"أطباق طائرة، مخلوقات فضائية، عوالم مشابهة".. طيلة قرن مضي والبشر يقتنعون بأن هناك حياة أخري، وأن هذا الكون الفسيح لا يمكن أن يكون قد خُلق من اجلهم فقط، لم يكتفوا بسينما الخيال العلمي، أو حتي كتابات ما وراء الطبيعة، ولكنهم راحوا يطلقون الرحلة تلو الأخرى، انطلقوا خارج كوكب الأرض في رحلة للبحث عن حياة.
في عام 1964، أي منذ أكثر من نصف قرن، تبنت وكالة ناسا مشروعا للبحث عن كائنات أخري تعيش خارج كوكب الأرض، أو حتي بحثاً عن كواكب مشابهة يمكن أن تصلح للحياة، وفي عام 1972 أنطلق أولي رحلاتها من خلال أولي مركباتها الفضائية "بيونير 10"، تحمل صور بعض الأشخاص والأشكال الهندسية، أعقبها في 1974 إرسال إشارات مشفرة ومرمزة تحتوي علي لمحات من علوم الرياضيات والحساب، وفي 1977 أطلقت ناسا مشروع أصوات الأرض ضمن مشروع "فوياجر"، حملت تحية البشر إلي سكان الكون بـ55 لغة مختلفة، بالإضافة لأصوات جميع كائنات الأرض.
وهكذا توالت الرحلات والمحاولات بحثاً عن حياة خارج كوكب الأرض، أغلب علماء الفضاء والفلك يعتقدون في هذا، بل أنهم يعتقدون في أن هذا الكون يضم العشرات وربما المئات والآلاف من العوالم المماثلة، تلك المعلومات أكدتها دراسة متخصصة نشرتها مجلة " Physical review X" مطلع عام 2014، وقالت نصا أن الباحثون الأستراليون والأمريكيون إكتشفوا عوالم مماثلة لعالمنا.
تلك المقدمة البسيطة، مجرد توضيح بسيط عن تقرير مُطول بعنوان"رحلة البحث عن حياة خارج الأرض"، لفريق أخبار علوم الأرض، التابع لمختبر الدفع النفاث بوكالة ناسا وعلوم الفضاء الأمريكية، حاول أن يُظهر مدي الشغف الذي وصل بالعلماء والباحثين المتخصصين والمهتمين بعالم الأكوان المتماثلة، أو حتي بفكرة وجود حياة من أي شكل خارج كوكب الأرض، أو بفكرة وجود كواكب يمكن الحياة فيها بأي شكل.
التقرير الذي أعدته كارول راسموسن، بدأ بأن الحياة هي أكثر ما يميز كوكب الأرض، حتى الآن، دونا عن آلاف الكواكب الأخرى المكتشفة حديثا، ومنذ الهبوط التاريخي على سطح المريخ عام 1997، تراقب الأقمار الصناعية باستمرار الحياة علي سطح كوكبنا، وإن ناسا شاركت بالفعل العديد من القصص والفيديوهات، والتي تحكي قصة رحلة البحث عن الحياة خارج الأرض، بل ومراقبة الحياة عليها، ما يؤهل مداركنا لإستيعاب كوكب الأرض، وأيضا يساهم في إيجاد الحياة في عوالم أخرى.
حين اكتشف "كلايد تومبو" كوكب بلوتو عام 1930، قام العالم الشاب "توني ديل جينيو"، الباحث بمعهد جودارد للدراسات الفضائية في مدينة نيويورك والتابع لوكالة ناسا بمقابلته، كانت المرة الأولى التي يلتقي فيها مكتشف أحد الكواكب، لكن هذا الأمر أصبح اعتياديا الآن حيث قابل جينيو العديد من المكتشفين، ففي عام 1992 تم اكتشاف أول كوكب خارج مجموعتنا الشمسية، ومن بعدها توالت الاكتشافات حيث وصل عدد الكواكب المكتشفة خارج المجموعة الشمسية إلى 3500 كوكب تنتمي إلى أكثر من 2700 مجموعة شمسية.
"ديل جينيو" يشارك الآن في قيادة مبادرة ناسا متعددة التخصصات للبحث عن الحياة في الكواكب الأخرى، لكن الغريب أن قيادته لهذا المشروع، جعلته يكرس عقودا طويلة لدراسة الحياة على الأرض، وليس أي مكان آخر، وإننا كبشر نعرف طريقة واحدة للحياة، إنها الحياة على الأرض، لذا يجب أن ندرسها جيدا حتى ننتقل إلى المراحل التالية في البحث عن الحيوات خارج الأرض، والتي تتطلب جهودا من علماء الكواكب والفيزياء الفلكية، لكن الأدوات والمعرفة التي وضعت لدراسة الأرض هي من أهم وسائل دراسة الحياة الخارجية.
هناك سؤالين في غاية الأهمية يجب الإجابة عليهما أولا، فقضية البحث عن الحياة ليست بالأمر الهين، الأول كيف يمكن التركيز على الأماكن المحتمل وجود حياة بها في هذا العالم الواسع؟ والثاني عن علامات الحياة التي لا يمكن أن نخطئ بها حتى وإن لم تكن مفهومة تماما؟.
حينما سألوا "ديل جينيو" عن رأيه في كيفية البحث عن كواكب بها حياة، قال علينا أن نحدد الخصائص الرئيسية لأنواع الكواكب التي يمكن أن يناسب مناخها الحياة، علي أن نستخدم في ذلك نفس النماذج الحديثة التي نستخدمها في توقع المناخ، عن طريق محاكاة ظروف الكواكب الخارجية المكتشفة، أو وضع مواصفات لكواكب افتراضية ومحاكاتها.
لم ينكر "ديل جينيو" أن الحياة قد تكون موجودة بصور مختلفة تماما عن الحياة التي نعرفها على الأرض، لكن في هذه المرحلة البدائية من البحث عن الحيوات لابد أن نبحث عما نعرفه فقط حتى يمكن اكتشافه، لذا يجب أن نفهم الأرض جيدا بكل تفاصيلها، وكل أشكال الحياة على الأرض والبيئات المختلفة، وأن نفهم علاقة الأرض بالحياة عليها والتأثير المتبادل بين الأرض والحياة، فدراسة الأرض عن بعد بالأقمار الصناعية هامة جدا، كما أن دراسة الماء السائل على درجة كبيرة من الأهمية، فكل خلية حية نعرفها حتى البكتريا التي تعيش في المحيطات العميقة بعيدا عن ضوء الشمس تتطلب المياه، فالحياة تعني وجود الماء.
الحياة في المياه
مورجان كابل العالمة والباحثة في مختبر الدفع النفاث التابع لوكالة ناسا في باسادينا، بولاية كاليفورنيا، مهمتها البحث داخل النظام الشمسي على المواقع القابلة لوجود مياه سائلة، كشفت أن بعض الأقمار التابعة لزحل والمشترى لديها محيطات مائية مختفية تحت القشرة الجليدية للقمر، حيث أنه يحدث موجات مد وجذر نتيجة الجاذبية بين الكوكب والقمر التابع له، فتنشأ حرارة تذيب الجليد في الطبقات السفلى وتتكون المحيطات السائلة.
كانت بعثة "كاسيني" قد اكتشفت محيطا سائلا تحت سطح جليد قمر كوكب زحل "انسيلادوس"، بل أنه يطلق نافورات ضخمة من بخار الماء في الفضاء ويرتد إليه بعضها في ظاهرة تعرف بالبراكين الجليدية، ووجدت بعض الدلائل أن كيمياء المياه في هذه المحيطات تتأثر بالتفاعلات بين الماء المسخن والصخور في قاع المحيط، كما كشفت بعثات جاليليو وفويجر أن قمر "يوروبا" أيضا لديه محيطات سائلة تحت القشرة الجليدية كما أن التضاريس عليه تكونت نتيجة ذوبان الجليد وإصلاحه.
ويتم تحضير المهمات لاستكشاف هذه الأقمار وغيرها، عن طريق المحاكاة والتجربة على الأرض، وقد تم هذا سابقا مع "مارس روفرز"، التي أطلقت لاستكشاف المريخ وتم تجربة الافتراضات والتكنولوجيا المستخدمة في البيئات القاسية على الأرض كالصحراء، كما أن محاكاة دراسة الجليد على الأرض تتم في المحيطات الجليدية على الأرض في القطبين الشمالي والجنوبي، ويتم الاستدلال على وجود الحياة في المياه تحت السطح الجليدي بالبحث عن مواد كيميائية معينة قد تكون ظهرت على السطح نتيجة تكسر الجليد السطحي وإعادة إصلاحه.
كيف يمكن تحديد احتمالية وجود المياه في نظام ما؟
الباحث والعالم "أندرو روشبي"، من مركز أميس للأبحاث والتابع لوكالة ناسا في موفيت فيلد بكاليفورنيا، يعكف حاليا علي دراسة طرقا لتحسين دقة البحث عن هذه المواقع الصالحة للحياة، مع أنه يؤكد أن الموقع وحده لا يكفي لقيام حياة، فعلي سبيل المثال، ووفقا لمنطق البعد عن الشمس فإن الأرض والمريخ والزهرة تصبح في مدى القابلية للحياة، أي كواكب قابلة لوجود حياة عليها، ولكن 67% من تلك الكواكب ليست صالحة للسكن.
قام "أندرو روشبي"، وفريقه بتطوير نموذجا مبسطا لدورة الكربون على الأرض، ودمجه في أدوات دراسة الكواكب الأخرى الصالحة للسكن، ووجد أنه بفرض وصول نفس كمية الضوء من النجم الرئيسي في المجموعة الشمسية فإن الكواكب الصخرية الأكبر أكثر احتمالية لتواجد المياه على سطحها.
الباحث "رينيو"، من مختبر الدفع النفاث التابع لوكالة ناسا في باسادينا بكاليفورنيا، يبحث عن الكواكب المأهولة بالحياة بطريقة أخرى، فأبسط قواعد الفيزياء تحتم بأن يكون الكواكب الصغرى صخرية والكواكب الكبرى غازية، أما الكواكب التي لديها نفس قطر الأرض تقريبا إلى ضعفي قطر الأرض، فإن علماء الفلك لا يمكنهم إخبارنا بطبيعتها، حيث يمكن أن تكون غازية أو صخرية، ولذلك فقد استحدث طريقة بسيطة للتفرقة، وذلك عن طريق الكشف على المعادن السطحية على الكوكب، وتحديد وجود نشاط بركاني في الغلاف الجوي من عدمه و هو ما يحدث في الكواكب الصخرية فقط و لا يمكن أن يحدث في الكواكب الغازية.
آخر احتمالية للتفسير
عند البحث عن الكواكب الصالحة للسكن، تكون فرضية وجود حياة على كوكب ما هي آخر الفرضيات لتفسير ظاهرة ما، فعلي سبيل المثال الأكسجين في كوكب الأرض مصدره الكائنات الحية، وأيضا يمكن أن يوجد نتيجة التفاعلات الكيميائية غير العضوية، وبالتالي فوجود الأكسجين في غلاف كوكب ما لا يعني بالضرورة وجود كائنات حية تصدره، بل يمكن أن يكون مصدره شيئا آخر كالتفاعلات الكيميائية العضوية.
هذا ما قاله "شون دوماجال جولدمان"، من مركز جودارد لرحلات الفضاء في جرينبيلت في ولاية مريلاند والتابع لناسا، والذي يبحث عن دلائل لا يمكن أن تحدث إلا في وجود حياة، مثلا وجود الأكسجين والميثان سويا في غلاف جوي لأحد الكواكب، هو أحد دلالات الحياة، فالأكسجين يكسر غاز الميثان بطرق كثيرة ولولا وجود الحياة على الأرض لانتهى مخزون الغلاف الجوي من الميثان في خلال عقود قليلة، نتيجة تكسيره المستمر.
الأرض من الخارج
عندما نبدأ في جمع صور مباشرة للكواكب، فإن أقرب الكواكب يبدو مثل نقطة واحدة أو عدة نقط على الأكثر، لكن ماذا يمكن أن نفهم من نقطة واحدة؟، يجيب ستيفن كين من جامعة كاليفورنيا، علي ذلك السؤال، بأن الطريقة المتبعة في ذلك هي تصوير الأرض من الفضاء الخارجي عن طريق كاميرا تصوير ملونة الموجودة على مرصد مناخ الفضاء العميق "دسكوفر DSCOVR"، والحصول على صور عالية الدقة، ثم تصغير هذه الصور لتصبح بحجم نقطة أو عدة نقط ومقارنتها بأنماط الصور الملتقطة للكواكب البعيدة خارج المجموعة الشمسية بتقنيات مختلفة.
وقد التقط "دسكوفر" حتى الآن ما يقرب من 30 ألف صورة خلال عامين من دورانه حول الأرض، حيث يلتقط صورة عالية الدقة للأرض كل نصف ساعة تقريبا، ويمكن من هذه الصور معرفة حالات الأرض المختلفة، وومضانها والتغيرات الحادثة وبالمقارنة يمكن التنبؤ بحالات الكواكب الأخرى البعيدة.
لكن السؤال الأهم، متى سنجد الحياة خارج الأرض؟.. فكل العلماء المشاركين في هذا المشروع اتفقوا، من حيث الإيمان بوجود حياة وعوالم أخرى، رغم عدم اتفاق اثنان على توقيت إيجاد هذه الحياة، حيث يقول "جينيو"، ربما بعد 20 عاما من الآن نجد أحد الكواكب المرشحة لوجود حياة عليها، أما "روشبي"، فيقول إنه ربما في خلال عقود قادمة ويقترح الذهاب في مهمة استكشافية إلى الأقمار يوروبا أو انسيلادوس، أما "هيو"، فيعتقد أن الأمر يعتمد على عامل الحظ أيضا،فيفترض أن يكون الكوكب الصالح للحياة و المكتشف خارج مجموعتنا الشمسية أن تنطبق عليه شروط أن يكون بحجم وتكوين ومدار ومناسب كما توجد عليه علامات حيوية نبحث عنها و نستطيع إدراكها بمفهومنا للحياة.
فيديو لمركز غودارد لرحلات الفضاء التابع لوكالة ناسا الفضائية
مجلة علمية معرفية وثائقية تتناول الشخصية المصرية