"واحدة من أعظم القوى الأربع في العالم"... هكذا قال أهم مؤرخي الحضارة الفارسية، قوي نمت في شرق القارة الأفريقية، رغم انها تأسست في القرن الأول الميلادي، لم تزدهر إلا خلال القرنين الرابع والسابع الميلادي، قبل أن تسقط نهائيا في القرن العاشر الميلادي، تقول إحدي الأساطير أن مؤسسها أحد أحفاد الملك سليمان علية السلام.
"مملكة أكسوم"، تلك المملكة الإفريقية العريقة، نشأت أعلي جبال عدوة الشهيرة شرق إقليم تجراي بإثيوبيا، في نفس المنطقة التي كانت تعرف قديما بإسم الحبشة، بلغت أوج حضارتها في وقت كانت أوروبا تغط في ظلام مروع، ورغم ذلك لا يملك علماء التاريخ أي معلومات مؤكدة حول تاريخ تأسيسها تحديدا، ولكنها بدأت تكتسب أهمية منذ عام 50 ميلادية.
خلال القرن الرابع الميلادي، حكم أكسيوم ملكا يسمي "إيزنا" أو "عيزنا" كما تنطق باللغة الجعزية، وهي لغة ابتكرتها تلك الإمبراطورية، وعندما اعتنق ذلك الملك المسيحية، جعلها الديانة الرسمية للمملكة، وفي عهده بلغت مملكة أكسوم أوج قوتها التجارية والعسكرية، حتى إنه شكل جيشا استطاع أن يهزم به مملكة مروي السودانية في الشمال، وتمكن من القضاء عليها إلي الأبد عام 350 ميلادية.
من المعروف أن هذه المملكة كانت من أثرى الحضارات القائمة في القارة السمراء في ذلك العصر، ويعود الفضل في ثراءها وقوتها إلى ميناء "عدول" على البحر الأحمر، فقد كان هذا الميناء مركزا تجاريا عالميا، فكان يرد إليه الذهب والعاج وكافة المواد الخام من مملكة كوش، ومن الأجزاء الأخرى من قلب إفريقيا.
نشطت تجارة مملكة أكسيوم وع أهم حضارات العالم، وعلي الأخض مع الحضارة المصرية واليونانية وروما وبلاد فارس والهند وسيلان، لذلك كانت تجري تنسيقا استراتيجيا مع كل القوى البحرية في المطلة علي البحر الأحمر، وكانت أهم منتجاتها التجارية تعتمد على التوابل والصمغ العربي الذي يدخل في صناعة الحلويات والأدوية والغراء.
أمتد حكم مملكة أكسوم حتى جنوبي الجزيرة العربية، وفي أواخر القرن السادس غزا الفرس الجزيرة العربية ووضعوا العراقيل أمام أكسوم حتي لا تستمر في التجارة مع الممالك الواقعة على البحر الأحمر والجزء الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، ما شكل بداية لإنهيار المملكة، وعندما فتح المسلمون في القرن السابع الميلادي بلاد الفرس أوقفوا هجرة المستوطنين من جنوبي الجزيرة العربية إلى أكسوم.
أدي انتشار الدين الإسلامي في الجزيرة العربية وشمالي إفريقيا الي حصار مملكة أكسوم المسيحية، ما ادي الي اندلاع الحروب بين الطرفين، أهمها تلك الحرب التي شنها الإمام أحمد حاكم الصومال حينما أغار علي المملكة، ما دعا الملكة الحاكمة للحبشة طلب المدد من البرتغال لقوة أسطول مملكة الصومال، ولكن قطع الإمدادات من جهة البحر وجيش الإمام أحمد من الداخل والصراعات الداخلية التي كانت في اليمن في ذلك الوقت ساهم في هزيمتهم في الحبشة.
حربهم مع المسلمين والشعوب المحيطة بهم طوال الفترة ما بين القرن السابع والعاشر الميلادي، أفقدت أكسوم القوة والأرض، وإن بقيت ثقافتها وازدهرت فيما بعد في إثيوبيا، واليوم وبعد مرور عشرة قرون على انهيارها لا يتذكرها أحد، حتى أن المؤرخ ادوارد جيبون كتب في كتابه "نشأة الإمبراطورية الرومانية وسقوطها" يقول أن الإثيوبيين الذين كانوا محاطين بالأعداء من كل جانب ناموا قرابة ألف عام غير عابئين بالعالم الذي نسيهم.
ورغم نسيان العالم لها، إلا أن هذه البلدة الفقيرة المعزولة في المرتفعات الشمالية لإثيوبيا، يوجد بها آثار تعود إلى الحقبة الممتدة من القرن الأول إلى القرن العاشر كدليل قائم على السلالة الملكية في أكسوم، يوم كانت أحد الإمبراطوريات القوية، ويكفي عشرات المسلات التذكارية والتي بنيت من حجر واحد والمقابر الملكية وأطلال القصور القديمة.
ويعتبر مسلة أكسوميتي في أكسوم، للملك ستيلا إزانا، من أبرز المعالم المعمارية وأعظمها في إفريقيا القديمة، وهو عبارة عن عامود حجري ارتفاعه 100 قدم، يزن 500 طن، ويعد أكبر مسلة في العالم مصنوعة من حجر واحد، نحتت بطريقة تجعله يبدو مثل بناية من 13 طابقا.
مجلة علمية معرفية وثائقية تتناول الشخصية المصرية