علي بعد ما يقرب من 200 كيلو متر من العاصمة المصرية القاهرة، وتحديدًا في محافظة بني سويف، يقع أحد أقدم الكهوف في العالم، تكون نتيجة عدد من التفاعلات الكيميائية للمياه الجوفية تحت سطح الأرض واختلاطها بالحجر الجيرى، منذ العصر الإيوسينى أى منذ 40 مليون سنة، ما أدي إلي انتاج رخام "الألباستر"، أحد أجود أنواع الرخام فى العالم، وبرع المصري القديم في استخدامه فى صناعه أوانى الزينة.
يُعد "كهف سنور" أحد أهم مخازن المحاجر التي اعتمد عليها النحات المصري في صناعة تاريخه، من تماثيل حجرية، فقد كان يستخرج منه خام الألباستر لنحت التماثيل، وصناعة الأواني والمزهريات والجعارين، وغيرها من الأدوات التي وجدت في مقابر الملوك والعامة، وظلت محجرًا رئيسيًا لخام الرخام حتي عام 1991، وفي مطلع عام 1992 وأثناء انهماك عمال المحاجر في العمل، حدث تفجير أظهر فتحة أدت لإكتشاف الكهف.
بمجرد أن انتهت الدراسات والأبحاث العلمية والجيولوجية، والتي توصلت إلي أهمية الكهف باعتبارة أحد أقدم كهوف العالم، والدائم الرئيسي للمصريين القدماء في صنع حضارتهم الحجرية، أصدر رئيس مجلس الوزراء القرار رقم 1204 لسنة 1992، والذى نص على تسجيل كهف وادى سنور محمية طبيعية، وذلك فى إطار القانون رقم 102 لسنة 1983 بشأن المحميات الطبيعية، والتي نصت المادة الثالثة منه على حظر القيام بأى أعمال أو تصرفات أو أنشطة أو إجراءات من شأنها إتلاف وتدهور البيئة الطبيعية والبرية المحيطة به.
يُعد كهف وادي سنور جزءً الصحراء الشرقية، حيث يقع داخل هضبة المعاذة إلى الشمال من وادى سنور شرق بنى سويف، أي علي بُعد 70 كيلو متر من مدينة بني سويف، وهي منطقة تغطيها صخور الحجر الجيرى الإيوسيني، يستلزم الوصول إليها عبور عدد من المدقات والكثبان الرملية بالسيارة لاكثر من ساعة، ثم تبدأ الرحلة سيرًا علي الأقدام لمسافة لا تقل عن نصف ساعة أخري.
يتمد كهف سنور بطول 275 متر، ويصل أقصى إتساع له إلي حوالى 15 متر، وإرتفاع 10 أمتار، كما تصل مساحته الكلية إلي حوالي 1500 مترًا مربعًا، يمتلئ بتراكيب جيولوجية تُعرف بالهوابط والصواعد من حجر الالباستر تتخذ أشكال رائعة، كما إنه يمتد داخل الأرض لمسافة تصل إلي 700 متر، وذلك بعد أن يصل إلي عمق 15 متر، ويتكون من ترسيبات كلسيه في أشكال مختلفة عن بعضها البعض، ويعتقد الجيولوجيون ان كهف سنور يوجد كهف أخر تحته ولكنه لم يُكتشف بعد.
يعود الكهف إلي العصر الإيوسيني الأوسط، أي منذ حوالى 47 مليون سنة، فقد بدأت المياه بإذابة الحجر الجيري مكونة حفر إذابة صغيرة، قبل أن تتصل ببعضها البعض، ما أدي إلأي تكوين تجويف صغير، ظل هذا التجويف يكبر ويتسع، ومع غزارة المياة الموجودة وأستمرارها، أدي إلى نشأته وتدرج منسوب المياه فيه، ومع التغير المناخى وميلة إلى الجفاف، بدأت المياة المخزنه في التسرب من خلال الشقوق، ما أدي إلي تكون بعض المحاليل والأحماض والرواسب التي تقف شاهدة علي وجود فترات رطبة مرت بها أرض وادي سنور والصحراء الشرقية.
اما شكل الكهف نفسه، فهو قوسى الشكل، يتوسط سقفه الفتحة المؤدية إليه، يوجد علي بوابته سلم خشبى يمتد لثلاث طوابق لأسفل، وعندها ينقسم الكهف إلى معرضين قسمين للظواهر الطبيعية، قسم يوجد علي اليمين، ويُعد أروع أقسام ذلك الكهف، لكثرة ما به من هوابط صخرية تتدلي من اعلي سقف الكهف، تبدوا وكأنها بللورات كرستالية نقية، تأخذ الشكل المخروطي، كما تظهر أيضا العديد من الصواعد، وتشبه في شكلها الشعاب المرجانية، كما قد تتلاحم تلك الصواعد مع الهوابط مكونة أعمدة تختلف سمكها من مكان لأخر، أغلبها مغطى بنتوءات حادة تسمي بالقش الصخرى، وعلي أرض الكهف توجد العديد من الصواعد والهوابط التي إنهارت بفعل الجاذبية أو الزمن الانسان وتفجيراته اثناء التحجير.
أما عن الجزء الأيسر من الكهف، فكان أكثر انحدارًا وانخفاضًا من الجزء الأيمن، ما يدل علي إمتلائه بالمياه يومًا ما، كما انه يتميز بالرواسب الناعمة وجمال جدرانه وتداخل الوانه، كما يمكن تمييز صوت الحمام الذي يسكن هذا الجنب من الكهف، وفي كلا القسمين تنتشر الرواسب الطيميية.
علي بُعد 2.5 كيلو متر جنوب شرق الكهف، عثر الآثريين علي بقايا سد اثري يعود للعصر الروماني، وقد تم إكتشافه عام 2014 في الكيلو 18 من طريق الجيش الصحراوى، والذي يصل بين المنيا وبنى سويف، ويقع بين مرتفعين يصلان إلى 50 متر فوق سطح البحر، كما أن ارتفاع السد نفسه يصل إلي ستة أمتار، ويمتد بطول 71 متر، وتم بناء حوائطه في الإتجاه الشرقي بالطوب الأحمر، بينما الناحية الغربية للحائط فبنيت من الحجر الجيرى، وتوجد فى نفس الاتجاه أربعة حوائط تشكل دعامات للسد.
ويحتوى السد على فتحتين لصب المياه التى تصل إليهما من خلال قناة، والتى كانت تتجمع خلف السد من خلال كوتين رأسيتين تمتدان داخل الحائط المشيد من الطوب الأحمر المغطى بالألباستر، لمنع تسرب المياه، ويبلغ طوله حوالي 210 سم، وعرض 180 سم، وعمق 150 سم، وتعود أهمية السد إلي احتجازه لمياة السيول والأمطار، بالإضافة لحجزه كميات كبيرة من طمى الجبال المحيطة، وذلك لاستخدامه فى صناعة المنتجات الخاصة، كالأوانى الفخارية، وقوالب الطوب الأحمر باستخدام الفرن الذى يبعد حوالي عشرين مترا عن جسم السد.
رغم من أن كهف وادى سنور من أكثر الكهوف في العالم أهمية، لما فيه من ظواهر تجذب الباحثين من كافة انحاء العالم، بالإضافة للهواة الباحثين عن التميز، إلا أنه يعانى من التجاهل والإهمال، وعدم وضعة في الخريطة السياحة، وتطاول بعض الزائرين وتشويهة دون رقابة أو عقاب، وذلك مقارنة بالإهتمام من الجانب العالمى.
مجلة علمية معرفية وثائقية تتناول الشخصية المصرية