استولوا على 4 آلاف حكاية شعبية..

"إسرائيل" تسرق التاريخ والتراث والفن المصري الفلسطيني

لم يكتفوا بسرقة الأرض، ولكنهم يجتهدون يوما بعد يوم لسرقة الهوية، التاريخ والجغرافيا، التراث والفن، فطبيعة أيّ محتل في العالم تجعله ينزعج من فكرة عدم انتمائه لتلك الأرض التي يستولي عليها، لذا يبحث بكل الطرق المشروعة وغير المشروعة عن إثبات أن له وجودًا قديمًا، وتاريخًا مشتركًا، ولونًا واحدًا، مع أهل الأرض التي يحتلها، وهذا ما يفعله الكيان الإسرائيلي طيلة العقود السبعة الماضية.

 

"سرقة الآثار وتزييف التاريخ.. الاستيلاء على التراث الفني من سينما وغناء.. حتى الأكلات الشعبية غلفوها بالعبري الفصيح".. هكذا حاول الكيان المزعوم أن يثبت وجوده على الأرض العربية، عن طريق زراعة هوية ليست هويته، ليثبت أحقيته على أرض ليست أرضه.

 

"بطاقة ملكية: تاريخ من النهب والسطو والاستيلاء في المكتبة الوطنية الإسرائيلية".. مَثَّل هذا الكتاب اعترافاً إسرائيلياً صريحاً، فقد كشف عن استراتيجيات نهب المكتبات والكتب الفلسطينية في النكبة، وآليات إخفائه بل وتمويهه وإعادة صياغته وتقديمه كعمل جليل منحاز للمعرفة يخص الكيان الإسرائيلي المزعوم.

 

الكتاب الذي ألفه ألباحث الإسرائيلي "غيش عميت"، وقام بترجمته من العبرية "علاء حليحل" بالمركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية "مدار"، يكشف الكثير من المعلومات والحيثيات التي رافقت عمليات النهب التاريخية والتراثية والفنية التي شاركت فيها المكتبة الوطنية الإسرائيلية، من أجل زيادة مخزونها من الكتب وترقية مكانتها العلمية والبحثية، وتمثلت بجلب أكبر كمية ممكنة من الكنوز الثقافية اليهودية التي خلّفها يهود أوروبا المقتولين في المحرقة النازية، والاستيلاء بطرق ملتوية وجنائية على الكنوز الثقافية والدينية التي جلبها معهم يهود اليمن في هجرتهم إلى إسرائيل الفتية.

 

كتاب "غيش عميت" ألمح إلى وجود علاقة بين الصهيونية والاستشراف الأوروبي، وأشار إلى ما وصفه بـ"سياسة المحو والنسيان" التي فرضتها الصهيونية على مريديها ورعاياها، فيركز الكتاب في جزء منه على كشف ملابسات نهب عشرات الآلاف من الكتب من المكتبات الفلسطينيّة في القدس بعد احتلالها في العام 1948، مشفوعا بوثائق وشهادات واعترافات صريحة.

 

الكاتب أوضح حالة التباين بين المؤيدين والمعارضين، فقد رأى المؤيدون أنه في هذه السرقة عملية إنقاذ لثقافة ترزح تحت خطر الإفناء، وجزء لا يتجزأ من الحفاظ على حق اليهود كأصحاب الممتلكات الثقافية، في رأي المعارضين وأغلبهم من يهود أوروبا، أن الصهاينة ينوون الاستيلاء على الملكيات الإنسانية من بين مخلّفات المجتمعات اليهودية من دون توفير الدعم اللازم لإعادة ترميمها، وهناك حتى من شككوا في الادعاء القائل إن الحركة الصهيونية هي الممثل الطبيعي والحصري للشعب اليهودي.

 

الدكتور محمد بكر البوجي، أستاذ الأدب والفكر بجامعة الأزهر بغزة، اتهم بشكل رسمي إسرائيل بسرقة التراث الفلسطيني، ابتداءً من الثوب التراثي، والنجمة السداسية، وحتى عُملة الشيكل المتداولة في إسرائيل، وبأنها تسجل كل ذلك باسمها في "اليونسكو"، وقال إن دراساته كشفت عن أن إسرائيل دولة سارقة للتراث والتاريخ لتصنع لنفسها كياناً، وهوية ليست هويتها، وتاريخا ليس بتاريخها.

 

وطبقا للدكتور محمد بكر البوجي، بدأت إسرائيل تسرق التراث والأدب الفلسطيني منذ نهاية القرن التاسع عشر، وذلك بإرسال أساتذة وباحثين أوروبيين إلى فلسطين لدراسة هذا التراث تمهيدًا لسرقته، حيث إن الدراسات التي قام بها المستشرقون في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين كانت مدعومة صهيونيًّا في أغلبها، وقد كانت النتيجة الحتمية لهذه الدراسات هي أن ما يقال في فلسطين وعادات وتقاليد أهالي فلسطين نابعة من التوراة، فهم يريدون أن يربطوا هذه العادات والتقاليد بالوجود اليهودي في فلسطين.

 

"عادات وتقاليد شعبية فلسطينية.. دراسة حضارية"، و"الأغنية الشعبية في فلسطين"، و"صراع الثقافات في الرواية العربية في فلسطين.. وشهادات أدبية"، و"التراث الشعبي والمواجهة"، مجموعة دراسات وكتب للدكتور محمد بكر البوجي كانت نتاج عمل زاد على خمسة عشر عاما من البحث والتجميع والتحليل، جاب خلالها بالتعاون مع طلابه قطاع غزة شرقًا وغربا من أجل تجميع ملامح التراث الشعبي والأدبي والغنائي الفلسطيني، وتتكون الموسوعة من ألف صفحة كاملة.

 

في أحد الكتب جمع الدكتور "البوجي" أكثر من 220 قصة ومثلاً شعبيا وهو ما لم يفعله أحد من قبل لا في التراث الفلسطيني ولا العربي، حيث يتناول الكتاب القصة التي أفرزت المثل الشعبي، لأننا نعرف المثل ومعناه لكننا لا نعرف قصته، وقد بلغ عدد صفحات هذا الكتاب 200 صفحة تقريبا، وهو مقسم إلى جزأين، الأول في 76 صفحة حول الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، أما الثاني فهو لقصص الأمثال الشعبية الفلسطينية، وهناك مقدمة طويلة للكتاب يتحدث فيها عن سرقة الكيان الإسرائيلي للتراث الشعبي الفلسطيني.

 

 

"شوهوا الكوفيّة الفلسطينية ووضعوا فيها نجمة داوود.. وحتى الثوب الفلسطيني دنسوه وادعوا أنه يهودي الطابع".. هكذا جاء في موسوعات الدكتور "البوجي"، فذكر أن المضيفات الإسرائيليات على متن خطوط شركة العال الإسرائيلية للطيران يلبسن الثوب الفلسطيني في المناسبات على أنه ثوب إسرائيلي، وكذلك زوجة موشيه دايان وزير الدفاع الإسرائيلي السابق تلبس هذا الثوب في المناسبات الإسرائيلية على أنه ثوب يهودي الأصل والتاريخ.

الموسوعة كشفت عن أن السرقة ليست حديثة العهد على بني صهيون، فقد رصدت الكثير من السرقات التراثية المختلفة، من "الخبز" الموجود في القرى العربية القديمة، خاصة الخبز الشعبي المتميز الخاص بقرية "طرعان"، ووحدة الوزن الفلسطينية التي يعرفها الفلسطينيون باسم "الشقلة" وهي أصغر وحدة وزن، وقبل دخول الإسرائيليين إلى فلسطين كانت وحدة الوزن لديهم هي المثقال وهذا مكتوب في كتاب التوراة في سفر صموئيل الأول، وحولوها إلى اسم لعملة "الشيقل" سنة 1980.

 

أما "نجمة داوود" فلا يزال الجدل حول سرقة بني صهيون لهذا الرمز التوراتي من الشعب والثقافة الفلسطينية، فـ"داوود" كان صبيا وتعلم صناعة الحديد عند الفلسطينيين، وكان شخصا متميزا عند بني إسرائيل، فطلب منه قائد الجيش الإسرائيلي "شاؤول" أن يقتل القائد الفلسطيني "جالوت"، مقابل أن يزوجه ابنته، فذهب إليه في خيمته فقتله ذبحا، وأخذ منه الدرع والرمح إلى خيمته، وذلك موجود في التوراة.

 

و"جالوت" كان أهم قائد عسكري في تلك المرحلة ولكنه كان يؤمن بالمعتقدات الفرعونية وهم عبده الشمس "إله الشمس آتون"، فكان "جالوت" يرسم الشمس على درعه وهي عبارة عن دائرة صغيرة يخرج منها ستة خيوط تمثل الشمس، فأخذها داوود ثم نُسبت إليه السداسية، مما يؤكد كذب بعض الكتب والتراث اليهودي التي تدعي أن "داوود" قتل "جالوت" بالحجر والمقلاع، والقرآن الكريم ذكر أنه قتله ولكن لم يذكر كيف، أما الإسرائيليون فيقولون إنه قتله بالمقلاع وقد جاء ذلك في التوراة، والإسرائيليون يريدون من هذه القصص أن يصلوا إلى أن الله معهم في حربهم ضد الكفار.

 

لم يكتفِ "بنو صهيون" بسرقة التراث الفلسطيني والعربي فقط، بل راحوا يسرقون أيّ تراث يتوافق مع رؤيتهم اليهودية، فشعب إسرائيل، وفقا لموسوعة الدكتور "البوجي"، الشعب الوحيد الذي يسجل لنفسه أربعة آلاف حكاية شعبية، وهو قطعاً عدد كبير وخيالي لا يمكن لأي أمة أن تسجله، والسبب في ذلك أن اليهود سجلوا معظم قصص الأنبياء لهم، وأيضا اليهود القادمين من كل دول العالم جاؤوا بحكايات من دولهم فأصبحت قصصا يهودية، فالقادم من مصر جاء بقصص مصرية، والقادم من المغرب جاء بقصص مغربية، ومن روسيا وإثيوبيا والأرجنتين وغيرها الشيء نفسه، بل تم تسجيلها في المنظمة العالمية للتراث الشعبي "اليونسكو".

 

لم تتوقف سرقات "بني صهيون" على التراث والتاريخ الفلسطيني والعربي فقط، بل طالت الموروث التراثي والفني العربي، في محاولة لخلق إثباتات تبرهن أحقيتها "المزيفة" في الوجود في قلب الوطن العربي، ومحاولة لخلق عمق تاريخي في أرض فلسطين، فلم تكتفِ بأن تنسب الثوب والمأكولات الشعبية الفلسطينية لنفسها بل تعدى ذلك لسرقة بعض الأفلام العربية القديمة وبثها على أنها "إسرائيلية"، ولم تكتفِ كذلك بهذا القدر، فتمثلت آخر محاولات السرقة الممنهجة لديها بالسطو على أغاني عمالقة الفن العربي، أمثال سيدة الغناء العربي أم كلثوم والسيدة فيروز وإعادة غنائها من قبل مغنين "إسرائيليين" بعد تزييفها بإجراء عملية "عبرنة" لها، وهو ما يهدد بتشويه التراث الفني العربي بأكمله.

أما بالنسبة للفن العربي فقد تمثلت النقلة النوعية في محاولات السطو على التراث بانتقال الاحتلال من تزوير وسرقة التراث الفلسطيني وحده لمحاولة سرقة التراث الفني العربي، والبداية كانت من استغلال الأفلام السينمائية المصرية التي أخرجها أو مثل فيها ممثلون يهود، وتم بثها على أنها أفلام إسرائيلية مع تجاهل حقوق النشر، كل ذلك في سبيل إثبات صحة مقولة "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض"، وما زالت حتى الآن هناك قضايا في المحاكم الدولية بين بعض منتجي الأفلام والاحتلال الإسرائيلي، بل تعتبر أغاني السيدة أم كلثوم والسيدة فيروز من أواخر ما طالتها سرقات "بني صهيون"، حيث قام مغنون إسرائيليون بغناء أغانيهما.

وقد مرت سرقة أغاني فيروز وأم كلثوم بمرحلتين، ففي المرحلة الأولى كان يغني هذه الأغاني مطربون "إسرائيليون" باللغة العربية كما هي مثل أغنية "أمل حياتي" لأم كلثوم والتي أداها المغني الإسرائيلي "زيف يحزقيل" في العديد من الحفلات، أما المرحلة الثانية فقد حدث فيها التطور الأخطر عندما بدأ الإسرائيليون بترجمة كلمات الأغاني للغة العبرية، وكانت أولى الأغاني التي أجريت لها ترجمة عبرية أغنية "سألوني الناس" للسيدة فيروز، حيث تُرجمت كلمات الأغنية للعبرية وتم أداؤها بنفس اللحن، وقام بأدائها فرقة متخصصة في سرقة أغاني فيروز وترجمتها للعبرية أطلق عليها اسم "توركيز" أو "حجر فيروز"، وتعمل الفرقة على ترجمة المزيد من أغاني الفنانة اللبنانية فيروز للعبرية، تحت دعوى "مد جسور الثقافة بين الشعوب"، وتعمل الفرقة على تعليم فن وغناء فيروز للإسرائيليين.

 

خبراء الثقافة العربية في عشرات ومئات الكتابات والدراسات أكدوا أن خطوات "بني صهيون" الحثيثة تؤكد أن تجاهل قضية تلك السرقات سيجعلنا نستيقظ في يوم من الأيام على سرقات جديدة، قد تصل إلى القصائد والشعر العربي التي قد تُترجم إلى اللغة العبرية، وقد تم بالفعل ترجمة بعض قصائد الشاعر محمود درويش دون إذن أو حتى الحصول على الحق في ذلك.

 

المذاق الإسرائيلي

 

حتى الأكلات الشعبية الفلسطينية والعربية سرقوها، والمذاق الإسرائيلي، أو "Taste of Israel" ليس مجرد كُتيب طبخ إسرائيلي انتشر في إنجلترا أثار الجدل وغضب الجماعات الداعمة للقضية الفلسطينية، لكنه جريمة متكاملة الأركان لسرقة أكلات شعبية فلسطينية، وتقديمها على إنها تراث إسرائيلي، أصدرته هيئة السياحة الإسرائيلية ضمن عدد مجلتها الشهرية، ويحوي الكتيب وصفات لإعداد الوجبات، بعضها مقتبس من التراث الفلسطيني، وقد أعلن مستخدمو "السوشيال ميديا" البريطانيون أن أدوات الدعاية الإسرائيلية سقطت من مجلة الطعام الخاصة بكتيب "المذاق الإسرائيلي"، ولكن عند فتحه ستجده مليئا بالأكلات الفلسطينية والعربية المختلفة، كالـ"الحمص" و"الفلافل" و"التبولة" و"الكبة".

 

الباحثة في الشئون الإسرائيلية

جامعة عين شمس

مجلة علمية معرفية وثائقية تتناول الشخصية المصرية