رغم أنها تعود إلي القرن الأول الهجرى، وتضم أقدم شاهد قبر إسلامى مؤرخ بسنة 31 هجريًا، ما جعلها أقدم المقابر الإسلامية في مصر، بل ويطلق عليها البعض "البقيع الثانية"، لما تحويه الجبانة من رفات أجساد الصحابة والتابعين والأولياء، بالإضافة إلي مقامات رمزية لآل البيت وأولياء الله الصالحين، يجهل البعض وجودها، ويعتقد البعض أن هذا التجاهل نتيجة وجودها في مدينة أسوان المليئة بالأثار المصرية القديمة.
المقابر الفاطمية، والتي يعرفها البعض بإسم جبانة "العنانى"، وذلك لوجود الجبانة البحرية في منطقة العناني، ويبلغ طولها حوالي 2000 مترًا، وعرض يصل إلي 500 متر تقريبًا، بمساحة تعادل 238 فدان، وتنقسم إلي قسمين، فإلي جانب الجبانة البحرية، هناك أيضًا الجبانة القبلية، وتقع علي طريق خزان أسوان، تحديدًا بجوار متحف النوبة، وتنقسم هي الأخري إلي ثلاثة أقسام، يفصل الشمالي عن الأوسط طريق الخزان، ويفصل الأوسط عن الجنوبي أحد الخنادق، يضم الشمالي مقابر علي هيئة صندوق، ويضم الأوسط آضرحة محاطة بمقابر متواضعة، بينما يضم الجنوبى 20 ضريحًا كبيرًا وأضرحة أصغر حجما ومقابر متواضعة.
تضم مقابر الفاطميين حوالي 80 مقبرة، ولكن نتيجة لعوامل الزمن والتجاهل الذي تعرضت له، وضعف مادة الطوب اللبن المستخدمة فى البناء، بالإضافة إلي التوسع العمراني، لم يتبق منها اليوم سوى 30 مقبرة فقط، ما أجبر المجلس الأعلي للأثار للتدخل وتطوير الجبانة علي عدة مراحل، بدأت ببناء سور بطول 600 كيلو متر حول الجبانة والمخزن المتحفى، وترميم القباب، واستكمال وتدعيم الأجزاء، وعزل الأساسات لإزالة الرديم من القباب الأثرية، وعمل أبواب وشبابيك وسد جميع الفتحات، للحفاظ على الآثار.
أهم ما يميز مقابر الفاطميين في أسوان تلك القباب المنتشرة، والتي يعتبرها الآثريين حلقة مهمة فى تطور عمارة القباب والعمارة الإسلامية بشكل عام، خاصة وأنها تتميز بالتنوع فى الشكل والطراز الذي تم تصميمه بها، ويعود تاريخ بنائها إلى بدايات القرن الأول الهجرى، ومنتصف القرن السادس الميلادى، ودليل ذلك شاهد القبر الذي يعود للعام 31 هجريًا بإسم عبدالرحمن الحجزى أو الحجازى، فتاريخ الجبانة الفاطمية يرجع إلى سنوات فتح العرب لمصر، ولتأمين الحدود الجنوبية تم إرسال بعض الجنود إلي أسوان، وذلك لصد هجمات قبائل النوبة، وقد وقعت العديد من المعارك الضخمة بين الطرفين، وتم دفن الشهداء في تلك المنطقة، ثم توالي الدفن لقرون طويلة.
ويعتقد البعض من أهالي أسوان أن مقابر الفاطميين تضم رفاة الصحافة، لذا يطلقون عليها جبانة الصالحين أو الجبانة المباركة أو الطيبة، ولم يكتفوا بذلك ولكنهم أطلقوا أسماء الصحابة والتابعين وأولياء الله الصالحين وآل البيت على بعض تلك الآضرحة، فأصبح هناك قبة الحسن، وقبة الحسين، ومقام السيدة زينب، ومقام بلال بن رباح، ومقام عمر بن الخطاب، ومقام السيد البدوى، ومقام سيدى إبراهيم الدسوقى، ومقام قاضى الشريعة، والكثير من أسماء آل البيت والصحابة والتابعين، يقوم أهل المدينة بزيارتهم والتبرك بهم حتي في أفراحهم.
وقد أُطلق علي المقابر الفاطمية إسم "القباب الفاطمية" لكثرة القباب التى بنيت بها، والتى تعود إلى العصر الفاطمى فى فتراته المختلفة، فقد قام الفاطميين بوضع القباب فوق قبور موتاهم طبقًا للمذهب الشيعى، وتعتبر تلك القباب ذات عناصر معمارية مميزة، وأرض خصبة للباحثين والدارسين والمهتمين بشؤون العمارة والفن الإسلامى، وذلك لما اشتملت عليه من عناصر معمارية متميزة، سواء من حيث العقود المتنوعة، أو الأبواب المحورية، ومراحل الانتقال المختلفة، بالإضافة إلي تنوع شكل القبة نفسها، الأمر الذى يقودنا إلى الحديث عن براعة المعمارى والفنان الذى تفوق على نفسه وأبدع عندما خالف قواعد العمارة المألوفة فى تشييد القبة.
أما عن أهم العلماء الذين قاموا بدراسة القباب الفاطمية، علي رأسهم العالم الإيطالي مونيريه دي فيلارد، والذي قام بترقيم القباب إلي 55 قبة، والعالم البريطاني ارشيبالد كاميرون كريزويل، والعالم المصري فريد شافعى أستاذ العمارة الإسلامية، وقاموا بتأريخ مجموعة من القباب الموجودة فى الجبانة، وفى 2006 قامت البعثة الألمانية بترميم بعض الأجزاء، واستمرت عملية الترميم حوالي 8 سنوات، وإن كانت بعض المقابر الأخري في حاجة إلي ترميم، خاصة في ظل تأثير تسرب المياه الجوفية على مقابر وقباب الجبانة، حيث نمت فيها النباتات والحشائش البرية.
بنيت المقابر الفاطمية بنظام الحوائط الحاملة كغيرها من الآثار الإسلامية، أي في قوالب متراصة، وكانت مادة البناء السائدة في هذه المقابر هو الطوب اللبن، باستثناء بعض الأجزاء، مثل العقود ورقاب القباب والقباب نفسها، فقد بُنيت من الآجر، كما ظهرت شرائط حجرية في بعض هذه المقابر، خاصة في المقابر رقم 10 و13 و25 من المجموعة الشرقية من الجبانة القبلية، كما ظهرت تكسيات جصية في بعض المقابر الأخري، مثل المقابر رقم 12 و31، من المجموعة الشرقية من الجبانة القبلية، والمقبرة رقم 5 من المجموعة الغربية من الجبانة القبلية.
مجلة علمية معرفية وثائقية تتناول الشخصية المصرية