يضم 140 نوع من النباتات النادرة

"وادي الجِمال".. محمية سرقت من البشارية والعبابدة جِمالهم التائهة

"وادي الجِمال".. مياه زرقاء نقية، وسماء صافية، ومرتفعات متناسقة، رسمت مجتمعة لوحة إبداعية لا مثيل في جمالها، قديماً أبدي الفراعنة والرومان إهتماماً خاصاً بذلك الوادي، رغم أن أجدادنا أبدو إهتماما خاصا بتلك المنطقة لمعادنها النفيسة التي تزخر بها، كالذهب والزمرد الهرمي الشكل، إلا أن أحفادهم يجهلونها، حتى إنها لم تعلن كمحمية طبيعية سوى سنة 2003.

 

في أقصي الجنوب الشرقي، علي بُعد 40 كيلو متر من مرسي علم، وبأطلالة مميزة علي ساحل البحر الأحمر، وبمساحة تصل إلي حالي 6770 كيلو متر مربع، بينها4770 كم2 في الجبال، في حين تمتد 2000  كم2 بحرا، تمتد من شعاب الغدير شمالا، إلى شعاب صفايح جنوبا، يقف "وادي الجِمال" شاهدا علي الجَمال الحقيقي لمصر المحروسة.

 

سُمي "وادي الجِمال" بهذا الإسم نسبة إلي نباتات تعشق الجمال طعمها، فنراها تتسلل من أصحابها وتذهب لتأكل منها، حتى أن أفراد قبائل البشارية والعبابدة اعتادوا أن يذهبوا إلى وادي الجمال للبحث عن جمالهم الشاردة، وهذا ما جعلهم يطلقون عليه "وادي الجمال التائهة" أو "الجمال الغريبة"، لأنهم كانوا يعثرون على جمال لا يعرفون أصحابها، ولهذا اضطر أصحاب الجمال أن يضعوا على كل جمل عنوانه وعلامة خاصة به للتعرف عليه بسهولة وسط قطعان الجمال الموجودة في الوادي.

ولأن العرب اعتبرا الجمال بمثابة رمزا للثراء والغنى، بل وتعتبرها فخرا لا نظير له، فقد أطلقوا على الوادي أيضا إسم "وادي المال"، سكانها الأصليون سكنوها منذ آلاف السنين، وكان البشارية والعبابدة، أول من حظى بها، فشكلوا بتواجدهم في هذه المنطقة خط الدفاع الأول لحماية الباب الشرقي لمصر من أي هجوم، منذ أمد بعيد.

 

 في مداخل الوادي بني البدو بعض الأكواخ من الحديد والخشب والبلاستيك، ولا يزال العديد منهم يعملون في رعي الماعز، بينما يعمل البعض في بيع المنتجات اليدوية من الخرز والجلد للسائحين والمصريين الذين يزورون الوادي، أو يعملون كمرشدين سياحيين لمحبي التخييم ورحلات السفاري للاستمتاع بحياة الصحراء وحياة البدو.

في الطريق إلى المحمية تحوم حولك بعض الحيوانات والطيور المهددة بالانقراض، وبمجرد أن تصل إلى المحمية تستقبلك مجموعات من هذه القبائل بحفاوة وكرم بالغين، فيقدمون قهوتهم الشهيرة، ويناولون معك الجبن وعيش الباجوري المخبوز في الرمال.

 

يوجد بالوادي أكثر الشواطئ التي تتكاثر بها الأسماك والحيوانات البحرية النادرة من بينها الدلافين، والدرافيل، وأسماك القرش بأنواعها، والطيور والسلاحف البحرية التي توجد بكثافة في المحمية البحرية، إضافة إلى وجود عروس البحر النادرة، التي يأتي إليها السياح من مختلف بلاد العالم لمشاهدتها أثناء رحلات الغطس، ويطلق عليها أحيانا بقر البحر.

ويعتبر شاطئ القلعان أجمل الشواطئ، فتداخل المياه مع نبات المانجروف يعطي منظرا رائعا يجذب التجمعات الشبابية لقضاء وقت جميل في أرض بكر هادئة، فبمجرد أن تطأ قدماك الشاطئ يلفت انتباهك الحفر الكثيرة التي تنتشر على طوله، فإذا حاولت أن تكتشف ما بداخل تلك الحفر لن تجد سوى بيض السلاحف البحرية التي تركتها الإناث حتى تفقس، وهذا يعطيك إنطباع عن كثرة عدد السلاحف التي تتكاثر على شواطئ الوادي.

 

الظروف المناخية والطبيعية التي يتميز بها "وادي الجمال" جعلها مكان ملائم لإستقرار أنواع كثيرة من الطيور، حيث تم رصد 5338 نوعا من الطيور البحرية، منها نورس العجمة، والنورس الأسحم، والخطاف المتوج، والخطاف أبيض الوجه، كما تم رصد العديد من أعشاش طيور العقاب النسارية، وأعشاش صقر الغروب النادر المهدد بالإنقراض، كمت يوجد في المحمية حوالي 10% من عدد صقور الغروب الموجودة في العالم، وتوجد أعشاشه إما على الشجيرات الملحية التي تنمو على سطح الجزيرة، أو في الكهوف الصغيرة الموجودة في الجانب الشرقي من الوادي والذي يتميز بطبيعته الصخرية.

 

تعيش في وادي الجمال مجموعة من أندر الحيوانات مثل الوعل النوبي، والماعز الجبلي "كابرا إيبيكس نوبيانا" الذي يحافظ على نفسه من الإنقراض بالصعود إلى أماكن بعيدة وعالية، ليحمي نفسه من الشَرَك الذي يضعه البدو لصيده، وهيراكس، والحمير البرية.

أما الشعاب المرجانية والتي توجد على طول الساحل، تبلغ حوالي 17% من الحياة البحرية في البحر الأحمر، وتبدو على شكل جزر مغمورة في وسط البحر، ولا تزال تحتفظ بطبيعتها البكر، وتتميز هذه الشعاب المرجانية بوجود 450 نوعا من المرجان وأكثر من 1200 نوعا من الأسماك، كما تمتد أحراش المانجروف على أجزاء طويلة من سواحل المنطقة، وهي أكبر وأهم أحراش المانجروف في مصر، وهي بيئة متميزة، شديدة الحساسية، ونادرة الوجود في البلاد، تضم أكثر من 140 نوعا من النباتات النادرة.

 

وتتميز المنطقة بوجود تكوينات جيولوجية غنية بالمعادن النفيسة، مثل الزمرد الهرمي الشكل والذي جذب الفراعنة والرومان إلى المنطقة للتنقيب عنه، وكان وادي الجمال ووادي سكيت القريب منه المصدران الوحيدان لحجر الزمرد للإمبراطورية الرومانية، كما توجد بالوادي أحجار الزينة والفلسبار والرصاص والمنجنيز.

مجلة علمية معرفية وثائقية تتناول الشخصية المصرية