يرفعون شعار لا للخيانه

"الحب عند الحيوانات".. فنون العشق والغزل والمداعبة والغيرة الذي تعلم منه البشر

"وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم".. جاءت الآية 38 من سورة الأنعام، لتؤكد أن ما يسير علي الأرض من كائنات ما هي إلا أمم كالبشر، تعيش وتموت، تأكل وتشرب، تعمل وتجتهد، تكره وتحب، أي أنها تتمتع بالحياة الاجتماعية الكاملة التي يتمتع بها البشر.

 

هل تعلم أن الحيوانات تتقن فن الغزل أكثر مما يتقنه الكثير من البشر؟، هل تعلم أنها تتبادل الهدايا فيما بينها؟، هل تعلم أنها تحب من أول نظرة؟، خاصة في موسم التزاوج، تلك المعلومات المثيرة للدهشة قدمها الصندوق العالمي لحماية الطبيعة، والذي أكد أن فن الهدايا من الفنون المُحببة لأكثر الحيوانات، خاصة لو كانت تلك الهدية شهية ذات طعم طيب، كالقردة، والبطاريق، وغيرها من الكائنات.

نعم الحيوانات تُحب، بل وتعيش وتتنفس هذا الحب، وأسمي من مجرد تزاوج وإنجاب، فحينما يعجب ذكر بأنثى، يسهر الليالي يفكر في استمالتها، وكسب عواطفها بألوان من الغزل العفيف، بل أنه يرقص أحيانًا من أجلها، ويعزف بصوته أعذب الألحان، بين الحين والأخر يرسل إليها رسالة عشق عبر الهواء، رسالة محملة بالعطور الفواحة والروائح الجذابة، يبهرها دائمًا بأضوائه البراقة، يتزين لها ويتجمل، أو يستعرض قوته وعضلاته، كل ذلك من أجل أن تستجيب الأنثى، الأكثر من ذلك أنثى الحيوانات والطيور لا تخجل من فعل ذلك من أجل إغواء ذكر يعجبها.

 

في كتابه الممتع "الحب والفن عند الحيوان"، حاول الدكتور كمال شرقاوي غزالي الإجابة علي بعض الأسئلة المهمة، هل تعرف الحيوانات الحب؟ وهل تمارسه؟ وكيف تفعل ذلك؟، هل هناك أصول وتقاليد للخطبة والزواج في عالم الحيوان؟! وكيف تتم الخطبة ومراسم الزواج؟، هل يعرف الحيوان الفن، الموسيقى، الفنون التشكيلية البصرية؟، هل ينتجها؟، هل يتذوقها ويستمتع بها؟، ففي رأيه ليس أي ذكر يعشق أي أنثى، كما أنه ليست كل أنثى تعشق أي ذكر.

الدكتور كمال شرقاوي غزالي، أظهر في كتابه كيف أن الحيوانات تقع في الحب من أول نظرة، وقال أن الذبابة المنزلية علي سبيل المثال يستجيب للأنثى التي من نفس نوعه بمجرد رؤيتها؛ فيطير إليها على بعد مسافة طويلة؛ ليقف فوق ظهرها، كما أن مرور أنثى سرطان البحر في موسم التكاثر أمام ذكر، فإنه يلقي بنفسه أمامها، ويقف على أطراف أقدامه ويرفع مخلبيه الضخمين ذوي الألوان الزاهية إلى أعلى بصلابة واستعراض، فإذا لم تعره الأنثى أي اهتمام، حاول مرة ثانية، فإذا ابتعدت عنه وتجاهلته، يعود إلى جحره يائسًا، وقد شعر أنها لا تقبل غزله.

 

والأن، هل تعتقد ان لقاء العاشقين من الحيوانات في عشهم الأبدي يحدث فجأة، تلك النقطة تحديدًا جعلت الجميع يدرك أن الحب في عالم الحيوانات يتسم بالرقي من بعض البشر، فهناك حالة من التمهيد النفسي والغرامي تحدث قبل هذا اللقاء، فذكر ذباب الدروسوفيلا علي سبيل المثال يقوم بهز أجنحته بشكل سريع، أو يجعلها على شكل مقص ثم يقترب من الأنثى، ويأخذ في الدوران حولها، فإذا كانت تقبل هذا الذكر زوجًا لها، فإنها تقف مستكينة مستسلمة في نفس مكانها، وتفرد له أجنحتها كأنها ترحب به، أما إذا لم تكن تقبله، فإنها تشيح بوجهها عنه، وتنصرف إلى مكان بعيد.

الثابت في علوم "الإيثولوجيا" أنه من المستحيل أن يواقع الذكر أنثاه بدون موافقتها، فالحيوان لا يفكر بالجنس إلا لغرض التزاوج فقط، لذلك نراهم يتغازلون ويبرزون أجمل ما لديهم للفوز بقلب الأنثى، ولتلبية نداء الطبيعة في أوقات التزاوج، وماعدا هذه الأوقات فالحياة طبيعية فيما بينهم، لذلك لن تجد للتحرش أي معني عند الحيوانات، ولكنه للأسف الشديد أصبح ظاهرة بني البشر، ولو كان لمعشر بني الحيوان إدراك بتلك الصفات التي نطلقها عليهم وصفا للمتحرشين لأعلنوا الحرب علينا.

 

"فن المغازلة".. زمان ضحكوا علينا بمقولة أن "الإنسان حيوان ناطق" أو أن "الإنسان حيوان مُفكر"، أو أن "الإنسان حيوان يتعلم من تجاربه".. وبمرور الزمن إكتشفنا إن "الإنسان لا يرتقي لأن يكون حيواناً".. ونحن إذ نؤكد أن الحيوانات لا ترتكب جُرم التحرش والاغتصاب، ولا تسعي لامتلاك أنثي لا ترغبه، فهذا لا يعني أن الحيوانات كائنات بلا مشاعر، فمن يراقب السلوكيات الحيوانية لعائلاتهم سيدرك جيدا حجم تلك المشاعر في أحد الفنون التي ندعي نحن معشر البشر أننا أصحابها، وهو فن الغزل والحب دون ممارسة.

الملاحظة الأكثر إثارة في فن مغازلة الحيوانات، أنها في كثير من الأحيان تتبع طرقا معقدة في المغازلة، فالذكور عادة تتنافس على الإناث، وكثيرا ما تكون الذكور أكبر حجما وأكثر ألوانا من الإناث، فالطاووس الذكر يجر ذنبا طويلا من الريش الملون، بمجرد أن يري أنثي تعجبه يقوم بفتحه ليصبح علي شكل مروحة جذابة ليلفت نظرها، بعض الحيوانات الأخرى تستعمل أصواتا مختلفة لإستمالة أزواجها، فالضفادع تنق والعصافير تغرد، وبعض الكائنات الأنثوية تلجأ أحيانا إلى إطلاق روائح خاصة لإجتذاب الذكور، فالروائح التي تطلقها بعض الحشرات تصل إلى مسافات بعيدة تستنشقها الأزواج العتيدة وتسارع إلى تلبية النداء، وهناك من ينتهج "مشية" مختلفة، أو "رقصة" جميلة، أو حتي مبارزة إظهار القوة لتفوز سعيدة الحظ بالفائز، ولدى العناكب وفرس النبي عقيدة تقول أن "يجب أن تتبع أساليب المغازلة الصحيحة حتي لا تخطيء الأنثى وتظن أنك إحدى فرائسها فتأكلك".. وهذا ما نفتقده نحن معشر البشر.

 

"هل تعلم أن الحيوانات تأبى التحرش بأناثها لغرض التسلية".. هذا ليس سؤلا يحتاج لإجابة، ولكنه خلاصة ما توصلت إلية أبحاث "الإيثولوجيا"، فمصطلح "تحرش" لا وجود له علي الإطلاق في عرف الحيوان، ولكن هناك بالطبع طقوس غزلية لغرض "التزاوج"، تلك الطقوس التي لا يفهم معاييرها أغلب ذكور البشر، وذكور الحيوانات في مرحلة التزاوج يستعرضون مهاراتهم وجمالهم وقوتهم للفوز بموافقة الأنثى، وربما يتقاتل مع ذكر أخر من نفس الفصيلة، وقد يودي بحياتة من اجل نيل تلك الأنثى التي أحبها.

وكما في بعض البشر، هناك بعض الحيوانات دنيئة الطبع، ينظر بعض ذكورها لإناث ذكور أخري، مثل الخنافس، والتي قد يعاكس أحد الذكور زوجة غيره، وقد يختطفها، ويحدث أن تكون هذه الزوجة عفيفة، فترفض معاكسته وتقاومه بكل جهدها، حتى يأتي زوجها فيدفع عنها معاكسة هذا الذكر المجرم، ولا تكتفي هي بترك زوجها يقاتل بل تساعده في ذلك، وقد تكون الزوجة الخنفساء لعوبًا، فتستجيب لإغراءات ومعاكسات الغرباء، وتذهب معهم، وتتخلى عن زوجها، فتدب نار الغيرة في الزوج المخدوع، ويشتعل غضبًا لتلك الخيانة الزوجية الدنيئة، فيصر على الانتقام والفتك بغريمه، وتدور بذلك معارك عنيفة بين الذكور، وإذا اتخذ الزوج الخنفس عشيقة له، وخان زوجته الأصلية، تنتحر هذه الزوجة وتموت كمدًا.

 

ماذا عن الغيرة، كان من الطبيعي أن تشعر الحيوانات والطيور بالغيرة، فقد أكد علماء أن الطيور تغار من بعضها البعض، كما أنها تشعر بمدى حب صاحبها لها، والأكثر من ذلك، أن التمييز بين الطيور عن طريق المداعبة أو الاهتمام يثير مشاعر الغيرة بين الطيور، مما قد يدفعهم للشجار، كما أن الشمبانزي أحد أكثر الحيوانات غيرة علي شريكة، بل إنه يصبح عدوانياً مثل الإنسان عندما يشتبه في أن شريكة حياته غير وفية، وقد أظهرت الدراسة التي جرت بين عام 1993 وعام 2004 في حديقة كيبالى الوطنية بغربي أوغندا، أن هناك تشابهاً ملحوظاً بين سلوك ذكور الشمبانزى والإنسان، فالكثير منهم إما يشوه شريكة حياته، أو يخرجها من حياته عند الاشتباه في خيانتها.

مجلة علمية معرفية وثائقية تتناول الشخصية المصرية