منذ أكثر من ثمانية وثلاثون قرنًا مضت، وتحديدًا في عهد الأسرة الثانية عشر، قرر الملك أمنمحات الثالث بناء قناة تصل نهر النيل بمنخفض يقع شمال غرب مدينه بني سويف، ثم أقام علي النهر سدين، وذلك لتخزين مياة النهر طيلة أشهر الفيضان، لتشكل فيما بعد أحد أكبر البحيرات الطبيعية في مصر، وطبقا لما ذكره هيرودوت، كانت تلك البحيرة تخزن المياه ستة أشهر وتمد الأراضي بالمياه ستة أشهر.
عرفها المصري القديم باسم "البارون"، والتي يُعتقد أن اسمها الحالي بحيرة "قارون" جاء نتيجة تحريف لها، وإن كان البعض يعتقد أن الاسم الحقيقي جاء من كثرة الخلجان والبروز، والتي يطلق عليها أهل الفيوم اسم "قرن"، مثل قرن أبو نعمة، وقرن المحاطب، وقرن الجزيرة، وجزيرة القرن الذهبي، ولذلك سماها الأهالي بحيرة القرون، ثم حرفت خلال العصر الإسلامي إلى بحيرة قارون، ما يعني أن تلك البحيرة ليس لها علاقة بـ"قارون" الذي ورد ذكره في القرآن الكريم من قريب أو من بعيد.
منذ سنوات ليست بالبعيدة، كانت بحيرة قارون ملاذًا للملوك والأمراء، فقد كان الملك فاروق يقضي معظم أوقاته في منطقة اللسان داخل البحيرة، والتي قام بإنشائها خصيصًا لممارسة رياضة صيد البط، كما تتميز البحيرة بأنها واحده من أهم استراحات طائر "الفلامنجو" المهاجر.
في عام 1989 تم إعلان بحيرة قارون محمية طبيعية، لاحتوائها علي مجموعات متنوعة من النباتات الطبيعية النادرة، والكثير من الكائنات البحرية كأسماك الموسى، والبلطي الأخضر، والبوري، والطوبار، والقزازي، والجمبري الأبيض، إضافة إلي الرواسب الحفرية البحرية والنهرية والقارية، والتي يرجع عمرها إلى حوالي 40 مليون سنة مضت، أهم تلك الحفريات حيوان الفيوم الضخم الذي يشبه "الخرتيت"، وبعض أسلاف الحيوانات الحالية كـ"الأفيال، فرس النهر، الدلافين، أسماك القرش"، وبعض أسلاف الطيور التي عاشت في أفريقيا، كما نجد أيضا حفريات أقدم قرد في العالم "ايجيبتوبثكس"، والذي يرجع عمره إلى عصر الأوليجوسين، وبعض الأشجار المتحجرة.
تعد بحيرة قارون أحد أقدم البحيرات الطبيعية في العالم، وهى الباقية من بحيرة موريس"Moeris" ، هو تحريف يوناني للاسم الفرعوني "مـِر-وِر"، أي البحيرة الكبيرة، فقد كانت تغطي مدينة الفيوم حاليا، وكان لها عده أسماء منها البحيرة النقية، وبحيرة أوزيريس، اشتهرت تلك البحيرة بذلك الاعتقاد الذي يقول أن بحيرة قارون هي الأرض التي خسف الله فيها قارون، ولكن البعض كذب تلك الرواية، وقال أن الرواية الحقيقية بأنه تم تسميتها باسم (بارون) في عصر الفراعنة، وبسبب تشابه الأسماء تم تسميتها بقارون في العصر الحديث.
تقع بحيرة قارون في مدينة الفيوم في الشمال الغربي من مدينة بني سويف وتبعد بنحو 50 كيلو مترا غرب نهر النيل، وهي من أكبر البحيرات الطبيعية حيث تبلغ مساحتها 330 كيلو متر مربع حاليا بعد تعرضها للتقلص بسبب الجفاف في مصر، أما عن طبيعتها فتعد أحد أعمق البحيرات في مصر حيث يصل متوسط عمقها في بعض الأماكن إلي 14 متر، وتعتمد علي مصرفي البطس والوادي لتغذيها بالمياه، إلى جانب اثني عشر مصرفاً فرعياً، ما أدي ذلك إلي ارتفاع نسبة الملوحة، فتقلصت الثروة السمكية, وتحولت إلى بحيرة شبه ميتة، ما دفع الصيادين إلي هجرة المنطقة منذ ثمانينيات القرن الماضي، خاصة بعد أن تعرضت أسماك البلطي والبوري وسمك موسى إلى ما يشبه الانقراض من البحيرة.
مجلة علمية معرفية وثائقية تتناول الشخصية المصرية