاساس لباقي المدرجات، ويوجد اعلي هذه المدرجات 5 مقصورات لم يتبقي منها الأن الا مقصورتين فقط، وكان سقف المقصورة ذو قباب تستند علي مجموعه من الاعمده، كانت وظيفتها حمايه الجالسين من الشمس والامطار، وتوصيل الصوت لهم، ولكنها سقطت علي اثر الزلزال القوى تعرضت له الاسكندريه في القرن السادس الميلادى.
مجلة علمية معرفية وثائقية تتناول الشخصية المصرية