استأنسه الإنسان منذ 3100 عام

"الجمل".. مرشد الحضارة المصرية وسفينه الصحاري القاحلة

يقف شامخًا وكأنه جزء من تلك الحضارة التي أبهرت العالم آلاف السنين، ما أن تطأ قدميك أرض الفراعين، حتي تجده في استقبالك شامخًا مطلقًا رغاءً عاليًا مهللًا –صوت الجمل"، وصفوه بسفينه الصحراء لقوة تحمله، ارتبط في مصر بالرحلات الترفيهية بالمواقع الأثرية والحضارية، لذك لا تكد سائحًا لتسأله عن مصر، إلا ويقول لك، الجمل.

 

"لا ناقة لي فيها ولا جمل".. بتلك العبارة أعتاد العربي على تبرئة ساحته، والدفاع عن نفسه من أي اتهام ينسب له، فذلك الحيوان أليف رغم ضخامته، خُلق ليثابر وليحتمل الظروف الصحراوية القاسية، برمالها وجوها الخانق، حتى أضحى رمزًا للصبر والاحتمال، رفعه العرب إلى أعلى درجة يمكن أن يصل إليها حيوان أليف، ليصل إلى مكانة واحدة مع صاحبه، لذا أعتاد أهالي البدو على قول "فديتك نفسي وناقتي"، كتعبير عن مدى مكانة مخاطبه.

 

"الجمل"، أو "سفينة الصحراء" كما تعود أن يُطلق علية، حيوان استطاع الإنسان ترويضه واستئناسه منذ عام 1100 قبل الميلاد، أي منذ 3100 عام مضت، ينتمي لرتبة شفعيات الأصابع، من فصيلة الجمليات، يشتهر ببروز فوق ظهره، يسمي "سنم"، وهو عبارة عن كتلة دهنية بارزة، ويوجد نوعين من ذلك الحيوان، الجمل العربي وحيد السنام، والجمل الآسيوي ثنائي السنام، والذي يشبه جمال أمريكا الجنوبية، وهي اللاما، والألبكا، والفيكونا، والغواناكاو.

ويوجد ما يقرب من 20 مليون رأس من الجمال حول العالم، منهم 14 مليون وحيدة السنام، وتستحوذ الدول العربية على 70% منها، وتحتل إفريقيا المركز الأول حيث تمتلك ما يقرب من 75% من الإبل العربية، تليها آسيا بواقع 25%.

 

الجمل من الحيوانات الثديية التي تطورت فسيولوجيا عبر الزمن، فكان أول ظهور له في عصر "الباليوجين" الذي بدأ منذ 65 مليون سنة، وامتد لأكثر من 42 مليون سنة، ويعتقد العلماء أنه نشأ في أمريكا الشمالية في ألاسكا قبل 40 مليون عام، ثم انتقل إلى أمريكا الجنوبية وآسيا، ومن غرب آسيا عبر إلى شبه الجزيرة العربية، ليصل إلى شمال إفريقيا قبل مليون عام تقريبا، قبل أن تختفي من مسقط رأسها الأصلي دون معرفة الأسباب الحقيقية وراء ذلك.

 

رغم حجم الجمل، إلا إنه حيوان سهل الانقياد، لذلك استطاع الإنسان أن يروضه منذ العصور السحيقة، ليكون حلقة الوصل بين المجتمعات من جانب، وأكبر معين للإنسان في الأحمال من جانب آخر، لقدرته على حمل أوزان تصل إلى 300 كيلوجرام، دون كلل أو تعب، كما يتميز بقدرته على تناول نباتات الصحراء الشائكة، فلسانه يكسوه جلد غليظ ومشقوق بحيث لا تؤذيه الأشواك، بجانب فكه القوي، والذي يحتوي على 34 سن ما بين القواطع، والأنياب، والضروس.

والجمل من الحيوانات العشبية المجترة كبيرة الحجم، حيث يتراوح طوله ما بين 1.5 إلى 2.5 متر، ويبلغ وزنه ما بين 400 إلى 600 كيلوجرام، كما تبلغ سرعته 40 كيلومتر في الساعة، ولذلك يمكنه أن يقطع مسافة 200 كيلومتر خلال 12 ساعة، بفضل قوائمه القوية التي تنتهي بخف مرن يغطي أصابعه المزدوجة، مما يسهل عليه السير فوق الرمال الناعمة، كما تقيه درجة حرارة الرمال التي تصل إلى 70 درجة مئوية، خاصة وأن خفه وسيقانه قادرة على تخزين المياه.

 

يتميز الجمل بحواس حادة، لا تتأثر بالعواصف الرملية أو بدرجات الحرارة المرتفعة، فعيونه الواسعة تحفها أهداب كثيفة، وتغطيها جفن شفاف، وأذنيه الصغيرة يحميها الشعر في مقدمتها، أما أنفه فيتمكن من إغلاق فتحتيها، بطريقة تحميها من حبات الرمال المتطايرة، وفي نفس الوقت يتمكن من التنفس بشكل يجعله قادر على تبريد الهواء الداخل إلى جسده، وهذا ما يقلل نسبة تعرقه، فيحتفظ بالمياه، كما إنه لا يتنفس من فمه ولا يلهث مطلقا، حتى درجة حرارة جسده التي تتراوح بين 34 و 42 درجة، فتساعده على عدم التعرق، وإن كانت عندما تصل إلى أقصاها يتعرق قليلا، لكنه وقتها يتبخر على جسده.

 

يكسو الوبر جسد الجمل، ويختلف لونه ما بين الأبيض، والأسود، والبني، والأشقر، وهو يقيه من الحر الشديد، والبرد القارص، وعادة ما يكون الجمل الآسيوي أكثر وبرا من الجمل العربي، ليحميه من برد آسيا الوسطي وشرق آسيا، والتي تصل إلى 30 درجة تحت الصفر في فصل الشتاء، يعلو ظهره سنم يبلغ ارتفاعه 76 سنتيمتر، تتكون من فائض طعام الجمل، وتعتبر أكبر دعم له في أوقات الجفاف، فعندما يشعر بالجوع تذوب لتمنحه الطاقة والماء.

يستطيع الجمل تحمل العطش لأسابيع، وإن عثر على كمية كافية من النباتات العشبية، يتمكن من احتماله لفترة تصل إلى 6 أشهر، لقدرته على استخلاص السوائل التي توجد بها، حتى وإن كانت نباتات شوكية مثل الصبار، ونبات العاقول الذي لا يستطيع أي حيوان عشبي أكله أو هضمه، ومن غرائبه قدرته على شرب المياه المعتدلة الملوحة، وفي حالة العطش الشديد يفقد جسده ما يقرب من 30% من سوائله، دون أن يتأثر، أي بمعدل ثلاث أضعاف ما يفقده الإنسان ويتسبب في موته، فقد يموت الإنسان بسبب فقده 10% من سوائل الجسم، فإذا ما توفر الماء، يشرب ما يقرب من 110 لتر في بضعة دقائق دون أن يتضرر.

 

يتزاوج الجمل في فصل الشتاء، عندما يبلغ الذكر 6 سنوات، والأنثى 4 سنوات، ويستمر فترة حمل الناقة 375 يوما، أي 12 شهر و 10 أيام، تلد بعدها مولودًا واحدًا، يبلغ طوله 90 سم، ويصل وزنه إلى 36 كيلوجرام، يتمكن الصغير خلال ساعات من الوقوف واللحاق بالقطيع، وتصل فترة رضاعته عام كامل حتى يُفطم، فيُسمى الفصيل، وتصل الفترة بين الولادتين نحو 730 يوما، أي عامين كاملين، وتلد الأنثى الواحدة 12 مولود طوال حياتها، ويعد ذلك الحيوان من الكائنات المتوسطة العمر، حيث يتراوح عمره ما بين 40 إلى 50 عام.

 

من أشهر الدول التي تقوم بتربية الإبل الصومال والسودان وموريتانيا، وإثيوبيا وكينيا وليبيا ومصر، مرورا بالسعودية وتونس، وصولا إلى منغوليا والصين والهند وباكستان، لكن التقدم التكنولوجي وانتشار سيارات الدفع الرباعي في بعض الدول العربية، جعل مربيها يهملوا تربيتها ويهاجرون إلى المدن.

اكتشاف الباحثين لأهمية لحومها وألبانها المضادة للبكتريا، والتي تقوي المناعة، ولا تضر مريض السكر، إلى جانب غناها بالفيتامينات والمعادن بدرجة تفوق لحوم وألبان المواشي، حفظها من الدخول في القائمة الحمراء للحيوانات المعرضة للإنقراض، فقد أصبحت بلا مقدمات تمثل قيمة اقتصادية، حتى أن بعض الدول قامت بمحاولات جادة لتهجين الجمل العربي بالجمل الآسيوي، بهدف إنتاج فصيلة جديدة تحمل صفات مشتركة بين الأثنين، ونتج عن المحاولة في دولة الإمارات العربية إنتاج فصيلة أطلق عليها أسم "راما"، بالإضافة إلى استخدامها في مهرجانات ومسابقات الهجن، التي تقام في بعض دول الخليج.

مجلة علمية معرفية وثائقية تتناول الشخصية المصرية