هل تعلم أن المصريين القدماء هم أول من عرفوا الطب، بمعنى أدق هم "أبو الطب" وليس اليوناني "أبو قراط"، فقبل أبو قراط بأكثر من 22 قرنا، عرف المصريون الطب في عهد "ايمحوتب الكاهن"، كما قاموا بأخطر وأدق العمليات الجراحية، وقد ساعدهم فى ذلك العلم والتقدم فيه العقيدة المصرية القديمة، والتي تتمثل فى تكفين وتحنيط الموتى، والتي تستلزم بالتبعية فتح الجثة، وإخراج ما فيها، مما ساعد الأطباء والكهنة على معرفة تفاصيل الجسم الداخلية، ومكان كل عضوا داخل الجسم.
هناك علوم أخرى ساعدت الأطباء المصريين القدماء فى علم الطب، مثل علم الكيمياء والذي برع فيه المصري القديم، ومنه اكتشفوا مواد التخدير، وأنتجوا مواد أخرى، مثلما ذكر فى الكتاب المقدس، أن الفراعنة عرفوا مسحوق إذا ذاب فى الماء وشرب احدهما منه قال الحقيقة، وهو ما يعرف حاليا بكشف الكذب، كل هذا ساعد المصريين القدماء فى علوم الطب والتشريح والجراحة، وأيضا فى المعالجة بالدواء المناسب.
ورغم أن المصريين القدماء كانوا يعرفوا التخدير عن طريق الوخز بالإبر، أو ما يسمي اليوم بـ"الإبر الصينية"، واستخدموها فى أجراء العمليات الدقيقة مثل أورام المخ وغيرها، كما أن لهم باع طويل في معرفة بعلم التشريح، وعلوم نزع الأعضاء الداخلية، والتي قد تؤدي الي العفن، وتحنيطها بشكل مناسب بالخلط السحرية، إلا أن الجراحة المصرية عند قدماء المصريين كانت محدودة في علاج بعض الجروح وكسور العظام وكذلك بعض الالتهابات السطحية والقيح الجلدي.
وقد دون القدماء المصريين علومهم في مجال الطب على الحجر، ومن ثم على أوراق البردي، فسهلوا تداول العلم , لأن أوراق البردي رخيصة الثمن وسهلة الإنتاج ومتوفر بكثرة، كما صنع الفراعنة القلم من نبات السمار, وصنعوا المداد الأسود والأحمر
دراسات علمية
الحقيقة أن علماء المصريات البريطانيين أثبتوا في دراستهم المتعددة لوثائق تعود إلى 4600 عام مضت، أن أصول الطب الحديث تعود لمصر القديمة, ولا تعود إلى أبقراط واليونانيين، واكتشف باحثون في مركز "KNH" المتخصص في الدراسات البيولوجية الطبية، ضمن علم المصريات بجامعة مانشستر، وهذا الدليل لدى دراستهم مدونات طبيّة على ورق البردي يعود تاريخها إلى 2000 قبل الميلاد, أي إلى 1600 سنة قبل ميلاد أبقراط الذي يقسم الخريجون حتى الآن بقسمه الطبي قبل ممارستهم الطب.
لقد كان المصريين القدماء يتميزون بحب الاستطلاع والبحث عن علاجات الأمراض المستعصية، حتى سلكوا في ذلك طرقاً ومسالك غريبة، فيقول المؤرخ والفيلسوف اليوناني"سترابون": "كان قدماء المصريين لا يترددون في استقصاء طرق البحث، والتقاط الحكمة أينما وجدت، ولو من أفواه العامة، وكانوا إذا أصيب أحدهم بمرض استعصى عليهم علاجه، يِعرضونه في أشهر ساحات المدينة, أو عند أهم أبوابها, حيث يبقى الزمن المناسب ليراه الناس في ذهابهم وإيابهم، وكانوا يخصصون لكل مريض حارساً يرافقه، وكان على الحارس أن يصف للناس كيف بدأ الداء عند مريضه, وكيف سار، وما هي أعراضه، وكان من عادة القوم حب الاستطلاع، ومن واجب الحارس التباحث مع كل جمع يلتف حول المريض, وسؤالهم عما قد يكون في ذاكرتهم من علم, أو ما لديهم من خبرة، من أجل معالجة مثل الداء الذي يعاني منه مريضه".
الكتاب المقدس
كان الأطباء عند المصريين القدماء يكتبون الوصفات العلاجية "الروشتة"، ويدونون ملاحظاتهم على كل حالة مرضية في مذكرات كانت تدون في سجلات خاصة، وتودع لدى كهنة المعابد، وكان الكهنة يقرؤون تلك السجلات، ويدونون فيها كل ما يستجد لديهم من معرفة, مما أدى الي تقدمهم في مجال الطب بالمقارنة مع باقي الشعوب.
وبعد مرور سنوات طويلة جمعت تلك السجلات الخاصة في مجموعات قيمة سموها "الكتاب المقدس"، واشتهر هذا الكتاب عندهم بـ"أمبر"، نسبة إلي الإله "تحوت" اله الحكمة, ما أعطاه صفة القداسة، لا يجوز لأي شخص كان أن يبدل أو يعدل شيئاً منه، وألا تعرض من يقوم بهذا التغيير أو التعديل لعقوبات شديدة، ولكن "الكتاب المقدس" أدى في نهاية الأمر الي عرقلة تطور الطب السريري لديهم قروناً طويلة، بعد أن تحول الي تابوه.
البرديات الطبية
المصري القديم كون أنه أول من يكتب روشتة علاجية في تاريخ الإنسانية، لم ينسي أن يدون بعض وصفاته العلاجية في برديات غاية في الأهمية، مئات وآلاف البرديات أظهرت لنا حجم التقدم الذي وصلت إلية مصر منذ أكثر من 4600 سنة في علوم الطب والجراحة، أهم تلك البرديات علي الإطلاق بردية "أدوين سميث"، وهي أعظم البرديات من حيث الأهمية الطبية، تم اكتشفها في مدينة "طيبة" عام 1882 ميلادية.
وتُعد بردية "أدوين سميث" أحد أهم برديات الطب المصرية، تتكون من مجموعة أوراق نبات البردي، طولها 15 قدم، ويرجع تاريخها لعام 2500 قبل الميلاد تقريباً، لذا يعتقد أنها أقدم وثيقة علمية عرفها التاريخ، ويعتقد أن "ايمحوتب" هو الذي كتب هذه البردية، وجاء فيها وصف دقيق لثماني وأربعين حالة جراحية، وتتضمن هذه الحالات كسور الجمجمة عند الإنسان وإصابات النخاع الشوكى، وغيرها، لذا يعتقد العلماء أن هذه البردية هي أقدم كتاب جراحي في العالم.
هناك أيضا عدد من البرديات المهمة، وعلي رأسها برديات "كاهون" والتي يعود تاريخها لعام 1950 قبل الميلاد، وتتكون من ثلاثة أقسام، طبي بشري، وآخر بيطري، أما القسم الثالث خاص بالمسائل الحسابية، وبردية "إيبرز" عام 1500 قبل الميلاد، وتعتبر أضخم ملف طبي عثر عليه، فيها وصْف لحوالي 877 مرض، ومن هذه الأمراض المذكورة، أمراض الجلد، والأطراف، والنساء والقلب والشرايين، وعضة الأفعى، وحمى النفاس، وبردية "برلين" عام 1300 قبل الميلاد، وتتألف من 21 صحيفة فيها 170 بطاقة طبية، تتضمن مختلف الأمراض، وعلاجاتها، وتركيب العقاقير اللازمة، وبردية "لندن" عام 1300 قبل الميلاد، وتحتوي على دراسة شاملة عن التداوي بالكي، وعلاج السحر، وبردية "كارلرزيرغ" وتعود إلى عام 1200 قبل الميلاد، وهي بردية خاصة في طب العيون، وبردية "ليدن"، وتضم وسائل طبية وقواعد صحية للوقاية من الأمراض المعدية، وكيفية منع انتشارها.
وصفات علاجية
الحقيقة أن المصري القديم دون العديد من الوصفات والتركيبات العلاجية، والاهم أنه دون ووثق طريقة عمل تلك الوصفات، فعلي سبيل المثال وفي احدي البرديات الطبية أظهر المصريين كيف أنهم عرفوا المضادات الحيوية، وكيف أنهم استخرجوها من فطر الخبز المتعفن، والذي ينموا عليه فطر يسمى "البينسلسون"، وهو الذى يستخرج منه "البنسلين"، والذي أُخذ كأعظم اكتشاف طبي فى القرن العشرين، عرفة الفراعنة منذ آلاف السنين وعالجوا به مرضاهم.
إحدي البرديات أظهرت هي الاخري كيف اخترع المصري القديم "البنج"، وكيف أنهم قاموا بصناعته من مسحوق حجر الرخام مع إضافة الخل، وكان يعرف عند الفراعنة باسم "ممفيتس"، وبمساعد البنج قام الطبيب المصري القديم بأجراء أول جراحة تعويضية، فهم أول من عرفوا زراعة الأعضاء، وقاموا بإجراء عمليات دقيقة فى العين، وقد عُثر علي مومياء بها عين اصطناعية تشبه العين الحقيقية تماماً، كما عرفوا خيوط الجراحات، وتظهر بالفعل فى الجثث والمومياوات بالمتحف المصر.
الأكثر من ذلك أن الفراعنة كانوا أول من استخدم الطب البديل، والتداوى بالأعشاب قبل الصين نفسها، والتي تعتبر رائدة في هذا العلم منذ زمن بعيد، وقد أستخدم الطبيب المصري مواد غير كيميائية فى العلاج مثل علاج الصلع، والذي كان يعالج بدهن الرأس بخليط من دهن البط ودهن التمساح ودهن الثعابين، وهو ما نجده الآن فى كثير من تركيبات الكريمات والادوية المقامة لمرض الصلع أو تساقط الشعر، واستخدموا "الينسون" فى علاج اضطرابات المعدة والجهاز الهضمي، و"الحلبة" للتقوية العامة، وللسيدات التي وضعت حديثا، وفى حاله النفاث، و"الكركديه" كطارد للديدان عند الأطفال، وعالجوا التجاعيد بـ"الجزر"، كما استخدموا عسل النحل في الجراحات كمضاد للالتهاب والتقيح.
أقدم الجراحين
"هل تعلم أن الفراعنة كانوا أول جراحين في التاريخ الإنساني؟".. تلك معلومة وليست مجرد سؤال، فزيارة واحدة الي معبد "كوم أمبو" بالأقصر ستجعلك تتأكد من ذلك، فقد أظهرت النقوش الهيروغليفية بعض أدوات الجراحة التي استخدمها المصريين القدماء في عملياتهم الجراحية، فقد كانت لديهم وفرة من الآلات الجراحية، ما بين مجسات ومناشير وملاقط ومشارط ومقصات جراحية، وكشفت لوجه جداريه كاملة عن جراحة "الختان" تعود الي الأسرة السادسة.
ومما يدل علي تفوق القدماء المصريون جراحياً منذ القدم، أن وجد الباحثون مسماراً حديدياً طوله ٢٣ سم في مفصل الركبة لمومياء مصري تدل علي إجراء جراحة مفصلية للمريض، كما وثق الباحثون هذه الجراحة باستخدام عدسة تصويرية تم إدخالها من خلال ثقب في عظام الركبة للمومياء، ما ترك ذهولاً لدي الباحثين بسبب إجراء جراحة متقدمة كهذه منذ أكثر من ثلاثة ألاف عام مضت، وتم التأكد علي أنها لمصري عاش خلال الفترة من 1600 حتي 1100 سنة قبل الميلاد.
المصريون القدماء طوروا أشكالا من العمليات الجراحية وأقدمها، من أهم تلك الأشكال ما يُعرف بـ"النقب"، وهو فتح ثقب صغير في الجمجمة بهدف علاج المخ من بعض الأمراض، ما يؤكد أن الحضارة الفرعونية من أكثر الحضارات تطويراً للتقنيات الجراحية، حيث وجدت رفات تعود الي ٢٦٥٠ عاماً قبل الميلاد تحتوي علي ثقبين في الفك السفلي بالقرب من جذر الضرس الأول لعلاج نزيف ناتج عن خراج الأسنان.
الكشف والتشخيص
علم التشخيص كان من العلوم المتقدمة لدي المصريين القدماء، فقد عرف الفراعنة كيف يكتشفون أن تلك الفتاة ستنجب أطفال أم أنها ستصبح عاقراً، وذلك عن طريق عصير البطيخ، والذي يوضع على لبن سيدة قد أنجبت ذكراً وتتناوله البنت أو السيدة التي تريد معرفة إنها ستلد أم لا، فان أقائته السيدة بعد تناول هذا الخليط فأنها ستلد، وان أنتفخ بطنها فأنها لن تلد.
الأكثر من ذلك أن الفراعنة تمكنوا من معرفة نوع الجنين فى أيامه الأولى وهو فى بطن أمه ذكر أم أنثى، عن طريق وضع حبوب الشعير والقمح فى بول السيدة الحامل، فإذا خرج الشعير وحدة فان السيدة ستضع ولداً، وإذا خرج ونمى القمح وحدة فان السيدة ستضع أنثى، أما إذا لم يخرج الأثنين ولم ينمو فان الحمل كاذب ووهمي، كما عرف الفراعنة كراسي الولادة منذ آلاف السنين، وبنفس شكل الكرسي المعروف حاليا تقريبا، وعرفوا الوسائل التي تساعد على عمليات الطلق وسهولة الولادة، ووصفوها للنساء التي على وشك الولادة، فتوصلوا الي المراهم والأدوية المستحضرات المهبلية، كما جاء ذكرها في بردية الكاهون.
أطباء الفراعنة كانوا أول من عرفوا العلاج بالكي، وقد ذكر ذلك فى بردية "لندن"، والتي يعود تاريخها إلى 1300 سنة قبل الميلاد، والتي ذكرت عمليات الكي، وكيف كانت تحدث، وصنفت الأمراض التي تحتاج لعلاج بالكي، مثل الروماتزم والتهاب المفاصل وغيرة، كما أن البردية تضم فى محتواها العلاج بالتعاويذ السحرية، فمن المعروف أن الفراعنة قد برعوا فى عالم السحر، لذلك بعث الله لهم سيدنا موسى بمعجزة السحر المتمثلة فى العصي ويده وغير ذلك، من معجزات نبي الله موسى عليه السلام.
الأطباء المصريون عرفوا أيضا مرضى السكر، وعالجوه، فقد كانوا يكتشفون المرض عن طريق النظر إلى بطن المريض، فإذا كانت تعاني ضمور وتجاعيد، فانه مصاب بالسكر، وعن طريق البول، فإذا كان البول لزجا كالعصير أو العسل، فان المريض مصاب بالسكر، وكان علاج هذا المرض عن طريق أكسيد الحديد مع الحنظل وزيت بذر الكتان، والذي استخدم أيضا فى عمليات البواسير والجروح والتقيحات، وكان هذا الخليط يؤخذ بعد الاستيقاظ من النوم مباشرتاً، والمريض جائع، ويشرب حتى يرتوي، وذلك لمده 4 أيام متتالية، كما استخدموا البصل فى تنظيم والحد من مرض السكر فى الدم ، وهذا ما جاء فى ترجمه بردية إيبرز.
أما عن ممارسة الطب نفسها، فقد عرف المصريون القدماء العيادات والمستشفيات، وكانت تسمى بدار الشفاء، وكان لكل تخصص كبير الأطباء، ثم المشرف العام على الأطباء، والذي يقوم بعملية الإشراف على الأطباء من حين لأخر، ويتأكد من سلامة بيوت الحياة، والادوية المناسبة للعلاج ومدى فاعليتها، إلى جانب رئيس عام للأطباء يرئس جميع الأطباء والمشرفين عليهم، وكان الأطباء المصريون في بداية حياتهم كتلاميذ يلتحقون بمدارس تسمي "منزل الحياة".
طبيب وجراح
مخترع أول قلب صناعي مصري
مجلة علمية معرفية وثائقية تتناول الشخصية المصرية