"مركب القناطر الخيرية قدامها 4 ساعات وتطلع.. أقلها نجمع 20 نفر"، كانت تلك المدة التي وعد بها «ريس» المركب في مرسى الأتوبيس النهري القائم أمام مبنى ماسبيرو على كورنيش النيل؛ 4 أفراد جالسين وسط ساحة انتظار مليئة بالكراسي الفارغة، فضلوا قطع رحلتهم نهراً بديلا للوسائل البرية التي يمكن أن توفر الوقت ولكنها، تقتطع جانبا من متعة الرحلة الأجمل في قلب القاهرة الكبري، فاختاروا الانتظار والالتهاء بأحاديث مسلية ومشاهدة المراكب والسفن الراسية بالنيل وتصويرها؛ مع مراقبة البوابة من حين لآخر يحصون القادمين لملء الكراسي الفارغة، وبعد مرور 4 ساعات أرسلهم السائق لمركب آخر أصغر حجما لأن العدد لم يكتمل.
"خمسة وعشرون جنيهاً فقط لا غير.. ورحلة سعيدة ذهاب وعودة"؛ هي سعر تذكرة المركب التي ودع بها الركاب حياة البر، ومع مداعبة رياح النيل لوجوههم ومتعة مشاهدة مراكب الصيد التي خرج أصحابها للرزق؛ أيقنوا أن الانتظار كان الخيار الأمثل.
في غضون ساعة من تلك الرحلة النيلية يظهر أمامك أول أثر معماري للقناطر الخيرية بناه مؤسس تلك المدينة وهو كوبري محمد علي بشكله المعماري العتيق، ليعلو صوت ريس المركب: "حمدلله على السلامة.. العودة بعد ساعتين".
"حنطور بـ10 جنيه يا باشا"، هكذا يحاول "سائق حنطور" اجتذاب زبون بمجرد أن يدب برجليه أرض المدينة ليبدأ رحلته، واعدا إياه بجولة لزيارة أهم معالم القناطر، والتي تشمل قصر الملك فهد ومشنقة محمد علي وبوابات القناطر والشلالات واستراحة الرؤساء بالإضافة إلى التنزه وسط الخضرة والأشجار العالية.
قمنا بزيارة قصر الملك فهد ومشنقة محمد علي وبوابات القناطر والشلالات واستراحة الرؤساء، فكانت مشاهد تدل علي قوة وعبق التاريخ المصري الحديث الذي أسسه محمد علي باشا، وفي وسط هذا الإحساس المثير قطع علينا سائق الحنطور، قائلا "مبنشفش الناس غير في شم النسيم"، اشتكى سائق الحنطور من تراجع السياحة بالقناطر الخيرية، فرغم وجود آثار ومبانٍ عريقة بالإضافة إلى وسائل ترفيه تشمل ركوب الدراجات والخيل والمراجيح، لم يزر الحديقة في ذلك اليوم سوى من جاءوا بالمركب.
وبعد مرور الوقت المحدد للعودة بالمركب عاد الجميع من جولتهم التي حاولوا خلالها زيارة أكبر جزء ممكن من تلك المدينة الكبيرة، للاستمتاع مرة أخرى برحلة النيل ولكن تلك المرة كانت في أحضان الغروب الذي أضفى للرحلة جمالا مضاعفا.
وتستمد مدينة القناطر الخيرية التي تقع في محافظة القليوبية، اسمها من قناطر بناها الوالي محمد علي، خلال تشييده للمدينة، حيث خصص 500 فدان على النيل للحدائق المقامة بنمط المتنزهات والحدائق الأوروبية، وجلب أشجار نادرة، مطلقا عليها عند افتتاحه لها "أعظم حدائق الشرق".
مجلة علمية معرفية وثائقية تتناول الشخصية المصرية