"كنوز مفقودة يجب الاستفادة منها".. هكذا وصفهم خبراء البيئة، فقد منح الله مصر موقعًا جغرافيًا استراتيجيًا، جعلها استراحة متميزة للطيور المهاجرة، تلك الطيور التي تهرب من برد الشتاء في أوروبا وتأتي إلي مصر مرتين سنويًا، مرة في الربيع وأخري في الخريف، ما جعل أرض المحروسة أحد المسارات الرئيسية لها، بل وتحولها إلي جسر بري بين ثلاث قارات، وتعتبر كذلك ثان أهم مسار على مستوي العالم بالنسبة للطيور المحلقة.
ورغم ما تعانيه الطيور المهاجر تظل مصر بموقعها الفريد أعظم مسارات الهجرة عالميًا، فقد منح الله مصر موقعًا جغرافيًا استراتيجيًا، حيث يمر خلالها مسار الأخدود الأفريقي العظيم، وهو ثاني أكبر مسار لهجرة الطيور في العالم، يمر بها سنويا أكثر من 2 مليون طائر ينتمون لأكثر من 500 نوع، بينهم 37 نوع من الطيور الحوامة، وذلك في فصلي الخريف والربيع، حيث يهاجر أكثر من 2 مليون طائر سنويا خلال هذا المسار، بينهم أكثر من 1.2 مليون طائر جارح، و500 ألف لقلق أبيض، و66 ألف بجعة، ومن بين تلك الطيور هناك ستة عشر نوعًا من الطيور المهددة بالانقراض نتيجة لعدد كبير من الأسباب.
تتميز الأراضي المصرية ببيئة صالحة لحياة الطيور المهاجرة، لذلك هناك 34 موقعًا يضم البيئات الأساسية، ففيها الأراضي الرطبة والجبال عالية الارتفاع، ووديان الصحراء والمسطحات الشاطئية والجزر البحرية، أهم تلك المواقع بحيرة البردويل، وادي الريان، جزيرة الزبرجد، جنوب مرسى علم، القسيم، الزرانيق ببحيرة البردويل في شمال سيناء، وادي النطرون، جزر سيال بالبحر الأحمر، جنوب النيل، جزر روابل بالبحر الأحمر، البحيرات المرة بالقرب من قناة السويس، خزان أسوان، نبق على خليج العقبة، السويس، بحيرة المنزلة، بحيرة ناصر، جبل علبة، جبل الزيت، بحيرة البرلس، جزر الغردقة، سهل القاع بجنوب سيناء، بحيرة ادكو إحدى البحيرات الشمالية المصرية، جزيرة تيران، رأس محمد، بحيرة مريوط، جزيرة وادي الجمال، جبل مغارة، العين السخنة، بحيرة قارون.
أما عن الخريطة التي تتبعها تلك الطيور كل عام، فهي تأتى من أوروبا إلى شرق آسيا مرورا بالبحر الأحمر في مصر، فمسار تلك الهجرة يعتبر من أضخم المسارات في العالم، خاصة وأنه يربط بين مواقع التعشيش في أوروبا ومناطق التشتية في أفريقيا للطيور المهاجرة، وتتخذ في ذلك 5 نقاط رئيسية، وهى السويس، العين السخنة، سهل القاع، جبل الزيت، رأس محمد، ثم تستمر الطيور في رحلتها جنوبا إلى شرق وجنوب إفريقيا، قبل أن تعود من جديد بنفس مسار الرحلة، أهم تلك الطيور الصقور والنسور والبجع واللقالق التي تصل أعدادها إلى 37 نوع، بالإضافة إلي "الطيور المائية" التي تصل إلى 255 نوع، و"الطيور البرية" الأخرى.
ورغم أن الدولة المصرية تقوم بجهود حقيقية للحفاظ علي تلك الثروة القومية، سواء من خلال سن القوانين الحازمة، حتي أنها اضطرت لتطبيق نظم الإيقاف المؤقت لطواحين الهواء بالقرب من تلك المسارات، أو من خلال الاستفادة القصوى من موسم الهجرة، وذلك من خلال مشروع "صون الطيور الحوامة"، والذي يهدف للترويج لسياحة مشاهدة الطيور، والتي من الممكن أن تصبح أحد الروافد الأساسية للسياحة المصرية، فقد تم تدريب المرشدين السياحيين، وتجهيز نقاط لمشاهدة هجرات الطيور في المواسم المختلفة، بل وإقامة مواقع للترويج على شبكة الإنترنت.
تنطلق الطيور المهاجرة خريفًا من مناطق التكاثر في شرق أوروبا، وغرب آسيا، جنوبا إلي شمال ووسط القارة الأفريقية، وذلك بحثًا عن الدفء والغذاء، وربيعا في الهجرة العكسية من أفريقيا إلي مناطق التكاثر مجددًا، وفي فصل الخريف يمكن رؤية تلك الأعداد الكبيرة في جنوب سيناء، علي الأخص في منطقة محمية رأس محمد، حيث تعتبر منطقة راحة وغذاء على مسار الهجرة، وفي الربيع يمكن رؤيتها على سواحل البحر الأحمر، كما يمكن رؤية بعض الأعداد في أغلب أنحاء الجمهورية لكن بأعداد قليلة.
في الغالب الأعم تقضي العديد من الطيور المهاجرة فصل الشتاء في مصر، وذلك على سواحل البحرين المتوسط والأحمر وبطول وادي النيل، علي الأخص في الجنوب بأسوان وبحيرة ناصر، فهناك بعض الطيور يمكن رؤيتها بأعداد كبيرة مثل اللقلق الأبيض، البجع، حوام السهول، حوام العسل، كما يمكن رؤية بعض الطيور المهددة بخطر الانقراض مثل الرخمة المصرية، والتي قدسها أجدادنا القدماء المصريين، ورغم ذلك تُعد من الطيور الخمسة المهددة بالانقراض، إضافة إلي الصقر الحر، ملك العقبان الشرقي، العقاب المنقط الكبير، أبو منجل الأصلع.
ويتضمن مسار الهجرة التي تمر بمصر منطقة وادي الأردن وصولاً إلى سوريا ولبنان والأردن وفلسطين، وبعد ذلك ينقسم إلى ثلاثة أقسام من خلال ممرين يعبران من خلال خليج السويس حيث يمر أحدها من أسفل وادي النيل والثاني من الساحل الغربي للبحر الأحمر، مصر والسودان وإريتريا وإثيوبيا وجيبوتي، ويتبع الممر الثالث الساحل الشرقي للبحر الأحمر، السعودية واليمن، مروراً بالطرف الجنوبي لمضيق باب المندب ليتصل مرة أخرى مع الممرين الآخرين قبل الاستكمال جنوباً إلى حفرة الإنهدام في شرق أفريقيا.
أنواع الطيور المهاجرة
كما قلنا هناك أكثر من 500 نوع من الطيور المهاجرة تزور مصر سنويًا، تأتي علي رأس قائمة تلك الطيور أهمية طائر الصرد أحمر الظهر، أو ما يمكن تسميته "Red-backed Shrike"، ويعرف في مصر باسم "دقناش الأكحل"، واسمه العلمي "Lanius collurio"، ويفد إلى مصر في الخريف ويمكث عدة أسابيع، وغالبا ما يوجد في المناطق الصحراوية الظليلة أو على قمم الأشجار، وهناك أيضًا الهدهد Hoopoe، ويتواجد في عدة مناطق بالعالم، منها جنوب أوروبا ومناطق في إفريقيا، يفد إلى مصر في الخريف حيث الطقس الملائم لتزاوجه، وهناك أنواع محلية هجين منه في مصر.
هناك أيضا طائر صقر الغزال ""Saker Falcon، والمهدد بالانقراض نتيجة للصيد الجائر وعملية التدريب علي الصيد، والتي تتم بشكل غير احترافي يؤدي إلي موته، يأتي من شرق أوروبا مرورًا بآسيا الوسطي، ويصل في الشتاء إلي شبه الجزيرة العربية وإثيوبيا ومصر، بالإضافة إلي طائر دراسة الشعير، أو ""Ortolan bunting، وهو من الطيور الأوروبية التي تفد إلى مصر خلال الصيف للتكاثر، ويُعد أحد الأطباق الفرنسية التي تقدمها المطاعم، وفي مصر يتم اصطياده وأكله ما يضعه في قائمة الطيور المهددة.
أما طائر اللقلق الأبيض، أو Ciconia ciconia""، والذي يُعد أحد أشهر الطيور الوافدة إلي مصر، فهو طائر أوروبي بالأساس يهاجر إلى المناطق الدافئة في تركيا وبلاد الشام وشمال إفريقيا، وهو من الطيور الصامتة أي لا يميل إلي إطلاق الأصوات إلا في الأعشاش، ويمثل رمزًا للخصوبة، ويأتي إلى مصر في الربيع ويرحل في الخريف، ويتواجد في المناطق الزراعية في الدلتا والصعيد.
منذ سنوات تغنت السيدة فيروز بطائر الوروار، ذلك الطائر الصغير الذي يستخدمونه في بلاد الشرق في زينة المنازل، اسمه الوروار الشرقي "الأخضر"، أو ""Merops orientalis، وهو طائر متواجد على خط جغرافي واحد يحيط بالأرض، من السنغال وجامبيا في غرب إفريقيا إلى وادي النيل وإثيوبيا في شرقها، ثم الجزيرة العربية مرورا بالهند حتى فيتنام، وإن كان لا يوجد في أمريكا الجنوبية، وبعض طيور الوروار تمكث في مصر لمدة تصل إلى 6 أشهر، من بداية إبريل حتى نهاية سبتمبر، ويمتاز بأنه لا يصاب بالرهبة من الصخب حوله، وعادة يتم صيده في مصر لغرض التربية والزينة، لكن أحيانا قليلة ما يُصطاد للأكل.
يُعد طائر السمان، أو "common quail"، أحد أفراد عائلة " Phasianidae" والتي تضم الدواجن أيضًا، وهو طائر يعيش في أوروبا، بعض أعراقه الهجينة تعيش في وسط وغرب إفريقيا، ويهاجر إلى مصر في الشتاء، وعادة ما يتواجد بمحاذاة الشواطئ ويتم اصطياده للحمه الشهي، ويعتقد البعض أنه جزء من الطعام الإلهي المعروف بالسلوى، والذي مُنح لبني إسرائيل بعد هروبهم إلى سيناء كما ورد في القصص القرآني، وهناك أيضًا طائر أبو الفصاد، أو "Wagtail"، ويطلق عليه في الجزيرة العربية اسم ذعرة أو الصعوة، فهو يحرك ذيله للأعلى والأسفل أثناء أكله الحشرات والديدان، ويقضي شتاءه وربيعه في دول دافئة مثل مصر، ويعود إلى أوروبا مجددا من مايو إلى يوليو حيث فترة التخصيب والفقس، ثم تربية الصغار إلى شهر أكتوبر.
مجلة علمية معرفية وثائقية تتناول الشخصية المصرية