أسطوانة ورقية صغيرة الحجم، تنطلق إلي السماء لتنفجر، لتنثر ألوانا زاهية وأشكالا جذابة، استخدمت قديما لطرد الأرواح الشريرة وجلب الخير والحظ الوفير، كان لها دورا في تشتيت الأعداء في المعارك، واليوم أصبحت أكثر انتشارا بين الناس في أفراحهم وأعيادهم، رغم أنها مصدر قلق وإزعاج وتلوث بيئي.
"الألعاب النارية".. مقذوفة ضعيفة الانفجار، يستخدمها الناس للتعبير عن البهجة والسرور في احتفالاته المتعددة، حيث يصدر منها أضواء مختلفة الألوان والأشكال، وتزين السماء بأضواء علي شكل أمطار، وقناديل البحر، وذيل الحصان، وشجر النخيل، والكعك، والشمعة الرومانية، والتحية العسكرية، والعنكبوت.
بعض الألعاب النارية حينما ينفجر في السماء تصنع ضجيجا خافتًا، والبعض الأخر يخرج منه قصاصات ورقية، أو قطع من النقود، أو الحلوى، تتناثر هنا وهناك على الناس بشكل يثير البهجة في نفوسهم، لعل أشهر الحفلات التي يتم استخدام الألعاب النارية فيها، حفلات رأس السنة، والألعاب الأولمبية، وعيدي الفطر والأضحي في بعض البلاد الإسلامية، وعيد الأنوار للسيخ والهندوس في الهند، بالإضافة إلي الأعياد الوطنية لبعض البلدان حول العالم.
كانت الصين أول من استخدم الألعاب النارية في القرن السابع الميلادي، في عهد "سلالة تانغ" إحدى السلالات الحاكمة، اعتقادًا منهم أن تلك الألعاب تطرد الأرواح الشريرة وتجلب الحظ السعيد، وقد ذُكر في كتاب الفنون القتالية الصيني "هيو لونغ جينغ"، والذي تُرجم إلى اللغة الإنجليزية تحت عنوان "تنين النار"، أن الصين استخدمت تلك الألعاب في الحروب كوسيلة من وسائل تشتيت انتباه الخصم وتفرقة صفوفه.
طيلة عهد سلالة سونغ، والتي حكمت الصين منذ عام 960 حتى 1279، أصبحت الألعاب النارية جزء من التجارة الداخلية، وفي عام 1110، استخدمت أثناء العرض العسكري السنوي، كنوع من التسلية للإمبراطور "سونغ هويتسونغ"، وفي عام 1264 أقام الملك "سونغ ليتسونغ" احتفالًا عظيمًا على شرف الأمبراوطورة الأم، ولكنها شعرت برعب هائل، إلي أن أضحت اليوم جزء لا يتجزأ من الإحتفالات الشعبية الصينية، وفي القرن الـ13، انتقلت إلي العالم العربي، ووصفها الكيميائي السوري حسن رماح في أحد مخطوطاته بـ"الأزهار الصينية".
وصلت الألعاب النارية إلي أوروبا في منتصف القرن الـ17، وقد قال السفير الروسي في الصين في ذلك الوقت "ليف إزمايلوف"، أن الصينيين يصنعون ألعابا لم يرها أحدا في أوروبا، وفي عام 1747 ميلادية، طالب رجل السياسية والعسكري الفرنسي "أميدي فرانسوا فريزييه" بضرورة استخدامها في اغراض التسلية والاحتفالات، وقد وصل الأمر إلى تأليف مقطوعة موسيقية عام 1749 بعنوان "موسيقى الألعاب النارية الملكية"، قام بتأليفها الموسيقار الإنجليزي "جورج فريدريك هندل"، للإحتفال بمعاهدة "إيه لا شبيل" التي أنهت حرب الخلافة النمساوية.
وفي عام 1758، قام الفرنسي "بيير نيكولا دانكارفيل" بتدوين تركيبة الألعاب النارية وطريقة صناعتها، وأرسلها إلى الأكاديمية الفرنسية للعلوم، وبعد خمسة سنوات نُشرت تلك التركيبة، وتُرجمت لعدد من الغات عام 1765، ما جعلها تنتشر بين الناس، فقد كانت مجرد أسطوانة ورقية، داخلها مجموعة من الأنابيب الصغيرة التي تحتوي علي أكثر من مادة قابلة للاشتعال، بالإضافة إلي حبيبات تسمي "النجمات النارية" مختلفة الألوان، لتعطي وهجًا لونيًا، ومادة مؤكسدة تحفز عملية الأشتعال كالأكسجين، ولون مناسب من المواد الكيميائية التي تطلق ألوانًا، وأحيانًا يضاف الكلور ليمنح قوة أكبر للون اللهب.
والحقيقة أن الألعاب النارية لا توجد بها ألوان بالمعني المفهوم، ولكنها مواد كيميائية يتم إضافتها للمادة المشتعلة لتصدر تلك الألوان، فالكالسيوم علي المثال يمنح اللون البرتقالي، والسترونشيوم اللون الأحمر الشديد أو القرمزي، والليثيوم الأحمر المتوسط، والصوديوم اللون الأصفر، أما النحاس فيطلق اللون الأزرق، والباريوم اللون الأخضر، والسيزيوم اللون النيلي، بالإضافة إلى البوتاسيوم الذي يزهو باللون البنفسجي، والروبيديوم باللون البنفسجي المحمر، بجانب الفحم النباتي والكربون والفحم الحديد الذين يعطوا لونا ذهبيا، أما اللون الأبيض فتوجد مساحيق التيتانيوم والألومنيوم والبيريليوم والمغنيسيوم هي المسئولة عنه.
يمكن استخدام نفس المواد المسئولة عن إطلاق الألوان، في عمل أشكال أخرى أثناء العرض، بشرط استخدامها بنسب أقل، فعلي سبيل المثال مادة "الكالسيوم" المسئولة عن اللون البرتقالي، إذا تم مزجها مع نسبة قليلة من مادة "الباريوم"، يمكن تثبيت المواد المتطايرة في السماء لبعض الوقت، أيضا الكربون المسئول عن اللون الأسود، يمكن استخدامه كمادة دافعة ومشتعلة، أما "السيزيوم" فبعيدا عن اللون البني الذي يحدثه، فهو يساعد على أكسدة مركبات الألعاب النارية، كما توجد بعض المكونات الأخرى لا علاقة لها بالألوان، كالكبريت فهو مادة مشتعلة، والزنك المسئول عن الدخان، بالإضافة إلى الأكسجين والكلور.
في ثمانينيات القرن الماضي بدأت الألعاب النارية في دخول عالم التنافسية والمهرجانات الدولية، فأي فريق يمكنه أنه يصنع أفضل رقصات نارية في السماء، انطلقت تلك الفكرة عام 1985 بانطلاق مهرجان "لوتو كيبيك" الدولي، والذي يقام في مدينة مونتريال الكندية، يحضره أكثر من ثلاثة ملايين زائر، وبعد خمسة سنوات، وفي مدينة فانكوفر الكندية، انطلق مهرجان ألأخر تحت اسم "احتفال الضوء" عام 1990، وفي اسيا، وتحديدًا في مدينه "باساي" الفلبينية، تقام أطول مسابقاتها، والتي تستمر لستة أسابيع، خلال شهري فبراير ومارس من كل عام، بالإضافة إلى مهرجان فنون الثقافة النارية الذي يقام بمدينة "الريفييرا" الفرنسية صيفا.
حققت الألعاب النارية الكثير من الأرقام القياسية، سواء في صناعتها أو ممارستها، ما جعلها تدخل عالم موسوعة "جينس" الشهيرة، ففي عام 2010، قامت شركة "بيروركس إنترناشونال إنك" الفلبينية، بإطلاق أكثر من 125 ألف لعبة خلال 30 ثانية، وفي عام 2016، وأثناء احتفالات رأس السنة، حقق أكبر عرض للألعاب النارية في مدينة مانيلا عاصمة الفلبين بكنيسة "إغليجا ني كريستو"، بإطلاق أكثر من 810 ألف قذيفة خلال ساعة تقريبا، وفي مالطا عام 2011، سجل مصنع "ليلي فيريوركس" في تلك الموسوعة لصناعته أكبر لعبة تطلق شكلا يماثل "عجلة كاثرين"، وفي مهرجان "بحار أرياكي" بمدينة فوكوكا اليابانية، أطلق أطول لعبة نارية على شكل شلال بمقاس أكبر من 3.5 مليون متر مربع، عُرفت بإسم "شلالات نياجرا"، وعن أكبر صاروخ في العالم صنعته ولاية "نيفادا" الأمريكية عام 2014، والتي صنعت صاروخا يزن 97 كيلوجرام.
ولأنها لعبة تعتمد علي التفجيرات لها تأثيراتها السلبية، سواء علي البيئة الطبيعية أو البشرية، وهذا ما أكدته إحدى الدراسات العلمية، والتي قامت ببحيرة ولاية "أوكلاهوما" الأمريكية، وجود مركب "البيركلورات" الذي يدخل في صناعة الألعاب النارية، وبمعدلات تفوق المعدلات العالمية بمعدل يتراوح من 24 إلي 1028 ضعف، ما يؤثر على صحة الإنسان باعتبارها مواد سامة.
تختلف درجة التلوث على حسب التركيبة الكيميائية المستخدمة في الألعاب النارية، ودرجة تركيزها بالقذائف، ولكنها في العادة تسبب خللا في الغدة الدرقية، وبعض الحروق الجلدية، وإلتهابات حادة في العين، وقد يصل الأمر إلي اشعال الحرائق، وهو ما حدث فعليًا حينما احترق معبد "كولام" الهندي، وفي المكسيك انفجر متجر "سان بابليتو" عام 2016 بسببها، بالإضافة إلى إصابة الحيوانات الأليفة التي تربي بالمنازل بالذعر والقلق.
مؤخرًا بدأت بعض الدول اصدار بعض القوانين لتقنين ووضع معايير الاستخدام لتلك الألعاب، فقد أنشأت الولايات المتحدة الأمريكية منظمة "الكحول والتبغ والأسلحة النارية والمتفجرات"، مسئولة عن منح تراخيص الصناعة والاحتراف، أما المملكة المتحدة فأتبعت طريقة التصنيف، فبعض الألعاب تستخدم في المنازل، والبعض يصلح للحدائق، والبعض لا يستخدمه إلا المحترفين، وجعلت إدارة "الصحة والسلامة" تتولى الإشراف على هذه التراخيص، بينما فرقت كندا بين الألعاب الاستهلاكية والألعاب التجارية، وهي لا ترخص إلا الألعاب التجارية فقط، أما فلسطين والكويت فقد منعتا تلك الألعاب بشكل نهائي.
مجلة علمية معرفية وثائقية تتناول الشخصية المصرية