قدسه المصريين منذ آلاف السنين

النسر المصري.. فراخ الفرعون وعقاب الدولة المصرية

قبل خمسة آلاف عام مضت، لم يجد المصري القديم سوي ذلك الطائر ليعبر عن إحدي حروف اللغة الهيروغليفية، وذلك للدلالة عن بعض الكلمات التي تعبر عن القوة والسطوة، والتي من أهمها كلمات مثل، أم، مزدهر، جدة، وأيضًا "حاكم"، لذا أُطلق علية إسم "فراخ الفرعون"، فذلك الطائر رغم كونه ينتمي لعالم الطيور الجارحة، يمتلك مظهرًا أقرب ما يكون للدواجن التي نربيها في المنزل.

 

عقب تثبيت الملك "عحا" أو "مينا" لحكمة علي أرض مصر الموحدة، وجد الكهنة في الرخمة المصرية طائرًا مقدسًا، فألبسوه التاج الملكي المزدوج الجديد، لتُصبح ربة الكاب، إلهة مصر العليا حامية للملك، نخبيت، هي أقدم الآلهة في جنوب مصر القديمة، فقد كانت تظهر دومًا بجناحيها الممتدان دلالة على الحماية، بالإضافة إلي أنها كانت بالنسبة للمصري القديم هي "أم الأمهات"، والتي وجدت منذ البداية، وأنها خالقة هذا العالم، لذا ظهرت الرخمة المصرية دوما خلف تاج الفرعون، ولأهميته التاريخية تتخده الدولة المصرية شعاراً رسميًا يتوسط علم البلاد، فهو عبارة عن شعاراً مستوحى من نسر صلاح الدين الأيوبي في موقعة حطين، ويُقال أن النسر الذي يرتكز فوق قاعدة علي العلم ينحدر من فصيلة طائر الرخمة المصري.

تم وصف النسر المصري لأول مرة رسمياً من قبل عالم النباتات السويدي كارولوس لينيوس في العام 1758، وذلك في الطبعة العاشرة من كتابه "نظام الطبيعة"، ويُعد الطائر الوحيد المتبقي من جنس Genus Neophron، وإن كان يُعتقد ان بعض الأنواع التي تنتمي لفصيلة Neophrontops الشبيهة، وتعود إلي عصور ما قبل التاريخ، وتنتمي علي الأخص للعصر النيوجيني قبل 2.5 مليون سنة، تعيش في أمريكا الشمالية، حيث كانت مشابهة جدًا للرخمة المصرية في نمط حياتها ، وإن كانت العلاقة الوراثية بينهما غير واضحة المعالم.

الرخمة المصرية أو العقاب المصري"Neophron percnopterus" ، هو عقاب صغير من أسرة عقبان العالم القديم، وهو نسر صغير ذو رأس صغير مدبب ومنقار دقيق، يتميز البالغ منها بأطراف أجنحة سوداء، له صورة ظلية مميزة مع ذيل وتدي الشكل، يتشابه إلي حد كبير مع طائر اللقلق الأبيض في لون الريش الأبيض والأسود، ولون الرأس والذيل الأبيض، أما الرقبة والصدر فيغطيها ريش مصبوغ بدرجات متباينة من اللون البني، في حين أن الأجزاء المكشوفة صفراء اللون، أما صغارها فتبدأ بلون بني كامل مع وجه عاريًا مزرق ومبقع.

وتعتبر الأماكن الطبيعية المفتوحة ذات المناخ الجاف مواقع مثالية لحياة الرخمة المصرية، إلا أنه يفضل استيطان الممرات الضيقة في الوديان والجبال، لذا تعشش في أعالي المنحدرات الجبلية، وتعتبر من الطيور المقيمة بمحميات جبل علبة الطبيعية بجنوب البحر الأحمر، وتقوم الرخمة ببناء عشها من العصي والأغصان الصغيرة وربطها  بواسطة أصواف الأغنام وقطع البلاستيك والعظام ويخفية جيدًا في الكهوف والمرتفعات الصخرية علي ارتفاعات قد تصل إلي 4500 متر.

يبدأ موسم التكاثر عند طيور النسر المصري في فصل الربيع، وتضع الأنثي في العادة بيضتين أو ثلاث بيضات ذات لون ابيض ذات بقع بنية، تختلف في حدتها من بيضة لأخري، وتستمر فترة احتضان البيض ما بين 39 إلي 45 يوم، ويتناوب الوالدان علي ذلك، وعند فقص البيض بعد حوالي 90 يوم تبدأ الفراخ بمغادرة العش، وفي الغالب يموت أصغر تلك الفراخ نتيجة احتكار الأكبر علي معظم الغذاء، ويصل وزن الطائر من 1.6 إلي 2.2 كيلو جرام، في حين يصل طولة من 58 إلي 70 سنتيمتر، ويصل امتداد الجناحين إلي 155 حتي 170 سنتيمتر عند الطيران.

يتغذي العقاب المصري علي أي شيء تقريبًا، لذا يعتبره العلماء طائر انتهازي إلي أبعد الحدود، ولكنه يقتات علي الطيور والحيوانات النافقة في المقام الأول، اشتهر بذكائه و صبره في استخدام الادوات المناسبة للحصول على طعامه، فنراه يحمل حجرًا صغيرًا بمنقاره ليضرب بها القشرة السميكة لبيض بعض الطيور، علي الأخص بيض النعام، لكي تنشق ومن ثم يلتهم ما بداخلها، كما يشاهد اعداد منه تلتقط طعامها من مكبات النفايات والقمامة، كما تلتقط السحالي والحيوانات الصغيرة والعظام التي تقطعها بمنقارها الرفيع، فمعدة هذا الطائر قادرة علي التعامل مع أصعب الأنظمة الغذائية، إضافة إلي كونه قادر علي تناول وجبة ضخمة قبل أن يواجه أيامًا وأحيانًا أسابيع من الصيام.

تنتشر الرخمة المصرية على نطاق واسع في جميع أنحاء العالم القديم تقريبًا، وإن كان نطاق تكاثرها يمتد من جنوب أوروبا إلى شمال إفريقيا، ومن الشرق إلى غرب وجنوب آسيا، إلي حد ما حتي سريلانكا، كما تتواجد بشكل أساسي على السهول الجافة والتلال السفلية من جبال الهيمالايا، حيث تستوطن مرتفعات تصل إلأي نحو 2300 متر، ومعظم الرخمة المصرية في المنطقة شبه الإستوائية من أوروبا تهاجر جنوبًا إلى إفريقيا في فصل الشتاء، ويمكن أن تطير يوميًا إلي مسافة تصل إلي 500 كيلو متر.

 

نتيجة للأنشطة البشرية المختلفة يواجة النسر المصري الكثير من التهديدات، من صيد جائر، وافتراس بعض الحيوانات للطيور الصغيرة، علي الأخص النسر الذهبي وإبن أوي والثعالب الحمراء التي تفترس صغار الرخمة المصرية، يُصنف الرخمة ضمن الطيور المعرضة لخطر الإنقراض، فقد انخفض عدد الرخمة المصرية في معظم أنحاء العالم بشكل ملحوظ، حيث يصل معدل الإنخفاض السنوي منذ عام 1999 إلي حوالي 35% تقريبًا.

 

__________________

المركز الدولي الجديد لطيور الجارح

Taken at the Newent International Centre for Birds of Prey

مجلة علمية معرفية وثائقية تتناول الشخصية المصرية