كشفت عنها برديات هيرست وإدوين سميث وقرطاس

"مساحيق التجميل".. إبتكار مصري عمرة 7 آلاف سنة.. بدأ بالكحل ومرطبات البشرة وطلاء الأظافر

"المرأة بلا طلاء كالطعام بلا ملح".. بتلك العبارة أوضح الكاتب المسرحي الروماني "تيتوس ماكيوس بلاوتس" في أواخر القرن الثالث قبل الميلاد، أهمية تلك المساحيق للمرأة، فعشق الجمال دائمًا ما يدفعها للإبداع في إنتاجها، ورغم إنها بدأت بوسائل بسيطة، إلا إنها أصبحت اليوم متطورة ومتنوعة بدرجة كبيرة، وان كان هذا نتاج آلاف السنين من علوم كافة الحضارات الإنسانية، فمنذ القدم والإنسان يعتبر الجمال شيء مقدس يستحق الدراسة والمجازفة.

 

"مساحيق التجميل".. مجموعة من المنتجات الكيميائية التي تستخدم للعناية بالبشرة أو تزيينها أو تعطيرها، تشتهر بإسم "ميك أب" أو "مكياج"، رغم أن المكياج جزء صغير من مستحضرات التجميل، فهي تصف فقط المنتجات التي تقوم بتلوين البشرة وتجميلها، كطلاء الشفاه والأظافر، والكحل، والعدسات اللاصقة الملونة، أما مساحيق التجميل فتضم الكثير من المنتجات التي تعتني بالبشرة نفسها دون أن تقوم بتلوينها، كمنتجات زيوت الحمام، ومثبتات الشعر، وكريمات العناية بالجلد.

كانت المرأة المصرية القديمة أول من اهتمت بالجمال في التاريخ الإنساني، ويظهر ذلك في محاولاتها تخطيط عيونها بالكحل مع تهذيب الحواجب منذ 5 آلاف سنة قبل الميلاد، الغريب أن خبراء التجميل في العصر الحديث يؤكدون أن أولى خطوات التجميل تبدأ بالعين، وهذا ما سلكته السيدة المصرية قديما، فقد اعتادت أن  ترسم عينيها بطريقة تظهر العين أكثر أتساعًا مما هي عليه، ثم تظلل جفنيها بخطوط خفيفة، وتكحل رموشها بالكحل الأسود، وتعد الملكة نفرتيتي والملكة كليوباترا رمزين لجمال ذلك العصر، اللذان تميزا بكحل العين، وظلال الجفون الزرقاء.

 

وأظهرت الاكتشافات المتوالية للمقابر الفرعونية أن المرأة المصرية استطاعت أن تصنع أنواع مختلفة من الكحل، تستخدمه كويسلة للتجميل والعلاج على حد سواء، فقد عُثر في تلك المقابر على أربعة أوعية مختلفة للكحل، نقش علي أحداها "للاستعمال اليومي"، وعلى الثانية "لفتح العين"، وعلى الثالثة "لنظافة العينين"، والرابعة "لإزالة إفرازات العين"، وقد أثبتت الأبحاث الحديثة أن الكحل يقي من أمراض الرمد، كما أن مادة "الملاخيت" الموجودة به تقاوم نمو البكتيريا، بالإضافة إلى أن دهن الرموش به يقي العين من أشعة الشمس، كما عُثر في بعض المقابر على بعض الأوعية الصغيرة، التي يوجد بداخلها طلاء أحمر وفرشاة صغيرة، كانت تستخدم كأحمر شفاه.

 

وفي عهد تحتمس الثالث في أواخر القرن الـ15 قبل الميلاد، بدأ استخدام مساحيق من شمع العسل كمرطب للبشرة وعلاج للتجاعيد، ولعل ما جاء في بردية هيرست، التي تعود إلى ذلك العصر، وتوجد حاليا في جامعة كاليفورنيا في أمريكا، أول ما تُظهر لنا وصفات مختلفة تعيد الشباب، وتخفي التجاعيد من الوجه، والشيب من الشعر، فبعض الوصفات تزيل من البشرة النمش، والبقع الحمراء، وأساليب مختلفة للحفاظ على نضارة الجلد، بداية من التبخير المعطر بخشب البخور وأوراق شجر البطم، إلى إعداد الدهانات باستخدام العسل أو النطرون الأحمر والملح، ويمكن إضافة مساحيق الالبسترا أو الحلبة المغلية.

أما بردية "إدوين سميث" أقدم وثيقة طبية في تاريخ البشرية، وتعود إلى 3 آلاف عام قبل الميلاد، ويعتقد المؤرخين أن كاتبها هو الطبيب المصري أمنحتب، فتوضح وصفات أخرى بدءًا من عجينة الحلبة المطبوخة والمجففة، ووصفات زيت الأهليج والصمغ، وحتى مرارة الثور، ومسحوق المرمر، والعسل، كما ذكرت بردية قرطاس، والتي تعود إلى القرن الـ15 قبل الميلاد أنهم أستخدموا الشحوم الحيوانية وبعض الزيوت كزيوت الخروع واللوز والكتان والسمسم في التدليك، كما عثر الأثريون على الكثير من أدوات تجعيد الشعر وأمشاط ودبابيس الشعر المستعار.

 

كما ذكرت بعض البرديات الفرعونية وصفات أخرى لإزالة قشرة الرأس، إحدى الوصفات تتم على مرحلتين، الأولى وهي إزالة القشرة بتركيبة ووصفة خاصة تحتوي على زيت السمك، وهذه الوصفة مازال الأطباء يوصفونها لنمو الشعر، لأنها تحتوي على فيتامين (أ)، أيضا توجد وصفات لمنع الشيب ولعلاج سقوط الشعر، واستخدام الحنة في الصباغة الشعر.

وعندما اكتشف المصري القديم خام النحاس والرصاص، صنع منها مادة الغالينا التي كانت تستخدم لتفتيح البشرة وإخفاء آثار الجروح، ولذلك كان يستخدمها المحاربين لإخفاء الإصابات المتخلفة عن المعارك، أما عقار المرمر المستخرج من معدن النحاس، وهو عبارة عن عجينة خضراء زاهية، تستخدم أيضا لتفتيح البشرة، بالإضافة إلى اللوز المحروق، والنحاس المؤكسد، والرصاص والرماد، وهم أساس تركيبة الكحل الذي كان يستخدمه الملوك والكهنة وعلية القوم.

 

وفي القرن الـ30 قبل الميلاد، بدأت الصين استخدام عقاقير التجميل وأدوات الزينة، واتخذت من تصنيف طلاء الأظافر نوع من التفرقة بين الطبقات الاجتماعية، فالألوان الزاهية كالفضة والذهب مقتصرة على العائلة المالكة، ويحظر على العامة من النساء، وأنواع الطلاء الذي كانوا يستخدمونها وقتها الصمغ، والجلاتين، وشمع العسل، والبيض، وفي ذلك الوقت كانت نساء الإغريق تستخدم الرصاص الأبيض كطلاء للوجه، ومسحوق العنب كأحمر شفاه، وتدعم حواجبها بشعر الثيران.

وفي القرن الـ15، بدأت الصين واليابان في استخدام مساحيق الأرز كمستحضرات تبييض للبشرة، كما كانت فتيات الجيشا اليابانية يدهن بشرتهن باللون الأبيض، ويقومن بتحديد عيونهن وشفاههن بالمادة الحمراء التي تُستخلص من نبات الزعفران، كما إنهم استخدموا الصبغات بشكل موسع، فلم يكتفوا بالحناء لصبغ الشعر، إنما كانوا يصبغون أسنانهم أيضا باللون الذهبي أو الأسود، أما عن التجاعيد فاستخدموا فضلات العصافير لمحاربتها.

 

وفي القرن الـ10 قبل الميلاد، بدأ اليونانيون في استخدام الطباشير والرصاص كبودرة للوجه، أما أحمر الشفاه فكانوا يستخدمون أكسيد الرصاص، والحديد الأحمر، وفي الهند، بدأت استخدام الحنة في القرن الـ3 الميلادي، وتفنن شعبها في رسمه، وجعلوه طقوس للزفاف الهندوسي، وفي بعض الاحتفالات الدينية، أما في أوروبا، فبدأ إستخدام تلك العقاقير في القرن الأول الميلادي في إيطاليا، فكانت تستخدم كريمات مرطبة للبشرة مستخلصة من زيت الزيتون وشمع النحل وماء الورد، أما الأظافر فكانوا يطلونها بأحد المستخلصات الناتجة عن مزج دهون الأغنام بالدم، ولأنهم يعشقون العيون الواسعة، استخدموا مستخلص نبات ست الحسن، والذي أصاب بعض النساء بالعمى الدائم.

 

ونتيجة للحروب الصليبية، بدأت أوروبا في استيراد العطور لأول مرة من الشرق الأوسط في القرنين الـ12 و الـ13 الميلادي، وفي بداية القرن الـ15 أصبحت مساحيق التجميل مخصصة للطبقة الأرستقراطية، خاصة مع تطور صناعة الروائح في فرنسا، لكن في القرن الـ19 الميلادي، حظرت الملكة فيكتوريا استخدام تلك المساحيق، لخطورتها على الصحة، لأنها تستخرج من مواد خطيرة، وتسبب شلل في عضلات الوجه كالرصاص والزرنيخ والنحاس، إلا إنها سمحت به للممثلين فقط، وفي العقد الأول من القرن العشرين بدأت عودة المساحيق التجميلية إلى أوربا وأمريكا.

 

في عام 1909 أنشأ رجل الأعمال البولندي ماكسميليان فاكتور شركة "ماكس فاكتور" وهي أول شركة لإنتاج مساحيق التجميل، وكان أول من أطلق عليها "ميك أب" أي مكياج، ومع بزوغ نجم سينما هوليود في أمريكا، افتتحت الكثير من شركات الإنتاج، وأنتشرت صالونات التجميل في كل أنحاء العالم، إلى أن أصبحت أدوات التجميل شيئا أساسيا لا تستغني عنه المرأة اليوم، وانتشرت الآلاف من الأنواع والأدوات المختلفة، وظهرت صيحات جديدة مثل "الكونتور"، وهو المكياج ثلاثي الأبعاد الذي يقوم بنحت الوجه فيمكنه إخفاء عيوب الوجه وإبراز جمالياته.

مجلة علمية معرفية وثائقية تتناول الشخصية المصرية