خمسون عامًا من الإبداع العلمي

"ستيفن هوكنج".. العقل الذي انتصر علي إعاقة الجسد

"نصيحتي للأشخاص المعاقين التركيز على الأشياء التي يمكن القيام بها رغم الإعاقة.. ولا تجعلوا أروحكم معاقة مثل جسدكم".. أبرز كلمات خرجت من فم أحد أهم علماء القرن الواحد والعشرين، اعتقد البعض يومًا أنه تعمد أن يُلقيها عليهم لظروف إعاقته التي أصابته منذ أكثر من خمسة عقود مضت، ولكنهم أدركوا فيما بعد أن كلماته تلك كان يوجهها إلي نفسه قبل أن يوجهها إليهم.

 

لم يكن "ستيفن هوكنج" مجرد باحث في علوم الفيزياء، ولكنه أحد أبرز علماء الفيزياء النظري، وعلم الكون على مستوى العالم، عقل عظيم استثنائي سيعيش إرثه العلمي لسنوات طويلة، تذخر مكتبته البحثية بأبحاث نظرية في علم الكون وأبحاث في العلاقة بين الثقوب السوداء والديناميكا الحرارية، كما له أبحاث ودراسات في التسلسل الزمني، ليثبت عمليًا أن إعاقة الجسد لا يمكنها أن تقضي علي سلامة العقل.

 

"أعظم عدو للمعرفة ليس الجهل، بل هو وهم المعرفة".. تلك كانت رؤية ستيفن هوكنج، لذلك سعي طيلة أكثر من خمسة عقود علي فهم الكون، وما يحيط بالإنسان، حتي أصبح عالمًا مشهورا نتيجة عمله على "إشعاع هوكينغ"، حيث قال إن الثقوب السوداء ليست سوداء تماما، ولكنها تتوهج نتيجة أنواع مختلفة من الإشعاع، ما يعني أن نظريته ساهمت إلي حد كبير في تغيير نظرتنا للكون بشكل كبير، حيث شملت رؤى رائعة حول كيفية تدمير الثقوب السوداء واحتفاظها بالمعلومات، ما دفعه إلى القول، إن الثقوب السوداء قد تكون مثابة ممر إلى كون آخر.

 

ورغم أن فكرة "إشعاع هوكينغ" ما تزال عبارة عن نظرية فقط، ولكنها في نفس الوقت، وإذا ما ثُبتت لكان من المحتمل فوزه بجائزة نوبل، فقد تم تحديد الإشعاع لأول مرة في عام 1974، وهو يصف الآثار الغريبة التي يجب أن تكون مرئية بشكل خاص حول الثقوب السوداء الصغيرة جدًا، حيث يتم التخلص من الإشعاع، وقد قام بالكثير من العمل والبحث العلمي لتحويل هذا الاهتمام والإكتشاف النظري، إلى ملاحظة عملية تطبيقية، ولكن بما أن الثقوب السوداء صعبة المراقبة، فلم يكن بالإمكان رؤية وهج الإشعاع المتوقع أن يحيط بها.

 

ولد هوكينغ في مدينة أكسفورد البريطانية عام 1942، لأب إنجليزي وأم أسكتلندية، وفي عام 1963 وقبل أن يبلغ الحادية والعشرين من عمره، أصيب بمرض التصلب الجانبي الضموري، أو مرض "Lou Gehrig"، والذي نتج عنه شلل يجعله غير قادر على الكلام إلا بأجهزة إلكترونية، توقع الأطباء يومها أن حياته ربما تنتهي خلال 3 أعوام من اكتشاف المرض، ولكنه عاش لأكثر من 50 عامًا، وفاجأ الجميع عندما بدأ بإعطاء محاضرات في جميع أنحاء العالم، كما ألف كتبًا في غاية الأهمية، علي رأسها "تاريخ موجز للوقت" و"الكون باختصار".

 

قبل أن يُصاب بالعجز بشكل كامل، وتحديدًا في أواخر عام 1960 تدهورت قدراته البدنية وبدأ في استخدام العكازات، كما خسر القدرة علي الكتابة، فطور أساليب بصرية تعويضية، بما في ذلك رؤية المعادلات بمنظور هندسي، فقد كان رغم اعاقته يرفض قبول أي مساعدة أو تقديم أي تنازلات بسبب تلك الإعاقته، بل أنه أكد يومًا أنه يفضل أن يُعتبر نفسه أولاً عالِم، ثانيًا كاتب علوم شعبية، وفي كل الأمور التي تهم، إنسان عادي مع نفس الرغبات، المحفزات، الأحلام، والطموح كالشخص الآخر، فكان طبقًا لزوجته "جين هوكنج" يتمتع بالإصرار والعناد

 

في أواخر السبعينات تدهورت حالة ستيفن هوكنج، لم يتمكن أحد، سوي عائلته وأصدقاؤه المقربون فقط، من فهم كلماته، وبمنتهي الصعوبة، حتي إنه اضطر للاستعانه بشخص ما يعرفة جيدًا ليترجم كلامه إلي خطاب واضح، ولأسباب تتعلق بخلافه مع جامعته حول من سيتحمل تلك التكاليف ليُلقي محاضراته، قاد وزوجته حملة من أجل تحسين طرق الوصول لذوي الإعاقة في كامبريدج، بما في ذلك تكييف مساكن الطلاب في الجامعة.

 

"كيف سيتمكن الجنس البشري من الدوام لمائةِ عامٍ أخرى في ظل عالم تملئهُ الفوضى السياسية والاجتماعية والبيئية؟".. مجرد سؤال نشره ستيفن هوكنج عام 2006، وكالعادة لم يضع له أي إجابة، وكلنه كتب معقبًا، "لا أعرف الجواب.. لهذا السبب طرحت السؤال لأحمل الناس على التفكير في الأمر وليكونوا واعين إزاء الأخطار التي نواجهها الآن"، فقد كان كثيرًا ما يعبر عن قلقه علي الجنس البشري، في ظل خطر محتمل، كإندلاع حرب نووية، أو انتشار فيروس جرت هندسته وراثيا أو الاحتباس الحراري، ما يؤثر علي حياة البشر نفسهم، بل وانقراضهم، لذلك يري ضرورة إرسال الرحلات الفضائية، واستعمار الفضاء من أجل تأمين مستقبل البشرية.

مجلة علمية معرفية وثائقية تتناول الشخصية المصرية