أحد الفنون المسرحية التي خرجت من رحم الكنيسة الغربية، بدايات عصر النهضة، وتحديدا نهاية القرن السادس عشر، وبداية القرن السابع عشر، تعتمد على الشعر والموسيقى الكلاسيكية، وبمزجهما تخرج عروض ذات حبكة درامية، انطلقت من ساحل البحر المتوسط لتنتشر في العالم أجمع، أطلقوا علية إسم "أوبرا".
في مُعجم المعاني الجامع وردت كلمة "أوبرا"، وتعني عمل مسرحي موسيقي مؤلف من أناشيد وحوارات غنائية متعددة الأصوات، كما أن لفظة "أوبريت" تعني مسرحية غنائية قصيرة، تشتمل على حبكة عاطفية نهايتها سعيدة، كما تحتوي على مواقف حوارية، رقص تعبيري أو استعراضي، كما يعرفها أحمد بيومي في القاموس الموسيقي بأنها عمل مسرحي درامي متكامل يعتمد على الموسيقى والغناء، ويؤدى بالغناء بطبقاته ومجموعاته المختلفة، وتشمل الفقرات على الشعر والموسيقي والغناء والباليه والديكور والفنون التشكيلية والتمثيل الصامت والمزج بينها، كما تشمل أغانيها على الفرديات والثنائيات والثلاثيات والإلقاء المنغم أو "الرسيتاتيف"، والغناء الجماعي أو "الكورال"، وبمصاحبة الأوركسترا الكاملة
بدأ فن الأوبرا في إيطاليا عام 1600 ميلادية، وإن كان جذوره التاريخية ترجع إلى بدايات الكنيسة في العالم الغربي، فكان رجال الدين يشكلون فرق خاصة مهمتها إلقاء الترانيم والابتهالات في الأعياد الدينية، سُميت تلك الفرق بـ"المدائحيات"، والتي كانت يوم ما تقدم عروضها داخل الكنيسة فقط، ثم انتقلت إلى باحات الكنيسة، ومنها إلى الساحات، وفي القرن الـ15 ظهرت المنصة لأول مرة، بظهور المسلسلات الدينية، وكان الكيان الدرامي وقتها يعتمد على مقاطع شعرية تتكون من 8 أبيات، وهو ما كان يتبعه الغناء الشعبي في ذلك العصر.
أما داخل البلاط الملكي وقصور النبلاء، اتخذت العروض شكل آخر يتسم بالفخامة، سواء في ملابس المداحين التي كانت تُختار بعناية، أو في ديكور المسرح فلم يعتمد على الرسوم فقط وإنما أستخدم فني النحت والهندسة، ويعتبر "رافائيل" و"برامانتة" و"اريوسته" أعظم فناني إيطاليا في القرن الـ16، الذين قاموا بعمل ديكورات تمزج بين الرسم والهندسة، حتى المسرحية ذاتها كان لها تعاليم خاصة بحركة الممثلين وطريقة نطقهم للكلام، كما دخلت الأوركيسترا الموسيقية لأول مرة مع كلمات المسرحية، بالإضافة إلى فواصل موسيقية ذات طابع أسطوري.
كانت مسرحية "دافني" أولي الأعمال الأوبرالية التي قُدمت على مسرح، قام بتلحينها وغناؤها الإيطالي "جاكوبو بيري" عام 1597، ليخرج الفن الأوبرالي من إيطاليا إلى ألمانيا وفرنسا وإنجلترا، وتمكنوا من خلاله توثيق التاريخ الوطني، رغم ذلك استمرت السيطرة الإيطالية على ذلك الفن في أرجاء القارة الأوروبية، فيما عدا فرنسا حتى القرن الـ18، ولذلك كان يقصدها الكثير من المؤلفين، أمثال الموسيقي الإنجليزي "جورج فريدريك هاندل"، المتخصص في فن "الأوراتوريو"، وهو فن الدراما الموسيقية، والتي تناقش المواضيع الدينية، هذا الفن يشبه كثيرًا فن الأوبرا، ولقد لاقت أعماله نجاحًا عظيمًا في القارة الأوروبية، لأنها كانت تمثل خلاصة الأساليب الموسيقية في أوروبا.
كانت الأعمال الأوبرالية في أوج مجدها ورقيها في الربع الأول من القرن الـ18 في إيطاليا، ولكنها تغيرت كثيرًا مع ظهور الملحن الألماني "كريستوف فيليبالد غلوك"، فقد أضاف لها الحقيقة الدراماتيكية ليحاكي الواقع، دخل بسببة في صراع مع المدافعين عن الأوبرا الإيطالية، وفي أواخر القرن الـ18، حتي جاء الفنان النمساوي "فولفغانغ أماديوس موتسارت"، ليؤثر بالكوميديا علي الفن الأوبرالي، ومن أشهر أعمالة الكوميدية "دون جوفاني" و "كوزي فان توتي".
وفي القرن الـ19 وصل فن وعلم التقنيات الصوتية الذي يُسمى بـ"بل كانتو"، والذي بدأ في إيطاليا منذ أواخر القرن الـ17، إلى ذروة مجده، ومن رواد ذلك الفن الملحن الإيطالي "جواكينو روسيني"، وأشهر أعماله عُطيل التي قدمت عام 1816، و"دومينيكو غايتانو ماريا دونيزيتي"، وأشهر أعماله "عروس لاميرمور"، التي قدمت عام 1835، و"فينشينسو سالفاتوري كارميلو فرانشيسكو بيلـّيني"، واستمر ذلك العصر الذهبي حتى أواخر القرن الـ19.
تضم الأوبرا العديد من المناظر الطبيعية، والأزياء، وفي بعض الأحيان تشمل الرقص، وعادة ما تقدم العروض في دار الأوبرا، مصحوبة بأوركسترا يقودها مايسترو متخصص في الفن الأوبرالي، وتتكون الأوبرا التقليدية من "ريديتيفي"، وهي ممرات القيادة المؤنسة التي تنشد بأسلوب مصمم لوضع الإيماءات في الكلام، و"أريا" وهي الأغاني الرسمية، تعبر فيها الشخصيات عن عواطفها بأسلوب لحني أكثر تنظيمًا، كما توجد أشكال مختلفة من الأوبرا، الأوبرا الهزلية، والأوبريتا أخف أنواع الأوبرا في الموسيقى والموضوع، وشبه الأوبرا التي تجمع المسرحيات المحكية، كمسرحيات الملك آرثر والملكة الجنية لشكسبير.
مجلة علمية معرفية وثائقية تتناول الشخصية المصرية