لقبوه بملك الطيور وسيد الجو

"النسر النوبي".. حارس المُلك الفرعوني وملك الآلهة المصرية

كائن لاحم عدواني، وصف بسيد الجو، يشغل مكانا بارزا في عالم الشعارات في العصر الحديث، وإن كانت علاقته بالإنسان المصري قديمة، فقد عرفه منذ العصور الفرعونية السحيقة، ورفعه إلى أعلى مكانة يمكن أن يصل إليها طائر أو كائن حي، فقدسوه وجعلوه رمزا للآلهة.

 

"النسر النوبي".. والمعروف بإسم "نسر أذون"، أحد الطيور اللاحمة التي تبقت من العالم القديم، وجاءت النقوش الفرعونية على جدران المعابد في محافظة الأقصر، لتظهر لنا مدى تقديس ذلك الطير خاصة في عصور الدولة القديمة، فقد ارتبطت بالآلهة "نخبت" ربة الكاب، آلهة مصر العليا، كحامية للملك، صورها المصري القديم على هيئة أنثى النسر على رأسها التاج الأبيض، كما أرتبط بالآلهة "موت" التي يرمز لها بأنثى النسر، أو امرأة على رأسها التاج المزدوج.

 

وفي حضارة بلاد اليونان القديمة، ارتبط النسر النوبي بالإله "زيوس" أبو الآلهة والبشر عند الإغريق، الذي كان يحكم آلهة جبل الأوليمب باعتباره الأب الوريث، وكان يطلق عليه "إله السماء" الذي يخشاه الإغريق كثيرا، لأنه يتحكم في قوى الطبيعة الرهيبة كالبرق والرعد، وعادة ما كانوا يصوروه على هيئة رجل ملتح وقور يحمل في يده الصاعقة، وعلى اليد الأخرى يقف نسر ضخم فارد جناحيه، أو جالسا يمسك صولجانه وبجوار قدمه يقف ذلك الطير.

كما ارتبط ذلك الطائر في الحضارة الرومانية القديمة بالآلهة "جوبيتر"، ملك الآلهة الرومانية، إله السماء والبرق والرعد، الذي يعد الإله الرئيسي في ثالوث كابيتولين، وهو في المعتقد الروماني أبو الإله "مارس" إله الحرب، أي جد "رومولوس" و "رموس"، وهما المؤسسين الأسطوريين لروما، وكان يصوره الرومان أيضا في صورة رجل ملتحي وقور جالسا وهو يمسك صلجان الصاعقة، وبجواره يقف النسر، أما في العصر الحديث، فقد التفت إليه زعماء العالم، وتوجوه ملكا للطيور، وسيدا للجو، ووضعوه في مكانا بارزا في عالم الشعارات والرايات.

 

رغم أن النسر أذون أو النسر النوبي ينتمي إلى رتبة الطيور الجارحة التي تشمل 225 نوعا منها العقاب والباز، إلا أنه لا يتجانس معها، ولا يحب الاقتراب منها، حتى إنه يكره أن يشم رائحة أي نوع منها، ينتشر ذلك الطير في جميع أنحاء القارة الإفريقية، وإن كان يختفي في الكثير من الأجزاء الوسطى والغربية.

 

أعشاش ذلك النسر واسعة الإنتشار فتوجد في دول السنغال، ومالي، وبوركينا فاسو، والنيجر، وتشاد، والسودان، وجنوب شرق مصر، وإثيوبيا، والصومال، وكينيا، وتنزانيا، وأوغندا، ورواندا، والجزء الشرقي من جمهورية الكونغو الديمقراطية، وزامبيا، ومالاوي، وموزمبيق، وسوازيلاند، وشمال شرق جنوب أفريقيا، وزيمبابوي، وبتسوانا، وناميبيا، وغامبيا، وغينيا، وساحل العاج، وبنين، وجمهورية أفريقيا الوسطي وجنوب أنجولا، وربما في موريتانيا و نيجيريا، وعبر البحر الأحمر، إلى اليمن، وعمان والإمارات العربية المتحدة.

وعادة ما يفضل ذلك الطائر الحياة في حشائش السافانا الجافة، والسهول القاحلة، والصحاري والأشجار المتناثرة في الأودية والمنحدرات الجبلية المفتوحة، ويمكن العثور عليه في البلاد المفتوحة التي ليس بها أي عوائق جبلية، وهذا يدل على إنها تفضل الأماكن التي يوجد بها غطاء نباتي قليل، حتى يمكنها مراقبة فرائسها من على بُعد والانقضاض عليها، رغم ذلك يمكن أن نراها تتجول في الموائل الأكثر كثافة.

 

يعتبر نسر أذون أضخم أنواع النسور المجنحة في العالم، فقد وصف بأنه أطولها على الإطلاق، فيبلغ طول جسمه ما بين 95 إلى 115 سم، كما يصل طول جناحيه من 2.5 إلى 2.9 متر، ويتراوح وتر جناحيه من 71.5 إلى 85.5 سم، والذيل من 33 إلى 36 سم، أما المنقار فيصل إلى 10 سم.

 

يتميز نسر أذون برأس أصلع، يتدرج لونه بين اللون الأحمر في الأنواع الموجودة في جنوب أفريقا، إلى اللون الوردي الباهت في الأنواع التي تنتشر في شمال أفريقيا، أما الأنواع الموجودة في شبة الجزيرة العربية فيأخذ الجزء الخلفي من الرأس اللون الوردي، بينما تكون مقدمة الجبهة من اللون الرمادي، وعادة ما يكون لون ريش الظهر والجناحان أسود يتخلله اللون البني، في حين يتدرج لون البطن من البني الفاتح إلى البرتقالي حتى الأبيض النقي، وعادة ما يشاهد على الأرض أو طائرا على ارتفاع 4500 متر.

ويتغذى ذلك الطائر الجارح على جثث الحيوانات التي يعثر عليها، أو عندما يشاهد النسور الأخرى تحلق حول فريسة مصابة وتترنح، فيعلم إنهم ينتظرون موتها لينقضوا عليها فيتجه لينضم إليهم، وتبدأ تمزق جلدها لتصل إلى اللحم، ولا تتركها إلا وهي هيكل عظمي تام، ويعتبر هذا النسر الأقوى والأكثر عدوانية من بين النسور الأفريقية، حتى أن غالبية النسور الأخرى عادة ما تتنازل عن فريستها طواعية إليه، وذلك إذا ما قرر فرض نفسه على هذه الوليمة.

 

أما الضباع فبينها وبين النسر النوبي صراع كبير، فهما يتشاركا في البرية وفي التغذية على الجيف، فغالبا ما تشاهد الضباع تلتهم وليمتها وحولها جمع من النسور، تحاول أن تفرض نفسها على الوليمة، ولأن الضباع أكثر مهارة وكفاءة ينجحون في إبعادها حتي ينتهون من تناولون طعامهم، فينقض النسر علي ما تبقي، ثم يترك القليل للأنواع الأخرى من النسور الأضعف، كما أنه على عكس كل أنواع النسور الأخرى الموجودة في العالم، إذا لم يجد الجيفة، يمكن أن ينقض على حيوانات حية ويقتلها، وقد شوهد وهو يقتل ثعالب ويتغذى على صغار الطيور في أعشاشها.

 

النسر النوبي كائن غير اجتماعي، يعيش منفردا، في مساحة قد تمتد من 8 إلى 15 كيلومتر، وعادة ما يوجد عُش أو عُشين في تلك المساحة، لكن نادرا ما يوجد 10 أعشاش في منطقة واحدة، رغم هذه المسافات الكبيرة يمكن لأكثر من 50 نسر أن يتجمعوا حول ضحية واحدة، يبني أعشاشه بكومة كبيرة من العصا، يصل طوله من 120 إلى 220 سم، بعمق يتراوح من 30 إلى 70 سم، وغالبا ما يصطف العُش مع الأوراق الخضراء وشعر وجلود الحيوانات.

أعلى شجرة الأكاشيا مسكنه المفضل، وقد يستعيض عنها بأشجار البلانيت والأشجار الأخرى بشرط أن تكون فروعها مرتفعة عن الأرض من 5 إلى 15 متر، وتضع الأنثى من بيضة إلى بيضتين، يحتضنهما الوالدان فترة تتراوح من 54 إلى 56 يوما حتى يفقس، وغالبا ما تعتمد الصغار في غذائها على أبويها لمدة عام كامل.

 

الصيد الجائر وتدمير الموائل الطبيعية كان السبب الرئيسي لوضعه في القائمة الحمراء للكائنات المهددة بالإنقراض، بعد أن تراجع أعداده بشكل ملفت للنظر، حتى أن ذلك الكائن الذي كان ينتشر في جميع أنحاء مصر، ويهتم به المصريون القدماء حد التقديس، يقتصر وجوده اليوم في محمية وادي علبة جنوب البحر الأحمر.

مجلة علمية معرفية وثائقية تتناول الشخصية المصرية